الفساد الإداري/لا تجعلوا العائدين يتأسفون على عودتهم

2016-10-08
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/f935006b-bb66-45f7-aa7e-4a11c21c25c6.jpeg
كنت متوهما حد السذاجة، وتفاءلت كثيرا، عندما نشرت هذا المقال بتاريخ 24-11-2007 في جريدة المؤتمر. واليوم أعيد نشره لأحاسب تقديراتي الخاطئة، إقرأوا مع الأعتذار أحلامي العمياء.

المتوهم : هاشم

عندما أشاهد العراقيين العائدين من البلدان المجاورة إلى بغداد أراهم مستبشرين حتى لا تكاد الدنيا تسعهم من الفرح بعدما سمعوا بأن بحبوبة من الأمل عادت إليهم بعودة الأمان النسبي إلى مدينتهم التي ولدوا فيها وذاقوا حلاوة ومرارة أيامهم فيها... ورغم كل الصعوبات التي يواجهونها من شظف العيش ومشاكل جمة تخص الغاز والكهرباء والماء والنقل والمواصلات، ولكن تراهم على شاشات التلفزيون رافعين أيديهم إلى السماء شاكرين ربهم على نعمة الأمان ولو هو النسبي تجاه ما يعيشه الإنسان في البلدان التي تحترم الإنسان كأكبر رأس مال لديها .
وعندما أجلس أمام شاشة التلفزيون لأسمع وأرى الخطط الطموحة والمشاريع الاستثمارية الضخمة والتي يُعلن عنها، وكأننا سندخل في العام القادم إلى الفضاء العالمي بثقةٍ كاملة وجاهزية تتخطي السلبيات والمعوقات التي يمكن أن تُعثّر طموحنا وطموح السلبيات وطموح أجيالنا القادمة، وبهذه المشاريع التي يُوظّف بها بلدنا المليارات من عائداته النفطية الوفيرة والحمد لله.
ولكن على الرغم من هذا الاستبشار وهذا الفرح فإن محاذير محدودة لا تزال قائمة خوفاً من أن تهدر هذه الأموال بين أيدي تفكر في مصلحتها قبل مصلحة الوطن وتخطط منذ الآن في الطريقة التي تقفز بها بعقلية أنانية إلى ضخم المبالغ وليس إلى ضخم العمل والإنتاج والإنجاز، فالإنتهازيون والسماسرة والضالعون في مستنقع الفساد يتربصون بهذه المشروعات لينهبوا مخصصاتها وميزانياتها مثلما فعلوا في مراتٍ سابقة ونجحوا بوسائلهم الخاصة من طائلة القانون وهؤلاء لأنهم فئة منحرفة فاسدة اخترعوا أساليب ماكرة للتظليل والخداع والتسلل إلى قلب المراكز التنفيذية ليشيعوا الفساد والنهب والسطو على الموازنات وأفلحوا في الحصول على توكيلات شركات عديمة الخبرة وسموها شركات عالمية بينما هي مؤلفة من عناصر وهمية وكل إنجازاتها ( كاتولاكات ) مسحوبة من الإنترنت وشهادات مزورة فاعتمدت على الغش والرشوة في تنفيذ العقود التي حصلت عليها وقدمت لنا أعمالاً لم تلبث أن انهارت أو توقفت أو نفذت مشروعات لم تلتزم بالمواصفات المتفق عليها، وكل ذلك تم في أجزاء مظلمة من الرشوة وشراء الضمائر الفاسدة وأحياناً حتى التهديد والتزييف وممارسة سلطة خارج سلطة الشعب وادعاء المحسوبية بإيهام الناس بأنهم قوة ( باور ) ذات سطوة وتأثير.
وجاءت دعوة السيد السيستاني المرجع الديني الأعلى إلى الحكوة لجعل عام 2008 هو عام مكافحة الفساد، كالوخزة التي قد توقظ النائم وتنبهه من خطرٍ محدق يحيط به، ولكن لماذا الانتظار حتى يأتي عام 2008، الخطر المحدق قائم وهو جاثم على صدورنا وقاطع لأنفاسنا وينخر بأجسامنا. أنظروا كيف وصل بعض المتسللين وبرتب عسكرية عالية، وبعضهم لم يدخل الكلية العسكرية ولا يعرف حتى أين هو موقعها.. لقد أصبحوا يُتاجرون بحياتنا.. يأخذوا الرشوة ( بالدولارات ) من المواطنين لقاء ضمان تسجيلهم ضمن المتطوعين للجيش والشرطة ... والفقراء ( أبناء الشعب الحقيقيين ) ممن لم يسرقوا ولم ينهبوا يقفون عاجزين عن ذلك، والمستفيد الأكبر من هذه العملية هي الحركات الإرهابية التي لا ينقصها المال لكي تدفع كلابها للتطوع لكي ينقضّوا بعد ذلك ويُجهزوا على الشعب الأعزل والذي عانى طوال الأربعين سنة الماضية من الويلات . ولقد أصبح العراقي يحلم في أجواء التخلص من كل الغش والتلوث الاجتماعي . ولكن المزيفين والفاسدين واللصوص لا ينتهون بسرعة فهم يظلون يقاتلون حتى النفس الأخير. وغير بعيد أنهم الآن يتربصون للإندساس في لجان مكافحة الفساد الإداري بكل خبثٍ ودهاءً وأساليب ماكرة . فإذا أفلح هؤلاء في التسلل إلى المخطط فكل شيءٍ سينهار، وستهدر الأموال بلا طائل وبدلاً من أن يتمتع العراقيون بثمار هذه الخطط سيحدث العكس وستتحول حفنة من اللصوص إلى أصحاب مليارات بعد أن كانوا أصحاب الملايين، وستكون هناك هجرة بلا عودة لشعبٍ ضائع لا يعرف إلى أين المصير، والباقون من أبناء الشعب سيكونون في الدرك الأسفل، وستكون هنالك طبقة جائرة من الأثرياء وأصحاب الثراء الفاحش، بينما يزداد الفقراء فقراً وربما سيختفي العراق من خارطة العالم . إنني أدعو إلى الحذر ممن لا ضمير لهم وليس لديهم أي غيرة على مصلحة وطنهم وكل ما يهمهم هو النهب والسطو .
أرجوا ألا يكون في هذا الكلام أذىً ونزعة تميل أو تُفسّر بأنها تميل إلى التشاؤم، فكل ما هناك هو دعوة للشرفاء للحذر ودعوة إلى مرحلة تأسيس الشفافية كأنقى ما نكون وكأصدق ما تكون، والشرفاء على كل حال أكثر عشرات المرات من الذين لا شرف لهم .
 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved