ما هو الذاتي في الكتابة وما هو غير الذاتي؟

"ارتقيت المسالك الوعرة إلى الجبل فابتلت قدماي بعشب ندي، وانسرحت القرية أمامي".

أيمكن أن يكون هذا شيئا ذاتيا؟ ألأنه كتب بصيغة المفرد أم ثمة سبب آخر؟

أنا إن كتبت عن جبل فإن آلافا قد تسلقته قبلي، وإن آلافا أخرى من الناس ستتسلقه بعدي، وإن تحدثت عن عشب ندي فلأن ملايين أخرى قد تملت خضرته في محبة وعرفت نشوة أن تبتل قدم بندى العشب. إن تحدثت عن جرح في إصبعي فإن مئات غيري قد عرفوا ذلك الألم، فأنا إنما أتحدث عن آلامهم. إن كتبت عن نهر فثمة من عبره قبلي، من أحبه قبلي، ومن اغتسل فيه. وإن كتبت عن ذنوب صغيرة ارتكبتها فما أقل من لم يرتكب مثل تلك الذنوب. إن كتبت عن جدار ينهدم فذلك أن ماضيا برمته ينهدم، وأن حاضرا يبنى. وإن تحدثت عن ذاتي فذلك أن ذوات أخرى قد حلت في.

ما من شيء يمكن أن يكون ذاتيا في الكتابة، لأن الكاتب لا يعيش خارج العالم، أو يعتصم في كهف في مكان منقطع ليأتينا بما وصل إليه من تأملاته.

.....

إن للكاتب في بلد ما، في مدينة ما، هموم أهل تلك المدينة ومشكلاتها. وإن له من الأطوار ما للناس الآخرين. وهو إذ يكتب عن نفسه فإنه لا يخترع شيئا، إنما ينقل لنا تلك الهموم ويحدثنا عن تلك الأطوار، عما كناه وعما سنكونه، عن مدن تتهدم ومدن تُبنى، يحدثنا عن دروب سلكناها ويدعونا لنستكشف معا دروبا جديدة.

(أرى، مجلة ألف باء 1974)