الــمراقِبُ، ذو المسافةِ، مثلي، قد يحظى بنعمةِ تأمُّلٍ يفتقدُها آخرون قريبون من خطّ النار، آخرون ربما .
كانوا أقدرَ على التحليل والتأويل وتبيان الرأي .
لكني لا أستكثرُ على نفسي ما أنا فيه .
هل انتهت الديباجةُ ؟
إذاً، العَوْدُ أحمد!
*
يبدو لي، من موقع المتأمِّـلِ، أن منطقتنا يرادُ بها أن تعودَ القهقرى، إلى عهودٍ لم تعُدْ ضمن الانتباه، أي إلى عهودٍ لا يتذكرها، أو يذكرها أحد، لفرْطِ ما نأتْ، وخبَتْ حتى في الرفوف .
الإعادة بالقوّة، العسكرية تحديداً، إلى ما قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، وبالضبط إلى نهايات الحرب العالمية .
الأولى ( 1914 – 1918 ) .
السنوات والعقود التي تلت الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945 ) كانت في منطقتنا العربية ( الشرق الأوسط والشمال الإفريقي ) زماناً للتحر، والثورة، ونيل الاستقلال الوطني على تفاوتٍ ما .
لقد ألغتْ هبّـةُ الأمل العارمة، الخارطة السياسية التي رُسِمتْ بعد الإطاحة بالإمبراطورية العثمـانية، وتقطيعِ أوصالها، أشلاءَ في أشداقِ الدول الاستعمارية :
احتلّ البريطانيون فلسطين والأردن والعراق، وأحكـموا سيطرتهم على مصر والسودان وليبيا .
احتلّ الفرنسيون سوريا ( ومن ضمنها لبنان آنذاك )، وأحكموا سيطرتهم على الجزائر وتونس والمغرب الأقصى .
بعد الحرب العالمية الثانية بدأ التغيير الكبير، مع هـبّـة الأمل العارمة :
هكذا استقلّت سوريا، ولبنان، واندلعت الثورة الفلسطينية، وانتفض الشعب العراقي ملغياً معاهدة بورتسموث، وشرع الضباط الأحرار في مصر يقدمون أسئلتهم .
إعلان الجمهورية في العراق .
الثورة الجزائرية .
عودة محمد الخامس ظافرا .
*
ماذا يحدث الآن؟
فلسطين يجري احتلالها كاملةً .
العراق تمَّ احتلاله .
لبنان، سيعود، مثلما كان يوماً ما، محميّة ً فرنسيةً ( سيشكل الفرنسيون عماد القوة الدولية المقترحة ) .
سوريا في دائرة الخطر .
الشمال الإفريقيّ، بكامله، أُعيدَ إلى دائرة النفوذ الضيّقة .
الجزيرة والخليج في دائرة نفوذٍ أشدّ ضيقا .
أمّا مصر والسودان، فإنهما، مثل ما كانتا، قبل يوليو، في المنزلة بين المنزلتين .
*
هذه الصورة الكالحة هي أمامي..
آمُل ُ في أنني غير دقيقٍ !
يا فسحة الأمــل.