العيش على الحراب

2012-01-14

ليس//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/3f64f973-10dd-4018-bd49-f399b9ba426b.jpeg من الصعب للمراقب السياسي أن يفهم العاب نتنياهو السياسية. ، لرئيس الحكومة نتنياهو، يوجد سببا مفهوما له. فهو سياسي خائف على مقعده، وهذا يقرر في خطواته السياسية، مثلا، خوفه الأساسي يتعلق بمن يتزعم اليمين في الانتخابات القادمة. شريكه في الحكومة ، وزير الخارجية من حزب يسرائيل بيتينو يشكل تهديدا جديا على زعامة نتنياهو لليمين. اليمين في إسرائيل يتميز بانغلاق ثقافي وفكري غريب عجيب ، وبعيد بعقله وراء غيبيات الدين والأساطير التوراتية. حتى وزير دفاع إسرائيلي يميني سابق، مثل موشيه أرنس ، رأي خطر سياسة نتنياهو وحذر منها ، بدعوته إلى استيعاب الجماهير العربية في الدولة، ومساواتهم الكاملة كشرط للتقدم نحو الحل السلمي وعدم انتظار الحل مع الفلسطينيين أولا، لأن المسألة ستصبح عندها مستعصية وتوقع إسرائيل بمشاكل واسعة جدا مع الجماهير العربية .
هذه رؤية عقلانية من وزير دفاع ليكودي سابق، يوجه نقده المغلف لرئيس حكومة الليكود( حزبه)ويدعوه للتعقل. وفي وقته أبطل ارنس، عندما كان وزيرا للدفاع، كل الإقامات الجبرية ( تحديد التنقل) على الشخصيات السياسية والثقافية العربية، من رؤيته أنها تشكل عارا على النظام الديمقراطي، خاصة وإنها أوامر لوحق بها اليهود أيضا في فترة الانتداب البريطاني وهي أوامر من قانون الانتداب، ولكنها مستعملة اليوم ضد الفلسطينيين في المناطق المحتلة.
نتنياهو يعرف بالتأكيد أن الخطر إذا كسر سياسيا إلى وسط الخارطة السياسية، بطرد ليبرمان وإدخال زعيمة المعارضة وقائدة حزب كاديما تسيفي ليفني . عندها سيصوره اليمين في إسرائيل كيساري وخائن قومي.. والواضح انه بدون خطوة في التخلص من ليبرمان وبناء ائتلاف مع ليبني( كاديما) وبراك، المنشق من حزب العمل بكتلة الاستقلال، لا توجد أي بشارة إسرائيلية للتزحزح أنملة واحدة نحو المفاوضات ولا أقول الحل.
ليبرمان يعرف كيف يخاطب اليمين، وكيف يشعل نيران غضبهم ضد " اليساري الخائن" نتنياهو، وله سابق تجربة ناجحة في ذلك، ففي عام 2006 ، أي الانتخابات قبل الأخيرة، حصل الليكود بزعامة نتنياهو، على 120 صوتا أكثر من يسرائيل بيتينو بزعامة ليبرمان.وكان نجاح ليبرمان تعبيرا عن ظهور التيار اليميني بكل قوته الانتخابية. وهذا ما يرعب نتنياهو الذي تجاوز ليبرمان بعد خطابه في الكونغرس كقائد لليمين المتطرف في إسرائيل. ولا ننسى أن كايدما أيضا هي حزب يميني وسطي، والعمل ليس أكثر يسارية ، وهناك الأحزاب الدينية المتطرفة أيضا . واليسار في إسرائيل يبدو هزيلا ومشتتا، ولم ينجح بالتحليق، بل يتميز وضعه بالتراجع المتواصل.
صحيح أن ائتلاف مع كاديما ( ليفني) وكتلة وزير الدفاع باراك ( الاستقلال) ستوفر لنتياهو كتلة من 60 عضو كنيست. وربما تتحد هذه الكتل بحزب واحد يشكل حزبا كبيرا في إسرائيل ( يمين وسط )، هذا إذا التزم نتنياهو بخطاب بار ايلان الذي تحدث فيه عن دولتين لشعبين ، ثم صار يبحث في أوساخ السياسة اليمينية عن حجج هزيلة للتهرب من المفاوضات ، ومن خطاب بار ايلان.
إذن ما هي سياسة نتنياهو؟
المشهور عنه انه متقلب مثابر، وهو رئيس حكومة يعمل من اجل بقاء سلطته وليس التقدم لأي حل. ليس في القضية الفلسطينية فقط، إنما في الكثير من القضايا الاقتصادية والداخلية الملحة أيضا. ما يهم نتنياهو أن يستمر رئيسا للحكومة. لذلك سياسته هي سياسة "اللفلفة". وهو فنان في هذه السياسة.
قرأت في هآرتس الأسبوع الماضي ، مقالا لكاتب إسرائيلي هو الكاتب "اتجار كيرت " ، رافق نتنياهو في رحلته الإعلامية ، الفارغة من المضمون، إلى ايطاليا، حيث زار زميله ، المتورط بفضائح جنسية، بيرلسكوني "لإقناعه" بما هو مقتنع به سلفا، بأن لا يدعم الخطوة الفلسطينية في الأمم المتحدة لإعلان دولة من طرف واحد.. أي أن الزيارة كانت إعلامية أكثر منها تسويق للموقف الإسرائيلي. ويقول الكاتب ، أن زوجته أعطته بطاقة ليقدمها لنتياهو كتبت فيها انه من أجل مستقبل أولادي وأولادك وأولاد شعبنا كله ، يجب إيجاد حل للنزاع الدموي على أساس دولتين لشعبين، ولكنه رفض نقل البطاقة ، لأن نتنياهو ليس حائط المبكى حيث اعتاد اليهود أن يضعوا في الشقوق بين حجارته طلباتهم من الله ، حتى ينفذها بلا تعويق!!
ولكن الكاتب سأل رئيس حكومته في مؤتمر توجيه للصحفيين المرافقين لنتنياهو، عن النزاع وآفاق الحل، وكان جواب نتنياهو مرعبا، قال :"هذا نزاع غير قابل للحل، لأنه ليس نزاعا على أرض، الموضوع لا يتعلق بأن نتنازل عن كيلومتر أكثر ونصل إلى حل، إن جذور النزاع، توجد بمكان آخر على الإطلاق. حتى يعترف أبو مازن بإسرائيل كدولة يهودية، لن تكون أي طريق للوصول لاتفاق". وفي بحث للكنيست قبل أيام حول سياسته، كرر نتنياهو نفس الموقف:"السبب لوجود نزاع هنا، وهو يتواصل،هو رفض الاعتراف بالدولة القومية للشعب اليهودي بالحدود القائمة".
أي أن البشارة للشعب اليهودي، وللشعب الفلسطيني ، وللشرق الأوسط كله، استمرار النزاع الدموي وربما انتقاله لمستويات رهيبة لا سابق لنا بها. ولا أعني العنف فقط ، إنما تشكيلة واسعة من الإمكانيات السياسية والالكترونية والعسكرية والسلمية والعلمية التي ستحول حياة المنطقة إلى جحيم، لذا ليس بالصدفة أن إنسان عقلاني مثل ابراهم بورغ ( رئيس سابق للكنيست، وريس سابق للوكالة اليهودية ) سبق وأعلن رفضه لصهيونية إسرائيل الرسمية، ورفضه للدين كما تطرحه الأحزاب المتطرفة . ورفض نهج الاستيطان ودعا إلى فك المستوطنات وعودتهم إلى داخل إسرائيل.. بل ودعا الشعب الإسرائيلي إلى الحصول على جواز سفر إضافي من دولة أخرى، لمن يستطيع ذلك، ضمانا من أيام سوداء..!!
دعوة تثير الكثير من الخوف أطلقها شخص مسؤول (بورغ) ويعرف ما يدور في مطابخ السياسة الإسرائيلية.
نتنياهو إذن طرح ، بلا تردد أو تفكير ، استمرار النزاع الدموي إلى الأبد.
هذه هي سياسة نتنياهو حرفيا.
إن الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية هي لعبة سخرية، يقصد منها إهانة الشعب الفلسطيني وقيادته، وليس الاعتراف حقا، ياسر عرفات سبق وان أعلن قبوله مبدأ حل على أساس دولتين لشعبين، واعترفت منظمة التحرير بإسرائيل كما هي معرفة في الأمم المتحدة.ولم يطلب رابين وقتها أي اعتراف آخر.
تعالوا نتحدث بدون حساسيات.
الاعتراف بدولتين ، وهو موقف السلطة الفلسطينية أيضا ، منذ عرفات واتفاق كامب ديفيد، والاتفاق ساري المفعول.
ماذا يعني مبدأ دولتين لشعبين التي طرحها الفلسطينيون ورئيس حكومة إسرائيل الأسبق اسحق رابين، وحتى نتنياهو في خطاب بار ايلان؟
هذا يعني دولة عربية للشعب الفلسطيني، ودولة إسرائيلية ( أو عبرية) للشعب اليهودي. إسرائيل لن تكون دولة الشعب الفلسطيني رغم وجود أقلية كبيرة تقدر ب 20%، هذه الأقلية ستحصل على حقوق المواطنة الكاملة في دولة إسرائيل، التي هي دولة الشعب اليهودي!!
نتنياهو يريد كما تقول هآرتس من هذا الاعتراف أن يلتزم محمود عباس بأن اليهودي الساكن في بروكلين أو لندن، له الحق على البلاد أكثر من مواطن عربي في تل أبيب ، أو القدس أو حيفا، وبذلك يغترف أن الفلسطينيين هم غزاة أجانب لأرض الشعب اليهودي.
هذا ليس اعترافا بدولة، وأقول بوضوح انه لن يكون ، حتى لو استمرت ضريبة الدم للجانبين مائة سنة أخرى، وما يرعب أن التطورات القادمة لن يكون لها إطار يمكن ضبطه ، وسيعاني عالمنا كله من تسيب مقلق ومهدد لأمنه ، وقد تبدو حادثة أبراج التوأم تدريبا لما هو آت !!
من هنا قراءة الاتحاد الأوروبي أكثر فهما لأهمية الحل على أساس اقتراح اوباما (حل على أساس حدود 1967 ) ولكن إدارة اوباما تبدو أنها أضعف من أن تواجه رئيس حكومة أحمق، يلقى دعما سياسيا في الكونغرس، ولدى اللوبي اليهودي شديد التأثير على السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية.

nabiloudeh@gmail.com


نبيل عودة

 
- ولد في مدينة الناصرة (فلسطين 48) عام 1947.
درس الفلسفة والعلوم السياسية في معهد العلوم الاجتماعية في موسكو .
كتب ونشر القصص القصيرة منذ عام 1962.
عمل نائبا لرئيس تحرير صحيفة " الأهالي 
شارك سالم جبران باصدار وتحرير مجلة "المستقبل" الثقافية الفكرية، منذ تشرين أول 2010
استلم رئاسة تحرير جريدة " المساء" اليومية .
يحرر الآن صحيفة يومية "عرب بوست".
من منشوراته : 1- نهاية الزمن العاقر (قصص عن انتفاضة الحجارة) 1988 2-يوميات الفلسطيني الذي لم يعد تائها ( بانوراما قصصية فلسطينية ) 1990 3-حازم يعود هذا المساء - حكاية سيزيف الفلسطيني (رواية) 1994 4 – المستحيل ( رواية ) 1995 5- الملح الفاسد ( مسرحية )2001 6 – بين نقد الفكر وفكر النقد ( نقد ادبي وفكري ) 2001 7 – امرأة بالطرف الآخر ( رواية ) 2001 8- الانطلاقة ( نقد ادبي ومراجعات ثقافية )2002 9 – الشيطان الذي في نفسي ( يشمل ثلاث مجموعات قصصية ) 2002 10- نبيل عودة يروي قصص الديوك (دار انهار) كتاب الكتروني في الانترنت 11- انتفاضة – مجموعة قصص – (اتحاد كتاب الانترنت المغاربية)  

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved