لا حرية للرجل بدون حرية للمرأة

2011-12-10

متى نغير مجتمع الكوتات النسائية؟!

ما زال شرقنا يفرز بين الذكورة والأنثوية، بشكل مهين وارثاً ومحافظاً على فكر طبع عقليته التربوية، محدداً مكانة دونية للمرأة، وهذا مثبت في ثقافتنا وتصرفاتنا وميولنا الفكرية، حتى بوجود، لسعادتنا الكبيرة، رجالا يدافعون عن حقوق المرأة، ويطرحون مواقف نيرة متحررة، يسارية وثورية، رغم ذلك نجد أن ترسبات نظرة المجتمع الدونية للمرأة، تبقى متأصلة في تصرفاتهم، بمعرفة أو بدون معرفة... لا فرق!!
وأنا أميل إلى رؤية، إن تفكيرهم الذي يقبل منطق المساواة، منفصل عن تصرفاتهم الملموسة والعملية بكل ما يتعلق بحقوق المرأة ومساواتها العملية وليس اللفظية فقط .
حتى حين تقر هيئة، أو تنظيم، تخصيص ثلث الأماكن التمثيلية للنساء (ما يعرف بالكوتا النسائية) نجد أن الثلث يبدأ من أول الأماكن غير المضمونة... والسؤال لماذا لا يكون النصف لنصف المجتمع؟! هل النساء ثلث المجتمع فقط؟! والسؤال الآخر لماذا لا يكون التمثيل ضمن الثلاثة الأوائل؟! مثلاً ليكن الرجل متقدماً، وليكن المكان الثاني للمرأة والثالث للرجل. أو على الأقل المكان الثالث للمرأة، وهذا تفسير سليم لما يعرف بالثلث المضمون للمرأة الذي أقرته بعض الهيئات والتنظيمات، رغم أن جذوره تنطلق من إنصاف لهذا المخلوق المسمى بالمرأة ، الذي لا مفر لنا من رعايته، وأخذه بعين الاعتبار، حتى نبرز كحضاريين نقر بالمساواة في ثرثرتنا على الأقل.
اطرح هذا الموضوع مجدداً ضمن رؤيتي، إننا ما زلنا مجتمعاً ذكورياً، يغلف نفسه بمواقف شكلية، لتغطية شوفينيته .

دونية المرأة هي دونية المجتمع

لا أتهم أشخاصاً متنفذين، بل أتهم أخلاقيات من الصعب الفكاك منها دون إرادة صلبة، وفهم أن الموضوع لا يتعلق بشكليات وعروض، إنما بجوهر فكري واجتماعي وأخلاقي، الاستهتار به لن يخدم أي فكرة سياسية أو وطنية ندرجها على أجندتنا، ولن يساعد على أحداث نقلة نوعية في تربيتنا، خاصة بما يتعلق بالأجيال الناشئة، التي تنشأ على نفس النهج الماضوي الذي لا يتنازل عن دونية المرأة، بل وأدعي أننا نواجه تراجعاً معيباً، نحو المزيد من تثبيت الرؤية الدونية للمرأة، وهذا تعمق أساساً مع اتساع ظاهرة التدين في العقود الثلاث الأخيرة.
هناك مجتمعات متحررة نسبياً من النظرة الدونية، وهذا التحرر النسبي، أعطى للمرأة أدواراً هامة في مختلف مجالات الحياة، من العلوم إلى الاقتصاد إلى الثقافة، إلى المبنى الاجتماعي، والمبنى التربوي.... والظن أن المجتمعات "المحافظة" ( أي مجتمعات دونية المراة بشكل فظ ) هي أكثر تماسكاً وأكثر أخلاقية، تثبت كل الأبحاث التي أجريت في السنوات الأخيرة، إنها تتناقض تماماً مع الواقع، تتناقض مع الرقي الحضاري للمجتمع، في جميع المجالات التي تعتبر مقياساً لتطور المجتمع.
من هنا لي رؤية سلبية من كل محاولة فصل المرأة وتخصيصها ببعض "الهبات الكريمة" من مجتمع ذكوري ، أو إعطاء نشاطها صفات مستقلة عن مجمل النشاط الاجتماعي والثقافي ، أرى بذلك، تثبيتاً للنظرة الدونية للمرأة، بما في ذلك ما يعرف بالحصة النسائية، أو الكوتا النسائية، التي تجيء لإنصاف المرأة.... ولكنها تؤكد بنفس الوقت ، وبتصميم، دونيتها.
صحيح إننا نشهد ما يمكن اعتباره "تمرداً" نسائياً. خاصة في المجال الثقافي والإبداعي الذي يمكن تأويله بأشكال عدة ... ولكني أراه رد فعل تلقائي ضد النفي العملي السائد في مجتمعاتنا ،بكل ما يتعلق بحقوق المرأة، وتعمق الفكر الماضوي في فكرنا الاجتماعي والثقافي.

اصطلاح الأدب النسائي استمرار للنظرة الدونية

إن تسارعنا في رؤية أن هذا التمرد كتشكيل لتيار ثقافي يطلق عليه اسم "الأدب النسائي" أو أسماء مشابهة، هو تسارع لم يأخذ بالاعتبار ظروف تشكل هذا الدافع الثقافي، بكونه رد فعل انتفاضي على واقع اضطهادي .
أستهجن أن العديد من الأديبات اندمجن بهذا التعبير، وأنا على ثقة أن انتشار هذا التعبير لا يتعلق بفهم كامل لمضمونه الدوني للمرأة. أيضاً في بعض الآداب العالمية. ولكن بشكل يتلاشى باضطراد.
الأدب النسائي هو نوع من "الكوتة النسائية في الأدب".التي تبرزها أساساً الثقافة الذكورية.
إذا كنا نرفض هذه الكوتة المهينة، والتي يتصرف فيها الذكور، ويحددون مدى مشاركة المرأة في قرارات تتعلق بمستقبل مجتمعاتنا ، فلماذا نقبلها في الساحة الأدبية؟!
يجب أن نتحرر مرة والى الأبد من التقسيمات الجنسوية في السياسة والمجتمع والثقافة وأن نبدأ بتشكيل اتجاهات فكرية لبناء علاقة مختلفة، علاقة تتخلص من النظرة الدونية للمرأة.
هذا ليس سهلاً ولا يتعلق بقرار ذكوري، إنما بدور نسائي متنامي مدعوم من الأوساط الأكثر انفتاحاً وتقدماً في مجتمعاتنا.
والمرأة تملك أدوات مؤثرة يجب أن تعرف كيف تجعلها آليات تخدم التغيير. وهو تغيير ليس لمصلحة النساء بالتحديد، بل لمصلحة تقدم مجتمعنا بكل تركيبته وبكل مجالات حياته.
والموضوع ليس رفقاً "بجنس لطيف" بل رؤية حضارية للمجتمع الذي نريده، ذكوراً وإناثا، عادلاً، متطوراً، يفاخر المجتمعات بإنجازاته الحضارية. تصوروا مثلاً مقاطعة النساء لكل قائمة انتخابية لا تعطي للمرأة ثلثاً مضموناً (ولا أريد أن أقول النصف) في أي تركيبة انتخابية ، مع دعم أوساط اجتماعية غير نسوية لهذه الخطوة، بالطبع الاقتراح يبدو خيالياً، ولكن بوجود منظمات نسائية نشطة لا شيء مستحيل.
مجتمعنا يجب أن يرقى نحو تغيير الكثير من الرواسب المعيقة على تطوره، ولنبدأ بتحرير ثقافتنا أولاً من العقلية الثقافية التي تفرز للنساء نطاقا ثقافياً خارج ثقافة المجتمع- "كوتا ثقافية باسم "الأدب النسائي"، نظرة دونية مهينة لكل مفكر متنور وليس للنساء فقط!!

التغيير لن ينجز بدون المراة
يمكن القول انه بدون المرأة ما كانت التسونامي الثورية العربية تنجز ما انجزته في الأشهر الأخيرة. ان حلمنا بمساواة كاملة هو حلمنا بمجتمع حضاري متنور منطلق في رحاب التطور والتقدم العلمي والإقتصادي، ولا اقول هذا توددا للنساء ، انما اعترافا بالدور المميز للمرأة في دعم مسيرة التغيير المجتمعية ، واحداث انطلاقة تنويرية ، بصفة المرأة الحاضنة الأساسية للجيل الجديد.. وملهمتهم في اجتياز اهم مراحل الحياة نحو البلوغ .
هل يظن بعض أصحاب النظرات الرجعية ( ولا أقول المحافظة، المحافظ ليس ظلاميا او ماضويا ، بل شخص لا يتسرع في قراراته من منطلقات عقلانية تفحص حتى العمق أفضليات المطروح عما هو سائد) انه يمكن تربية جيل جديد باحضان امهات جاهلات مقموعات بلا احترام مكانتهم كمواطنات وجزء من البشر ، مساويات في الحقوق للرجل؟
ما زلت على قناعة، ان موضوع المرأة يجب ان يحتل مساحة أكبر بحركة التغيير الثورية العربية التي انطلقت من تونس الى مصر الى ليبيا الى اليمن الى سوريا والعقبال لكل الأنظمة البالية ... ولكن انتبهوا.. الحقوق النسائية وتشريعها بالقانون بوضوح ، هو الوجه المضيء او الأسود لما يجري اليوم من تغيير ثوري حضاري في المجتمعات العربية، وهو المقرر بمضمون التغيير وحضاريته.
اصلا لا حرية للرجل بدون حرية للمرأة. قمع المرأة هو الوجه الآخر لقمع الرجل.

Nabiloudeh@gmail.com


نبيل عودة

 
- ولد في مدينة الناصرة (فلسطين 48) عام 1947.
درس الفلسفة والعلوم السياسية في معهد العلوم الاجتماعية في موسكو .
كتب ونشر القصص القصيرة منذ عام 1962.
عمل نائبا لرئيس تحرير صحيفة " الأهالي 
شارك سالم جبران باصدار وتحرير مجلة "المستقبل" الثقافية الفكرية، منذ تشرين أول 2010
استلم رئاسة تحرير جريدة " المساء" اليومية .
يحرر الآن صحيفة يومية "عرب بوست".
من منشوراته : 1- نهاية الزمن العاقر (قصص عن انتفاضة الحجارة) 1988 2-يوميات الفلسطيني الذي لم يعد تائها ( بانوراما قصصية فلسطينية ) 1990 3-حازم يعود هذا المساء - حكاية سيزيف الفلسطيني (رواية) 1994 4 – المستحيل ( رواية ) 1995 5- الملح الفاسد ( مسرحية )2001 6 – بين نقد الفكر وفكر النقد ( نقد ادبي وفكري ) 2001 7 – امرأة بالطرف الآخر ( رواية ) 2001 8- الانطلاقة ( نقد ادبي ومراجعات ثقافية )2002 9 – الشيطان الذي في نفسي ( يشمل ثلاث مجموعات قصصية ) 2002 10- نبيل عودة يروي قصص الديوك (دار انهار) كتاب الكتروني في الانترنت 11- انتفاضة – مجموعة قصص – (اتحاد كتاب الانترنت المغاربية)  

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved