الإبداعُ بينَ التسامحِ وأسنانِ التّمساح!

2015-01-08
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/c8f41535-1b4f-4a95-a7bc-baed5574e324.jpeg
 الإبداعُ يختزلُ الزّمانَ والمَكانَ، بومضاتِهِ المضغوطةِ بقالبٍ فكريٍّ صغيرِ الحجم، كبيرِ المَفعولِ والتأثير، إذ يُكوّنُ ثروةً حضاريّةً مُتميّزةً!
الإبداعُ  كنزٌ وطنيٌّ مُتجدّدٌ مَرِنٌ، يُساهمُ بابتكاراتِهِ الخلّاقةِ في بناءِ المجتمع فِكريًّا، وحضاريًّا، وموسيقيًّا، وفنيًّا، وأدبيًّا، وثقافيًّا، وسينمائيًّا، ورياضيًّا، وسياسيًّا، واجتماعيًّا، واقتصاديًّا، وهذا الكنزُ صالحٌ لكلّ زمانٍ، فلا تنتهي صلاحيّةُ استخدامِهِ، طالما أنّهُ يَنقشُ بصمةً عميقةً بنّاءةً في ازدهارِ الحضارةِ، والعدالةِ، والحُرّيّةِ، والإنسانيّةِ، والفِكر المتجدّدِ، وطالما أنّه يُوطّدُ لغةَ التّواصلِ بين الحضاراتِ، مِن خلالِ الحوارِ البنّاءِ، ومُعالجةِ التّصادماتِ بينَ الثقافات. 
الإبداعُ الحقيقيُّ العميقُ واحدٌ لدى الرّجل والمرأة، باختلافِ السّماتِ والصّبغاتِ والألوانِ التي يُضفيها كلّ مُبدعٍ على نِتاجِهِ، والذي يَصُبُّ فيهِ فِكرَهُ وثقافتَهُ وإرثَهُ الحضاريّ!
الإبداعُ يختلفُ تمامًا عن الحِرفيّةِ المُمنهجةِ المَرسومة، فهو ليسَ خياليًّا مُستحيلًا، إنّما يَرتكزُ على الرّموزِ والإيحاءاتِ، والمعرفةِ الراسخة، والتقنيّاتِ المُواكِبةِ، والأدواتِ الإبداعيّةِ المُستحدثةِ، واللغةِ بأساليبَ حُرَّةٍ.
الإبداعُ يَنسابُ بتلقائيّتِهِ عفويًّا سيّالًا، دونَ ان يَخضعَ لإملاءاتٍ وتكتيكٍ، أو تعديلٍ وإجهاضاتٍ قسْريّةٍ، بسببِ ضغوطِ مُحَرَّماتٍ وتابوهاتٍ مُوجِّهةٍ، مِن اعرافٍ، وجنسٍ، ودينٍ، وسياسةٍ ومجتمعٍ! 
الإبداعُ حُرٌّ، يُساهمُ في تعزيزِ هُويّةِ وثقافةِ المُبدعِ وقِيَمِهِ الوطنيّةِ والإنسانيّةِ، مِن خلالِ استثمارِهِ لمَواطِنَ جَمالٍ، تنبُعُ مِن بؤرةِ فِكرِهِ العاصفِ بالاطّلاعِ الواسع، فتقودُهُ ثقافتُهُ الشاسعةُ إلى بَراحِ مساحةٍ زمنيّةٍ مفتوحةٍ، وإلى آفاقَ رحبةٍ لا تُقيّدُها حدودُ الوقتِ، ولا تتصدّاها سدودُ المَواردِ، بل يُعبّرُ المبدعُ عن مدى ثقافتِهِ وانفتاحِهِ وأيديولجيّتِهِ، مِن خلالِ اختيارِ الكلماتِ وخطوطِ إبداعِهِ الّتي يستخدمُها بموضوعيّةٍ، ودونَ هيمنةِ نزعتِهِ القوميّةِ والدّينيّةِ، ودونَ الانحيازِ المُدجَّنِ المُوجَّهِ!
المُبدعُ في خلوتِهِ الإبداعيّةِ المَسحورةِ واللّامَشروطةِ بالدين والسّياسةِ والمَوروثاتِ، تتسلّلُ أطيافُ إبداعِهِ العاريةُ مِن ذاكرتِها، ومِنَ اتّجاهاتِها المَسكونةِ بالقلقِ، وبفائقِ حُرّيّتِها تنطلقُ مُتمرّدةً مُراوِغةً مِن قمقمِها الوحشيّ، في رحلةٍ استكشافيّةٍ عشوائيّةٍ ضبابيّةِ المَلامح، دونَ أن تتزوّدَ ببوصلةٍ أو رقيبٍ ذاتيّ أو رقيبٍ خارجيّ، ودونَ أن تأبَهَ لِعيونٍ مُتلصِّصةٍ، أو قلوبٍ مُتربِّصةٍ بهِ، بل تتسيّدُ لغتُها الزئبقيّةُ في لعبةِ نسْجٍ إبداعيٍّ عميقٍ، فتتخطّى الحواجزَ والعراقيلَ والأدغالَ المُتشابكةَ، لتُحلّقَ ببراعةِ بوْحِها المُتماهِيةِ معَ روحِهِ في فضاءاتِ أفكارِهِ، وتغوص في أغوارِ أعماقِهِ، سابِرةً مُحيطاتِهِ المُتلاطمةِ، لتقتنصَ مَحاراتِ الدّهشةِ، وطفراتِ الإبداعِ اللّامُهجّنةَ واللّامُدجّنة!
لا بد وأن يكونَ في داخلِ كلِّ مُبدعٍ رقيبٌ ذاتيٌّ، وهذه الرّقابةُ حاضرةٌ بتفاوتٍ مِن مُبدعٍ إلى آخر، وهذا الأمرُ يَعيهُ المُبدعُ ويُدركُهُ في الغالبِ، إذ تُساهمُ هذهِ الرّقابةُ وهذهِ المَحاذيرُ في تشكيلِ بناءِ شخصيّتِهِ وثقافتِهِ وأبعادِ صوتِ رؤاهُ، فتضبطُ إيقاعَ إبداعِهِ جَماليًّا، وتُحرّرُ أدواتِ إبداعِهِ مِن عقالاتِها، ممّا تجعلُهُ مُتوازنًا ومُتّسِقًا معَ شخصِهِ، فلا يَخشى إبداعَهُ ولا يُبغضُهُ! 
ولكن، حينَ يكونُ الإبداعُ نقيضًا لشخصِ المُبدعِ، وغيرَ مُتصالِحٍ معَهُ، وفي صراعٍ مقيتٍ وبغيضٍ معهُ، فهذا الأمرُ يَحولُ دونَ إبداعِهِ الحُرّ، بل ويَجعلُهُ مُوَجَّهًا، مُقيَّدًا، مُفبرَكًا، مَهزوزًا، مُشوَّهًا، وقابلًا للزّوالِ السّريع، وعندَها يكونُ الرّقيبُ كفنَ الإبداعِ ولحْدَهُ.
في تقييمِ الإبداعِ قد تتدخّلُ عِدّةُ عواملَ مُتحَكِّمةٍ عاصِفةٍ، ومُؤثِّرةٍ في توجيهِ الرأي العامّ مِن استحسانٍ أو مُواجَهةٍ ومُناكفةٍ، وفي الوقتِ ذاتِهِ، قد يَعملُ الجهلُ على تحريفِ وطمْسِ معالِمِهِ ووأدِهِ، مِن خلالِ رقاباتٍ تعسُّفيّةٍ ورَجعيّةٍ، مُوجّهةٍ بلغةٍ مُستهدَفةٍ تدميريّةٍ، تؤدّي إلى تصادُماتٍ فِكريّةٍ، وإلى صراعاتِ توليدِ تيّاراتٍ مُعادِيةٍ ومُضادّةٍ، فتعملُ على حجْبِ وحذْفِ وإخفاءِ ذلك الإبداع، أو تحرقُهُ، أو تُبيدُهُ تحتَ مُسمَّياتٍ تتعدّدُ، وتحتَ تبريراتٍ وحِججٍ واهيةٍ تتناقضُ وهذا الإبداع، كصَوْنِ الذّوْقِ العامّ، وعدم السّماحِ لتَسلُّلِ أفكارٍ مُشوَّهةٍ تمسُّ بالمجتمع، وإلخ.... 
في جدليّةِ الإبداعِ والرّقابةِ الشّائكةِ واللّامُنسجِمةِ- (لعبةُ القطّ والفأر)- تكمُنُ مِصيدةٌ شرسةٌ تُجيزُ وتمنعُ، تُهدّدُ كينونةَ الإبداعِ، وتَستبيحُ ديْمومَتَهُ، هذهِ المِصيدةُ هي عينُ تمساحِ الرّقابةِ الخارجيّةِ الزّجاجيّةِ، الّتي لا تتذوّقُ الإبداعَ مِن ناحيةٍ، ومِن جهةٍ أخرى، ضراوةُ أسنانِ تمساحِ الرقابةِ الخارجيّة، وما تتمتّعُ بهِ مِن صَلاحيّاتِ قوى قبَليّةٍ قمْعيّةٍ مُتسلّطةٍ، تؤْمنُ بفِكرٍ أحاديِّ الاتّجاهِ، فتغتالُ الإبداعَ وتَستهينُ بهِ وتُحَقّرُهُ، إذ تُنَصِّبُ مَنابرَها ومُلكيّتَها وشرْعيّتَها كوصيّةٍ على القِيمِ الأخلاقيّةِ والإبداعيّةِ، رافضةً لحُرّيّةِ التّعايشِ، ومُعادِيةً لتعدّديّةِ الفِكرِ المُناهِضةِ بمُعتقداتِها ومَبادئِها، وبذلك، قد تلغي وتَحرِمُ أجيالًا قادمةً مِنَ الانفتاح، وقد تُهَمّشُ مُبدِعينَ وتُعتّمُ عليهم، وقد تعملُ على إبادتِهم ومُصادرةِ إبداعاتِهم وأفكارِهم بتيّاراتِها المُختلفة، حفاظًا على سِيادتِها وتَجَبُّرِها، وخوفًا مِن فتْحِ عيونِ وعقولِ الشّعبِ على حقائقَ وتناقضاتِ وانتهاكاتِ وعوراتِ هذهِ القوى. 
هل يُمكنُ للإبداع أن يَستثمِرَ رُموزَهُ اللّمّاحةَ ونفوذَهُ المُراوِغَ، في تطويعِ هذهِ القُوى والتّحايُلِ عليها؟ كيف؟ كيف يُمكنُ أن يَخلقَ المُبدعُ توازُنًا نفسيًّا واجتماعيًّا، ما بينَ إبداعِهِ، وما بينَ عينِ الرقيبِ وقارئِهِ؟ 
بالاعتدال؟ بالتعديل؟ بالموالاة؟ بالاعوجاج؟ بالهربِ إلى بلدٍ أكثرُ أمْنًا، ويحترمُ حرّيّة التعبير؟ 
أم باليأس، والتوقّفِ عن مُمارسةِ إبداعهِ، وشراءِ حياتِهِ المَهزومةِ المقهورة؟
(الكاتب الليبي محمد القذافي مسعود مشرف صفحة ثقافية في صحيفة اللواء الليبية وجّه سؤالًا افي استطلاع لصحيفة الاتحاد الإمارتية الصادرة في أبو ظبي، حول الرقيب الذاتيّ إن كانَ يُعطّلُ عمليّةَ الإبداعِ عندَ المُبدع؟ وقد شارك في هذا الاستطلاع كلٌّ من الأدباء: آمال عوّاد رضوان، فوزي الحداد، عبد الرازق العاقل، علي الربيعي، نرمين خنسا، وحنان محفوظ، ناجي رحيم، وخلات أحمد.)

آمال عواد رضوان

كاتبة ، شاعرة وصحفية فلسطينية، محررة الوسط اليوم الثقافي 
 لها : *1- بسمةٌ لوزيّةٌ تتوهّج/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/ عام 2005. *2- سلامي لك مطرًا/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/عام 2007. *3- رحلةٌ إلى عنوانٍ مفقود/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2010. *4- أُدَمْوِزُكِ وَتَتعَـشْتَرِين/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2015. *5- كتاب رؤى/ مقالاتٌ اجتماعية ثقافية من مشاهد الحياة/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2012. *6- كتاب "حتفي يترامى على حدود نزفي"- قراءات شعرية في شعر آمال عواد رضوان 2013. *7- سنديانة نور أبونا سبيريدون عواد/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2014 *8- أمثال ترويها قصص وحكايا/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2015 وبالمشاركة كانت الكتب التالية: *9- الإشراقةُ المُجنّحةُ/ لحظة البيت الأوّل من القصيدة/ شهادات لـ 131 شاعر من العالم العربيّ/ تقديم د. شاربل داغر/ عام 2007 *10- نوارس مِن البحر البعيد القريب/ المشهد الشّعريّ الجديد في فلسطين المحتلة 1948/ عام 2008 *11- محمود درويش/ صورة الشّاعر بعيون فلسطينية خضراء عام 2008 صدرَ عن شعرها الكتب التالية: *1- من أعماق القول- قراءة نقدية في شعر آمال عوّاد رضوان- الناقد: عبد المجيد عامر اطميزة/ منشورات مواقف- عام 2013. *2- كتاب باللغة الفارسية: بَعِيدًا عَنِ الْقَارِبِ/ به دور از قايق/ آمال عوّاد رضوان/ إعداد وترجمة جَمَال النصاري/ عام 2014 *3- كتاب استنطاق النص الشعري (آمال عوّاد رضوان أنموذجًا)- المؤلف:علوان السلمان المطبعة: الجزيرة- 2015 إضافة إلى تراجم كثيرة لقصائدها باللغة الإنجليزية والطليانية والرومانيّة والفرنسية والفارسية والكرديّة. * 
الجوائز:
*عام 2008 حازت على لقب شاعر العام 2008 في منتديات تجمع شعراء بلا حدود. *عام 2011 حازت على جائزة الإبداع في الشعر، من دار نعمان للثقافة، في قطاف موسمها التاسع. *عام 2011 حازت على درع ديوان العرب، حيث قدمت الكثير من المقالات والنصوص الأدبية الراقية. *وعام 2013 منحت مؤسسة المثقف العربي في سيدني الشاعرة آمال عواد رضوان جائزة المرأة لمناسبة يوم المرأة العالمي 2013 لابداعاتها في الصحافة والحوارات الصحفية عن دولة فلسطين. وبصدد طباعة كتب جاهزة: *كتاب (بسمة لوزيّة تتوهّج) مُترجَم للغة الفرنسيّة/ ترجمة فرح سوامس الجزائر *كتاب خاص بالحوارات/ وستة كتب خاصة بالتقارير الثقافية حول المشهد الثقافي في الداخل *ستة كتب (تقارير ثقافيّة) حول المشهد الثقافي الأخضر 48: من عام 2006 حتى عام 2015

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved