البعد الاجتماعي للعنف ضد النساء

2014-02-28

تعد ظاهرة تعنيف النساء، ظاهرة عالمية لا يخلو منها أي مجتمع، كما أنها ظاهرة عريقة لها جذور عميقة في التاريخ، رافقت المسار التاريخي للنساء سواء كان عنفا ماديا أو جسديا أو عنفا خفيا رمزيا. فقد عانت منه جل النساء في كل المجتمعات وفي جميع الثقافات والطبقات الاجتماعية.فالتعرض للتعنيف عد المسألة الموحدة للنساء رغم اختلاف انتماءاتهن الاجتماعية والثقافية والاثنية والدينية. وقبل التطرق لأسباب هذه الظاهرة،و سبل شرعتنها وتبريرها،وانعكاساتها على النساء وعلى المجتمع وكذا استراتيجيات مقاوماتها سواء الفردية أو الجماعية . سنحاول تحديد المقصود بمفهوم العنف وتعنيف النساء ؟.

تحديد مفهوم العنف

العنف في التحديد اللغوي، حسب ابن منظور يعني الخرق والتعدي: فنقول عنف أي خرق ولم يرفق ،وهو ضد الرفق :عنف به وعليه يعنف عنفا وعنافة أي قسا عليه،وهو عنيف إن لم يكن رفيقا في أمره،ونقول اعتنف الأمر أي أخذه بعنف،وانف الشيء أخذه بشدة وقسوة.
أما جميل صليبا في المعجم الفلسفي فيعتبر العنف هو استخدام القوة استخداما غير مشروع أو مطابق للقانون.
بينما بربرا ويتمر فتعرف العنف " بأنه هو خطاب أو فعل مؤذ أو مدمر يقوم به فرد أو جماعة ضد أخرى".
مما سبق يمكن تحديد العنف بأنه الخرق والتعدي والقسوة واستخدام القوة بشكل غير مشروع أو مطابق للقانون هذا الفعل أو السلوك الموجه للأخر قد يسبب أو يسبب له أذى نفسي أو جسدي أو اقتصادي أو اجتماعي. والضعفاء هم من يكونون في الغالب موضوعا للعنف سواء كانوا ضعفاء من الناحية الجسدية كالأطفال ،أو من الناحية المادية كالعبيد أو الخدم أو النساء هذه الفئة الأخيرة التي تهمنا في هذه المداخلة ماذا نعني بتعنيف النساء.

تعريف مفهوم تعنيف المرأة:

تعرف الأمم المتحدة العنف اتجاه النساء بأنه أي فعل من أفعال العنف الذي يسبب أو قد يسبب الأذى لها أو المعاناة الجسدية أو الجنسية أو النفسية،بما في ذلك التهديدات بمثل هذه الأفعال،الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية سواء حدث هذا في الحياة العامة أو الخاصة.
تعنيف المرأة هو كل سلوك أو فعل يقوم على القوة والإكراه أو الشدة اتجاهها، ويسبب لها نوعا من الاضطهاد والتمييز والقهر،والحط من كرامتها أو يشعرها بالدونية والقصور و الإقصاء والتهميش.
والسؤال هو: ما هي أنواع العنف الذي تعاني منه النساء؟ ولماذا تعاني النساء من هذه الأنواع من أشكال العنف، أو بمعنى أخر ما هي الجذور التي يرتكز عليها هذا العنف ؟ كيف يمرر وكيف يعاش من طرف المرأة وكيف يؤثر عليها وعلى الرجل والمجتمع بشكل عام،ثم ما هي الاستراتجيات الفردية والجماعية لمقاومته؟.

أنواع العنف اتجاه النساء

تعاني النساء من أشكال متعددة من أنواع العنف، كالعنف الاجتماعي ، الاقتصادي والثقافي. ويشكل العنف الزمري اخطر هذه الأشكال من العنف لأنه هو الذي يشرعن باقي الأنواع الأخرى لأنماط التعنيف و الإقصاءات والتمييز التي تجعل مكانة النساء هشة في المجتمع و تكون السبب الأساسي للممارسات التعنيفية الموجه للنساء سواء في إطار مؤسسة الأسرة أو المجتمع بشكل عام .
العنف الرمزي
يعرف العنف الرمزي بكونه ذلك العنف الخفي الذي لا يظهر بشكل مباشر بل يحتاج لتقنيات لإظهاره للعيان والكشف عن آليات اشتغاله.
و يعد هذا النمط من العنف من اخطر أشكال العنف الممارسة على النساء لان آليات اشتغاله خفية مما يجعل من الصعب قياسه أو الإفصاح عنه،بل أحيانا حتى الشعور به لأنه مغلف ومستبطن لحد اعتباره سلوكا عاديا وطبيعيا، أي يظهر وكأنه مسألة طبيعة ومنطقية،أو بمعنى آخر وكأنه لا عنف ،ومن تم صعوبة استنكاره أو التنديد به. وهذا يمكنه من تبرير الأنماط الأخرى من العنف.
وأول أنواع هذا العنف هو التعنيف اللغوي،أو عدم الاعتراف بالمرأة على المستوى اللغوي،خاصة عند التقائها بالمذكر حيث يتم التذكير ويوأد المؤنث وئدا رمزيا. وكذا على مستوي التحديد اللغوي لمفهوم المـرأةحيث يقول أحمد خليل:" إن كلمة امرأة في اللغة مشتـقة من فعل "مرأ" أي طعم ،وهنا تواجهنا صلة المرأة بالطعام . ويقال مرأ فلان مرءا أي صار هيأة أو حديثا. وتجمع المرأة على غير اشتقاقها فيقال نساء ونسوة وتعرف بأنها مؤنث الرجل والنساء تعني "المناكح " وهنا تواجهنا صلة المرأة بالجنس . وإذا تناولنا أصل "النساء " وجدناه مشتق من فعل:نسا، ينسو، ومعناه ترك العمل، وكأنا بالمرأة تعني البطالة. وترتبط المرأة بعدة أفعال رئيسية أولها فعل "حرم " ويعني "منع". والحرم هو "النساء لرجل واحد"، ويقال حرمة الرجل أي حرمه وأهله، والحريم يعني (النساء) أي ماحرم فلم يمس.وكلمة "حرامي " مشتقة من هذا الفعل ، وهو يعني فاعل الحرام. وثاني هذه الأفعال هو فعل "جمع " الذي يشتق منه الجامع ومؤنثه الجامعة، وكذلك الجماع أي المواطأة وثالثها فعل زوج أي عقد وقرن وتأهل وأخذ وخالط ومنها الزوج أي البعل والزوجة أي الناكح أو الناكحة ".
فالمرأة في اللغة العربية هي ذلك الكائن المعطل التابع للرجل، وينحصر دورها في خدمته، وتلبية رغباته الجنسية، وتأمين استمرار النسل. فاللغة تظهر لنا بجلاء التصنيف العملي المنبثق عن أحكام قيمة متضمنة فيها و حسب محمد نور الدين أفاية فاللغة "التي يمكن أن نستـعملها وسيلة لصياغة خطاب تحرري تحدد مسبقا موقع المرأة ووظائفها داخل المجتمع،أي أنه قبل وضع القوانين التي تسعف الرجل في تدجين و تسييج حضور و إيقاع المرأة ككائن ،فإن اللغة تقدم له بشكل أولي ، ما يرنو إليه" .
فالمرأة هي الكائن التابع للرجل، وعلى إثر هذه التبعية تحدد هويتها: فهي زوجة الرجل أو أمه أو أخته، ولا جود مستقل لها، إنها الكائن بغيره لا بذاته. و"لأنها كائن بغيره فلا يمكنها، في إطار الأوضاع التقليدية، أن تعيش بذاتها، لا هي تشعر بالاكتمال بذاتها ولا المجتمع يقبلها ككائن بذاتها."
فالصفات البيولوجية للأنثى طغت على كل جوانبها وأبعادها الإنسانية ومثلت القاعدة الأساسية لصياغة أحكام وتصورات حولها والتي ترجمت على أرض الواقع سلوكيا وعمليا وقانونيا. و" النتيجة أن المرأة نصف حقوق من حيث هي خصوصية أنثوية يضبط شؤونها قانون الأحوال الشخصية، ولها حقوق كاملة من حيث هي مواطن. هي نصف إنسان من النواحي الاقتصادية والقــضائية (الميراث والشهادة) ".
وتشكل هذه التصورات جدارا صلبا أمام أي تغير في الشروط والأوضاع التي تعيشها النساء. ويشرعن أشكال وممارسات أخرى من العنف ألزمري حيث تحط من مهام ووظائف المرأة في المجتمع ومن مكانتها

العنف الاقتصادي والسوسيو-ثقافي اتجاه النساء

يشكل عمل المرأة مجالا للتعنيف كذلك الممارس عليها فهو إما غير معترف به أو يعتبر ثانويا بالمقارنة مع عمل الرجل، من وجهة نظر التصورات الثقافية والاجتماعية المتحكمة في سلوك الأفراد وممارستهم.
ففي المجتمع الأبوي الذي يهيمن فيه الرجال ويستحوذون على كل السلط بما فيها إنتاج التمثلات والتصورات تصاغ نماذج أو قوالب جاهزة اتجاه ادوار ومكانة النساء داخل المجتمع المتمثل في الأدوار الرعائية والتبعية للرجل والضعف على المستوى الجسدي والفكري ،هذه المكانات الثانوية في المجتمع لا تحضى بالاحترام والتقدير وتنعكس بالسلب على النساء،لان الدور يؤثر على المكانة الاجتماعية ،وهذه الأخيرة تحدد مقدار الاحترام والتقدير داخل الأسرة والمجتمع.
فالعنف الاجتماعي والثقافي المتمثل في الحرمان من امتلاك الوسائل الممكنة من السلطة ( كالتعليم ، التكوين، ملكية وسائل الإنتاج...) يبرر إقصائهن الاجتماعي وعدم المشاركة الفعلية في المجتمع ،والحصول على المكانة المرموقة فيه، الوصول لمناصب إتخاد القرار....
فلجنسهن تفضل الأسر في حالة عدم قدرتها على تعليم كل أولادها، تعليم الذكور بدل الإناث، وبسبب جنسهن كذلك "لا تمارس النساء المهن التي يأملن ممارستها أو يتلقين التكوين الذي يرغبن فيه " .
ويكون نتيجة التمييز الجنسي الذي يتعرضن له،والذي يختلف باختلاف الانحدار الطبقي والجغرافي، الحرمان من التعليم أو الاستمرار فيه للوصول إلى المستويات العليا في التكوين والتعليم، مما يجعلهن منحصرات في المستويات الدنيا من التكوين الحديث أو يكتفين فقط بالتكوين التقليدي داخل أسرهن، الأمر الذي يجعلهن في المراكز الهامشية لا في مراكز القوة، سواء في مكان العمل أو الأسرة أو المجتمع .

فهشاشة التكوين التي يترتب عنها هشاشة وهامشية في المكانة الاجتماعية هي نتيجة عدة أسباب؛أولها التنشئة الاجتماعية للفتاة التي ترسخ الأسرة من خلالها التقسيم الجنسي للأدوار بإعدادها كل جنس لدور محدد في الحياة، وحيث المهنة للفتاة في هذا النسق السوسيو-ثقافي التقليدي تعد من عناصر الاحتمال المستقبلي، والاستمرار فيها يشوبها الكثير من الشكوك. الأمر الذي لا يشجع على بذل الجهد والمال والوقت في الحصول على تكوين جيد لعمل مؤقت تدفع إليه حاجة عابرة، ومن ثم " يشجع كل من العائلات والمربين ،عن قصد، الفتيات لتلقي هذه المهن النسائية "التي تفيدهن" مستقبليا في مطلق الأحوال". لكنها لا تخول لهن لا أداء مهام مصنفة تعفيهن من روتينية العمل المتكرر. والاستفادة من الأجور المرتفعة ومواقع عمل تبعدهن عن إكراهات التراتبية السلطوية ويحضين من خلالها بالمكانة والاحترام.
كما تعود كذلك للتصنيفات السيوسيو-ثقافية التي تعترف بأنشطة دون أخرى وبالقيمة والاعتبار بمهارات طرف دون الأخر، حيث أن الحديث عن أنشطة النساء ومهارات النساء غالبا يقترن بالدونية و بالتبخيس في حين يقترن عمل الرجال بالاعتراف والاعتبار وفي هذا الصدد ترى مجموعة من الباحثات ومنهن دانييل كـيركـوات Daniel Kergoat أن اللاكفاءة و هشاشة التكوين في صفوف النساء هو نتيجة للخصوصية الجنسية، كما أنها مسألة جنسية في الوقت ذاته، لأن الاعتراف بالعمل وبالكفاءة لا يتوقف على الانخراط الفعلي في العمل، والتوفر على تأهيل محدد، بل يتعلق الأمر كذلك بجنس الفرد الذي يقوم بهذا النشاط، واللامساواة في الكفاءة يوازيها عدم التشابه في المهام الموكولة للجنسين، الأمر الذي يشرعن الأجر غير المتساوي بينهما و التبعية والترابية التي تعاني منها النساء .
وفي هذا الإطار يستغرب الأستاذ المختار الهراس من التمييز الإيديولوجي والتعسفي داخل الأسر المغربية، المتمثل في الأولوية التي تعطى لطرف دون آخر والقيمة والاعتبار لممارسات دون أخرى، حيث أن الحديث عن النساء يقترن " بالسلبية والانفعال بينما يقترن الحديث عن الرجل بالفعالية والإنجاز".
فعدم الاعتراف بمعارف ومهارات النساء التي غالبا ما تصنف ضمن الثقافة الشعبية. التي تترتب في مراتب اقل من "الثقافة المثقفة" أو "الثقافة العالية" يحرمنهن من السلطة. ومن القدرة على التفاوض حول قيمة أدوارهن ومهامهن ومعارفهن وكافة انتاجاتهن سواء كانت فكرية إبداعية أو منتجات مادية.
لأن من يملك السلطة ( القوة ) يملك حق سن القوانين، و يسهر على تطبيقها، بحيث تكون مراعية لمصالحه بالدرجة الأولى.
والرجال بعد القضاء على المجتمع الأميثي حسب أطروحة ف.انجلر في كتابه ''أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة'' امتلكوا كل السلط، بل حتى سلطة سن القوانين التي تشرعن لهم سلطة امتلاك السلطة،والهيمنة الذكورية حسب بيير بورديو .
فالنظام السوسيو-الثقافي يعمل على شرعنة العنف وعقلتنه واستخدامه ضد الجماعة أو الأفراد والفئات كأداة سيطرة اجتماعية. ولاقتناع النساء بهذا الوضع ولضمان استمراريته تتدخل التنشئة الإجتماعية وخاصة التنشئة الفارقية التي تعمل على إعادة التقسيم الجنسي للأدوار و المكانات داخل المجتمع بين الرجل و المرأة من تأهيل وإعداد كل جنس لدور محدد في المجتمع.

انعكاسات العنف ضد النساء على المستوى الفردي

إن التقسيم الجنسي للمهام بين النساء والرجال اثر سلبا على مكانتهن داخل المجتمع وجعل من الهشاشة إحدى خصائص معظمهن بامتياز، سواء في المجتمع ،الهشاشة الإجتماعية ، أو على مستوى التكوين أو التعليم حيث تتموقع غالبيتهن في أدنى سلاليم تنظيمات العمل مما يشرعن أجرهن المتدني ،ويؤنث الفقر. هذا الوضع يبرر العنف ضدهن بكل أصنافه و أنواعه. و يجعل النساء يدرن في حلقة مفرغة، يصعب تكسيرها لتغيير أوضاعهن.

هذا الوضع يجعل معظم النساء يعشن التبعية التي تكون أحيانا مطلقة للأخر سواء كان الأب أو الأخ أو الزوج، هذه التبعية يجعلهن يشعرن بالدونية وعدم الجدوى أو بمعنى آخر يشعرهن بنوع من الإعاقة وعدم القدرة على الاستقلال والتصرف بكل حرية مما يحتم عليهن غض الطرف والصبر على الكثير من الانتهاكات الأخرى وتجاوز أفدح الخروقات الممارسة في حقهن كالتعرض لأنواع مختلفة من أشكال التعنيف خاصة الجسدية سواء في الخارج أو إطار الأسرة ومن طرف الزوج والتي تتجاوز الضرب المبرح لتصل في أحيان كثيرة لحد القتل. ومن يسلمن من الموت يكون للعنف انعكاسات وخيمة على صحتهن الجسدية والنفسية،قد تؤدي بالبعض منهن إلى السقوط في الأمراض العقلية أو الانتحار كملاذ أخير.

انعكاسات العنف ضد النساء على المستوى الجماعي

من التأثيرات المباشرة والسريعة لتعنيف النساء هو خلخلة التوازن الطبيعي للأسرة سواء بمغادرة المرأة للمنزل الذي تتعرض فيه للتعنيف،وما يخلف هذا من فراغ في نفوس الأبناء قد يكون بداية للانحراف الذي يكلف المجتمع ثمنا باهظا.أو ببقائها فيه وإسقاطها بشكل لاشعوري للإحباط وأزمة الثقة في الذات التي تعاني منها على الآخرين وخاصة أبنائها الصغار من خلال عملية التنشئة الاجتماعية ، فتكون جيلا مهزوما فاقدا للثقة في ذاته جيلا مريضا غير قادر على تحمل المسؤولية أو القيام بالأدوار المنوطة به في المجتمع ، جيلا معاقا يعيش عالة على الآخرين وعلى المجتمع، يجره للوراء بدل المساهمة في تطويره وتنميته.

الإستراتجيات الفردية و الجماعية المقاومة للعنف ضد النساء

حتمت التحولات الإجتماعية إعادة النظر في الاستراتجيات المشرعنة العنف ضد النساء. فبعد التغييرات الجذرية العميقة، التي عرفها العالم، حاولت المجتمعات و إن بشكل متفاوت إعادة النظر في المنظومات الثقافية

المؤسسة لأشكال العلاقات بين الرجال والنساء المبنية على التراتبية الجنسية. فظهرت مجموعة من التيارات الفكرية، و خاصة الحركات النسائية التي عملت على نفس المبررات التي كانت تمنع المساواة بين الجنسين و تبرر الإيديولوجية التي تعطي الأهمية و المكانة لجنس على حساب جنس آخر، و تشرعن أشكال العنف ضده. معتمدة مقاربة النوع الإجتماعي التي تبين أن الفوارق بين الجنسين مبنية اجتماعيا و ليس طبيعيا ( بيولوجيا ). و أن التنشئة الفارقية هي سبب الإختلاف بإعدادها و تهيئها كل جنس لدور محدد. فصهرت على اثر ذلك عدة استراتجيات تقاوم العنف الذي تعاني منه النساء بكل أشكاله، والتي يمكن تقسيمها الى فردية وأخرى جماعية.

ـ الإستراتجيات الفردية

كلما ازدادت ثقافة الإنسان إلا وتمكن من امتلاك قواعد اللعبة التي تمكنه من الاندماج في المجتمع ومن ملكية السلطة ،ولذلك لا غرابة أن ترى مجموعة من النساء المعنفات في التعليم، التكوين، البوح و عدم الصمت على كل أنواع العنف الممارسة ضدهن الوسيلة الأساسية للتخلص من العنف
فالعلم زاد من الوعي في أوساط النساء وقوى من ثقتهن في أنفسهن ،مما جعلهن أكثر ميلا إلى حل المشاكل التي تواجهن بأنفسهن، بحكمة وواقعية بعيدا عن الوسائل الخرافية. ويرفضن القبول بالضغوط والعنف أو التعايش معهما على حساب كرامتهن وصحتهن النفسية والجسدية.

ـ الإستراتجيات الجماعية

على المستوى الجماعي يحب التمييز في هذا الصدد بين الاستراتجيات الاجتماعية التي تحاول كسر الحلقة المفرغة التي تعيشها النساء والتي تجعلهن يدرن في دوامة يصعب الخروج منها ،وذلك من خلال مسألة تمكين النساء ودعم قدراتهن على جميع المستويات.
ومن جهة ثانية، تعتمد على عملية التنشئة الاجتماعية التي تحاول من خلالها تأسيس المساواة بين الجنسين وعدم تكريس التصورات والتمثلات التقليدية عن الرجولة والأنوثة وما تحمله من تراتبيات مبررة لممارسة العنف على النساء بكل أنماطه. .
على مستوى آخر وللقضاء على جل أشكال معانات النساء برزت الكثير من المنظمات التي تطالب بالاعتراف بحقوقهن على قدم المساواة مع الرجال ،وكذا النضال من أجل تحريرهن و قد تم التركز كثيرا على الجانب القانوني،فسنت مجموعة من قوانين تجرم العنف الجسدي و الجنسي اتجاه النساء و كذا العديد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق النساء منها اتفاقية "السيداو" التي تهدف القضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء. من أجل تمتعيهن بنوع من المساواة مع الرجال، في جميع المجالات .
هذا إلى جانب مبادرات لدعم النساء المعنفات، كتوفير مراكز الدعم النفسي والاجتماعي، كالاستقبال والاستماع و الإيواء و التكوين، لتمكين النساء و تقوية قدرتهن حتى يتمكن من تغيير وضعهن و من الاندماج الفعلي في المجتمع، الاندماج الذي سيمنع كل أشكال الحيف العنف ضدهن ، ويخلصهن من الإحساس بالدونية التي طالما عانين منها باعتبارهن الجنس الدوني في المجتمع .

خاتمة

تحقيق التنمية في غياب النساء أضحى مسالة مستحيلة لان النساء لا يشكلن نصف المجتمع على المستوى الكمي فقط بل والكيفي كذلك نظرا لدورهن الحساس في عملية التنشئة الاجتماعية التي تعد أساس بناء وتكوين الإنسان الذي يعد مركز كل تنمية.
وتعنيف النساء بعدم تمكينهن على جميع المستويات لا يضعف فقط قدراتهن بل يسبب التخلف للمجتمع بأسره. لأن المجتمع لا يمكنه أن يتقدم و يتطور بخطى عرجاء، بل بكل مكوناته، والنساء نصف هذا المكون الذي يمكن أن يعيق تنميته إذا لم يستفدن من عوائد التنمية التي تسمح لهن بتحسن قدراتهن و يمتعهن بكل الحقوق التي تحصن كرامتهن، كانسانات وتجعلهن مندمجات وفاعلات في المحيط الذي يتواجدن فيه.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved