من وجهة نظري، ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين، تبدو الأفكار القديمة عن العدالة مثيرة للإستغراب .. ويعود ذلك الى أن النصوص القديمة تكشف عن إنشغال مسبق بمسألة الجزاء، وفي بعض الاحيان بالانتقام الذي لا يكبح جماحه، ولنضرب مثلاً ببناء الأهرامات والجنائن المعلقة وسور الصين وغيرها .
ويعود بنا سجل الأفكار الموجودة لدينا عن العدالة وما نسميه اليوم بالديمقراطية يمتد الى قرون عديدة، الى ما قبل بدايات الفلسفة، والتي هي من إبتكارات الفكر الإغريقي التي وصلت الينا على شكل مجاميع من القوانين يعود تاريخها الى آواخر الألفية الثالثة وأوائل الألفية الثانية ق. م. والتي لا تزال محفوظة حتى الآن وتعود الى ممالك عديدة سادت في بلاد وادي الرافدين القديمة بآلآف السنين ( سومر، أكد، بابل، آشور)، وكان الكتاب المقدس العبري، كما في كتابات بلاد وادي الرافدين التي سبقته بآلآف السنين، يذكر بأن العدالة ( والتي نسميها اليوم بالديمقراطية ) يتحقق من خلال الجزاء والإنتقام .
لقد كانت أكثر المجتمعات البشرية تقريباً أو كلها إطلاقاً في بعض الحالات، التي ورد ذكرها في التاريخ المدون تخضع لنظام التسلسل الهرمي القاسي، وفق ملامح المجتمعات المتنوعة . وقد ظهرت بشكل جلي مواطن إمتياز ومواقع حرمان، وقد كانت حالات التفاوت بين افراد المجتمع تستند الى المكانة والموقع ضمن النظام الإجتماعي في حينه .
وما أستطيع أن أستخلصه من تاريخ الحضارات العظيمة التي شيدتها البشرية وأني آكاد أٌجزم بأني لم أجد حضارة سادت وقرأنا عن إنجازاتها والتي أفتخر بها أهلها إلا وأنها شيدت بالقوانين الصارمة، وتطبيقها أو تنفيذها تم بالحديد والنار ( ودكتاتورياُ ) وبالطريقة التي كانت تفهم بها بيئة المجتمعات المختلفة .
ولا غرو من إعادة دراسة التاريخ وبنظرة متفحصة تزيل اللبس والغموض عن هذين التعبرين المتضادين ( الديمقراطية والدكتاتورية )، والتي لم أجد بأن أحدهما يوماً ما كان مثالياً على الأطلاق .