كيف تسلّـلَ " لي بو الشاعرُ " إلينا ...

2015-06-08
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/fd65a668-424e-421e-a119-c728061960dc.jpeg
في أواسط الخمسينيّاتِ ، أصدرَ بدر شاكر السياب  كُتَيِّباً بعنوان " مختارات من الشِعر العالميّ " ، أو نحو ذلك ، فقد بعُدَ الزمنُ  ، حتى ضاقَ بنا !
على أي حالٍ، أتذكّرُ في ما أتذكرُ أن من بين المختارات قصيدةً لجاك بريفير .
كما أنني متأكدٌ تماماً من أن في " المختارات " قصيدةً للشاعر الأميركيّ إزرا باوند، بعنوان " رسالة من زوجة تاجر النهر " .
الحقُّ أن هذه القصيدة، في نصِّها الإنجليزي، الذي اعتمده بدرٌ في الترجمة، هي ليست لباوند، بل هي ترجمة باوند من اللغة اليابانية لقصيدة " لي بو "  التي تمَّ نقلُها إلى هذه اللغة من أصلِها الصينيّ .
لقد تصرّفَ باوند، كما حلا له، فقدّمَ نصّاً جميلاً، مؤثِّراً .
لكن ثمّت ملحوظات  جادة حول الترجمة، منها أن المخاطَب، في النص الأصل، لم يكن تاجراً، تاجر نهرٍ، بل كان قبطانَ نهرٍ هو اليانغتسي الجبّار، كان المخاطَبُ River captain، وفي متداوَلِنا في البصرة والخليجِ، كان " نوخْذة " .
ترجمةُ بدر للقصيدة، كانت باذخةً . وقد التزمَ بالوزنِ، كما يفعلُ، عادةً، المترجِمون الأدقّ احترافاً .
هل انتبه أحدٌ، ولو في السِرّ، إلى أهمية ما فعله بدرٌ العظيمُ ؟
في ما يتّصِلُ بي :
أعتقدُ أنني ظللتُ زمناً، أردِّدُ القصيدةَ، بل لقد حفظتُها، عن ظهرِ قلبٍ، كما نقول .
ومن المؤكَّدِ، أنني لم أعُدْ أحفظُ القصيدةَ عن ظهرِ قلبٍ .
لكن القصيدة ظلّتْ كامنةً .
هل كانت قصيدتي المعروفة : يا سالم المرزوق، استعادةً لقصيدة لي بو ؟
يا سالم المرزوق، خذني في السفينةِ، في السفينةْ
خُذْ مقلتي ثمناً، سأفعلُ ما تشاء
إلاّ حكاياتِ النساء ...
*
القصيدة الأصل، موضع الحديث، هي القصيدة الأولى في هذا الكتاب .
*
ولِدَ لي بو، العامَ 701 في " طقماق " بقيرغيزستان الحاليّة، لكن أسرته استقرّت في سيشوان حيث ترعرعَ.
غادرَ البيت العائلي في العام 725، جوّابَ آفاقٍ في وادي نهر اليانغتسي،  يكتب الشِعر.
في العام 742 عيّنه الإمبراطور كسوانغْ زونغْ  في أكاديمية هانلين . لكنه ما لبِثَ أن طُرِدَ من البلاط الإمبراطوري .
ثم دخل في خدمة الأمير يون، الذي قاد ثورةً بعد تمرُّد آنْ لوشان في العام 755.
حُبِسَ لي بو بتهمة الخيانة، ونُفيَ، ثم صدر عفوٌ عنه، فعاد جوّاباً في وادي اليانغتسي.
تزوّجَ أربع مرّاتٍ . وكان صديقاً للشاعر الشهير تو - فو .
قضى في العام 762 مسموماً، أو بتلَيُّفِ الكبِد .
*
تأثّرَ لي بو بالكونفوشيوسية ، والتاويّة بخاصة ( ترِدُ في قصائده إشاراتٌ إلى التاو ) ، كما أنه ابنٌ للطبيعةِ ،
ومُحِبٌّ للكأس .
كان جوّابَ آفاقٍ، مُعْظَمَ حياته، لا بسببٍ من فقرٍ، بل بسببٍ من غنىً .
وبالرغم من كونفوشيوسيّته، إلاّ أن سيرتَه في صِباه، وهو المغامرُ الحرُّ، كانت بعيدةً عن تعاليم الكونفوشيوسية .
في الصين الآن ألفٌ ومائةٌ من القصائدِ المنسوبةِ إليه .
ويعتبره الصينيون، شاعرَهم الأسمى، حتى اليوم .
قبل أيام كتبتُ إلى صديقي الصينيّ ليان ْبِن ني أُخبره باعتزامي نقل شاعرهم إلى العربية .
ضحك صديقي ، قائلاً : العالَم لديه مختلفٌ تماماً عن عالم الصين الآن ...
لكنه أضاف : أتعلمُ ؟  ابنتي في الروضة، وهي تستظهرُ في هذه اللحظةِ قصيدةً من لي بو !

لندن  12.10.2014
--------------------------------------------
*  المادّة  مقدمة لكتاب " جِرارٌ  بلونِ الذهب " الذي سيصدر عن " دار الجمل " ويضمّ
 مختاراتٍ من شاعر الصين لي بو  Li Po

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved