الفيتوري في بيروت المحاصَرة

2015-11-16
لستُ أدري ، بالضبط ، كيف التقَينا ، وأين ، في بيروت المحاصَرة 
1982 ...
كان الإسرائيليّون أحاطوا بالعاصمة اللبنانية تماماً.
الشوارع مهجورة.
والأصدقاءُ من أهل الأدب والصحافةِ شرعوا يهجرون بيروت إلى أماكنَ آمنةٍ، مثل طرابلس، ودمشق.
ربّما كان لقائي ومحمد الفيتوري في صحيفة «السفير».
الفيتوري كان دبلوماسيّاً، يتمتع بالحصانة.

يسكن في الشرقيّة، ويأتي إلى الغربية، عبر حواجز الكتائب، من أجل «السيولة» على حدّ تعبيره، وهو يعني
 سحبَ مبالغ ماليّة من مصارفَ أو مظانّ، في الغربية.
شاهدَني حائراً، مدَوّخاً...
قال لي: لِمَ لا تأتي معي؟
 استفسرتُ: إلى أين؟
 أجابَ: إلى الشرقيّة... ماذا تفعل هنا؟
 قلتُ: والحواجز؟
 أجابَ: سيُرَحِّبون بك. أأنت خائفٌ؟ أنت معي في سيّارة دبلوماسيّة. سأخبرُهم مَن أنت...
لم نواصل الحديث.
أظنُّ الفيتوري أدركَ استحالةَ أن أقبلَ عرضَه.
تناولْنا غداءً سريعاً.
وعاد هو، بالسيّارة الدبلوماسية، إلى الشرقيّة.


■ ■ ■ 


أُعجِبْتُ بطريقة الفيتوري في الإلقاء المحترِف.
نحن نرتبك: نرفع الصوتَ، أو نخْفضه، بدون تدقيقٍ مرهَفٍ.
ونُجهِدُ أنفُسَنا بلا فائدة.
لكنّ للفيتوري شأنٌ آخرُ...
كان يفتح عينيه واسعتَينِ جدّاً.
يُقَرِّبُ الميكرو حتى يكاد يلامسُ شفتَيه.
ويقرأُ مثل مغنّيةِ ابن الرومي (وحيد): تتغنّى كأنها لا تغَنّي من سكون...


■ ■ ■ 


سألتُ عبد الوهاب البيّاتي عن لقَب «الفيتوري».
أجابني البيّاتي (وكان خصماً لمحمد مفتاح الفيتوري):
هو من قبيلة سودانيّةٍ على الحدود الليبيّة، تُدْعى: الفواتير!
تغمّدَ الله، الإثنين، برحمته السابغة.

تورنتو 27.04.2015

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved