مظلتان لشخص واحدة ..
منذ أيام وأنا منشغل ٌ بالكتابة عن هذه الرواية الجميلة ( عشاق وفونوغراف وأزمنة / ط1/ دار المدى / 2016 ) وكتابتي مستقلة عن هذه المقالة .. في رواية ( عشاق .... ) تتداخل روايتان : رواية حاضر العائلة ورواية ماضيها أعني رواية بيت صبحي الكتبخاني، وثمة إتصالية روائية بين صبحي الكتبخاني وبين برهان الكتبي، في رواية ( خسوف برهان الكتبي ) للروائية لطفية، وقد كتبتُ يومها مقالة نقدية وفي مناسبة ثقافية .. آواخر تسعينات القرن الماضي، إنتقلت مقالتي من يد أستاذي وشيخي محمود عبد الوهاب، إلى يد الأستاذة لطفية الدليمي ونحن في صالة فندق المنصور ميليا قبيل بدء الجلسة النقدية المسائية .. ولم أعرف مصير مقالتي بنسختها الطباعية الوحيدة... حتى هذه اللحظة !!
(*)
، يمكن اعتبارها رواية أجيال من العهد العثماني إلى مابعد سقوط الطاغية حتى 2014 على مدى( 584صفحة ) وللروائية الدليمي قرأتُ ترجمتها الرائعة ( حُلم غاية ما ) للروائي والمفكر البريطاني كولن ولسن، واستوقفني طويلا ما كتبته المترجمة في مقدمة الكتاب، وهي مقدمة تضيء الكثير من جوانب فكر كولن ولسن الذي أدمنا على كتبه آنذاك، كما استمتعت بقراءة ماترجمته في كتابيها ( أصوات الرواية ) وهو حوارات مع نخبة من الروائيات والروائيين وهو من كتب مجلة دبي الثقافية / ع128، أما كتابها ( فيزياء الرواية وموسيقى الفلسفة/ دار المدى/ 2016 ) فهو طبعة منقحة ومزيدة لكتاب ( أصوات الرواية ) ..
(*)
من روايتها ( عشاق وفونوغراف وأزمنة ) ألتقطت ُ هذه الجمل السردية المبتورة بحق البصرة : ( كانت البواخر التجارية ترسو في البصرة وتفرغ حمولتها في زوارق بخارية صغيرة تذهب الى بغداد ../ 188 ) ... ( فتحت شركة الهند الشرقية فرعاً لها في بغداد .... وأمست البضائع تصله بواسطة البواخر الصغيرة القادمة من البصرة ../356 ) .. ( تكتب الجرائد في تشرين الأول عام 1914 عن نشوب الحرب العالمية الأولى وانضمام الدولة العثمانية إلى ألمانيا ، إنها الحرب العظمى والخوف يعّم جميع البلاد ، البرقيات تردنا من ولاية البصرة : احتلت القوات البريطانية القادمة من بومباي منطقة الفاو جنوب البصرة بقيادة الجنرال باريت واشتكبت مع الجيش العثماني ، والمعارك مستمرة ../ 383)..وبخصوص غزو الكويت وبتوصيف إنسحاب الجيش العراقي نقرأ الكلام التالي على لسان هناء ( عند تراجع الجيش واحترق الكثيرون في دباباتهم وعجلاتهم ../ 525 ) هنا البصرة محذوفة ومابعد الانسحاب وإندلاع الشرارة الأولى من قبل الجنود المسحوبين في ساحة سعد في البصرة مغيّب تماما!! ثم يرد ذكر البصرة بشكل عابر ..(فأخته مازالت في حداد على ابنها الذي توفي قبل شهرين في حادث انفجار سيارة مفخخة في البصرة ../529)..وأعود إلى ماقبل ذلك ، إلى مقارنة نهى للإحتلال البريطاني الاول للبصرة مع بداية القرن العشرين :(البرقيات اللاحقة أشارت إلى ثمة أمل( بطرد البريطانيين ،فقد نشطت حركة مقاومة في منطقة الشعيبة ../ 383) ..ثم تعقد نهى مقارنة بين ماجرى بين أوائل القرن العشرين من إحتلال بريطاني للعراق وبين إحتلال العراق بتوقيت سقو ط الطاغية ..وتقول نهى (..وماجرى في البصرة من معارك دموية ضد قوات التحالف ../ 391 ) مابين القوسين الأخيرين يصنّف كوثيقة أعلامية، لذا أعقّب عليها وأقول هذه المرة الثانية يتكرر هذا الكلام، المرة الأولى حين تحدث الدكتور حيدر سعيد عبر أحدى الفضائيات ، عن بطولات المقاومة العراقية في أم قصر !! ليلتها ونحن نحتسي الشاي في أم قصر تساءلنا : هل توجد أم قصر أخرى !! وأي مقاومين/ مقاولين والمرة الثانية هو ماجاء على لسان نهي ..وهنا يجب أن أقول : أنا البصري الذي لم يترك البصرة إلاّ في غيابة الجب خلال محنتها مع الطاغية طيلة حكمه الاستبدادي، أشهد لاوجود لمعارك دموية ضد قوات التحالف .. بل كانت فرصة للمظلومين والمظلومات للبحث عن مصائر الغائبين والغائبات في دهاليز الطاغية ،أعني فرصة نصب مجالس العزاء ..، فقد بادرت وتطوعت مجموعات من المفجوعين والمفجوعات بتوقيت الأيام الأولى من سقوط الطاغية واتصلت مع جهات معنية، في بغداد كانت السبّاقة في الحفاظ على قوائم الإعدام الجماعي وبتوقيع رئيس الجمهورية وقضاة المحاكم أقول ذلك لأنني وأحدى شقيقاتي تطوعنا واستلمنا من هذه القوائم وألصقناها في مقر حزبنا الشيوعي العراقي في البصرة وتم إخبار ذوي الشهداء ، وبادرت جهات اسلامية والصقت قوائم على قاعدة تمثال عامل أم البروم .. ومن جانب آخر هناك من رأى لحظة سقوط الطاغية فرصة للنهب والسلب والثأر...وأما جار الجنب اللئيم فقد استفرد في حرق مؤسسات الدولة والمكتبات العامة وغير ذلك ..وحين أطالب بحق البصرة في الرواية ، فليس ذلك تطويقا لحرية الكتابة الروائية ، لكن الروائية تذكر البصرة كومض عابر ، ومن جانب آخر رواية (عشاق وفونوغراف وأزمنة ).. ليست من روايتها القصيرة كما هو الحال مع (عالم النساء الوحيدات / دار المدى / ط1/ 2013) أعني بذلك أن رواية (عشاق..... ) تسهب في التفاصيل التاريخية والجمالية والنباتية .. .. وتتنقل بين باريس وبغداد بتوقيت لحظتنا العراقية المفخخة والفترة العثمانية حيث تتوغل في فترة مرور ناصر شاه في بغداد وهو في طريقه للحج ، كما ورد في فصل ( بيت الشاي ) وتعلن الروائية من خلال الثبت في الصفحة الأخيرة استعانتها بالمرجعيات وهذا حق مشروع وضرورة روائية لتوسيع الفضاء النصي وتعميقه أيضا، وثمة كتب كان يمكنها الروائية أن تستعملها ، لتعطي للبصرة شيئا من استحقاقها الروائي على الروائية لطفية الدليمي ، منها (حكم المماليك في العراق) للباحث علاء كاظم نورس، والكتاب صادر في بغداد عن وزارة الثقافة والاعلام، منتصف سبعينات القرن العشرين يتوقف الكتاب طويلا في احداث البصرة ، بتوقيت جملتها التي قوسناها ..وكذلك يمكن الرجوع إلى كتاب (مطالع السعود ) تأليف عثمان بن سند الوائلي البصري ، في الكتاب الكثير من أحوال البصرة في 1774- 1826 والكتاب من تحقيق الدكتور عماد عبد السلام رؤوف وسهيلة عبد المجيد القيسي، والكتاب صادر عن وزارة الثقافة والاعلام في 1991 وكذلك..كتاب موسوعة البصرة / الجزء الاول / والكتاب صادر عن دار الشؤون في ثمانينات القرن الماضي ، وصدر أيضا من دار الشؤون كتاب حول البصرة في القرن السابع عشر ،وهناك كتاب للرحالة بار سنز في عام 1775 ، أنقل هذه الفقرة منه ( زرت ُ أغلب مدن العالم ، لكني لم أجد خريفا في العالم أجمل من خريف مدينة البصرة ..).. وغير ذلك من الكتب ، فالفقرة تتناول الميناء الوحيد للعراق ولايمكن ان تمر به الروائية العراقية مرور الكرام وهي التي اسهبت في تفاصيل عديدة في روايتها . ..( كانت البواخر ترسو في البصرة ) ؟! أين ترسو .. في شط العرب؟ في الفاو ..؟ ماهي أحوال المدينة آنذاك ؟! ألا تستحق هذه المدينة صفحات قليلة من رواية سعتها ( 582صفحة) ؟!
*المقالة منشورة في (طريق الشعب) 27/ 11/ 2016