أول سؤال تبادر لي قبل أن أقدم على إطلاق المدونة هو الآتي: إذا كان أهم ما سأكتب عنه هي أخبار المنطقة فهذا يعني أني سأزعج من يهمهم أن تبقى تلك الأخبار في طي الكتمان.إذا فهل أستطيع أن أستمر و أقاوم ردود فعلهم ؟!!
في البداية كنت أظن أني أملك الرؤية الكافية التي تمكنني من مواجهة هذا المشكل ،لأنه إذا كان أهل الفساد المنتشرين في كل مكان وخاصة في مؤسسات الدولة ،إذا كانوا هم العدو رقم واحد الذي يحتمل أن يواجهه من يخوض في نشاط من هذا النوع و أن أهم طريقة يمكن أن ينتهجوها لعرقلته هي التشكيك في النية التي تدفعه لخوض هذه التجربة من الأساس ،فيعمدوا مثلا لربطها بمشروع سياسي مبيت يعمل من أجله في السر و القول بأنه انتهج أسلوب رخيس بغرض زعزعة إستقرار المنطقة و النيل من هيبة الدولة فيها.. إلى غيرها من التهم الكبيرة الجاهزة التي تعوّدوا الإحتماء وراءها و التي تجعل أي حالم بالإصلاح يعيد التفكير ألف مرة قبل أن يقدم على أي خطوة من هذا النوع ..إذا كانت هذه هي الوسيلة التي ألفوا استعمالها لحماية أنفسهم فإن أحسن طريق يمكن انتهاجها لمقاومة تلك المكائد هي الإعلان من البداية و بكل وضوح بأن المدونة هي موقع إخباري متخصص يحصر نشاطه في الإهتمام بمجرى الحياة في الحي أو القرية و أنه ليس من قناعة صاحبه ( أو أصحابه ) الربط بين النظام السياسي السائد في البلاد و بين الفساد المتفشي محليا.فكان من بين العبارات التي حاولت أن أشرح بها منهجيتي في هذا الإطار قولي :
" أنا لا أتكلم عن التغيير على مستوى أمة أو دولة و لكني أتكلم عن التغيير على مستوى حي أو قرية ..أتكلم عن تشجيع الإيجابيات وفضح السلبيات التي تعترضنا في محيطنا الضيق. وبالتالي فكلما كثرت كتاباتنا كلما انتبه إليها سكان المنطقة وتكلموا عنها. وكلما أخذها المسؤولون في مؤسسات الدولة بعين الإعتبار وخافها محترفوا الفساد من الموظفين و المتعاملين معهم و قللوا من تجاوزاتهم التي بتنا نتأذى منها جميعا."
كما قلت في الإدراج الذي عرفت فيه بنفسي :
"وفضلت الكتابة بإسم مستعار هربا من المضايقات التي قد تترتب عن خوضي في بعض المشاكل التي يعاني منها المجتمع ، ليس لأني أنوي أن أتجنى على الناس و لكن لكوني متيقن من أن ضعف التجربة سيوقعني في أخطاء غير مقصودة.
أقول هذا مع علمي المطلق بأن التعرف على هوية مدون يكتب من داخل بلده هو أمر هين بالنسبة لأجهزة الدولة المختصة.لكن ماشجعني على المضي في هذه التجربة هو علمي بأن سلطات البلاد تعي جيدا أن الفساد الذي يعيق تقدم مجتمعنا إنما هو مستفحل على المستوى المحلي أكثر بكثير مما هو مستفحل على مستوى القمة.ومن هنا يفترض أن تكون السلطة قد تحققت لدى المشرفين عليها قناعة بضرورة غض الطرف عن انتهاج المواطن لأساليب موازية غير تلك التي يمثلها القضاء وباقي المؤسسات الرسمية التي استطاع المفسدون أن يخترقوها ويتأقلموا مع القوانين التي تنظمهاها."
لكن مع هذا فالنتيجة التي خرجت بها بعد مدة من مباشرتي للعمل في تلك المدونة هي أن الشخص الذي يخوض تجربة من هذا النوع من الأحسن أن يكون من الشباب العاطل عن العمل والذي ليس لديه ما يخسره. لأن أهل الفساد لو يجدوا أنفسهم في مواجهة مدون واعي بألاعيبهم التي تكلمت عنها تبقى لديهم كثير من الطرق التي يستطيعوا استعمالها .أذكر منها على سبيل المثال خلق مشاكل للمدون في مكان عمله وربما يوحون له بأنه مهدد بالطرد من عمله، إلى غيرها من نقاط الضعف التي تمسه في مصالحه اليومية ومصالح أهله المقربين التي يضغطوا عليه فيها بطرق غير مباشرة وباستعمال القانون.
لذلك فأن يدخل الشباب البطال هذا الميدان على اعتبار أنه ما يزال في مقتبل العمر و أنه ليس لديه ما يخسره . أقل ما يمكن أن يحققه إذا ما استطاع أن يخوض التجربة بذكاء وإصرار هو أن يسعى بعضهم كي يغريه بوظيفة أو أي فرصة عمل ليتخلص من إزعاجه، وهنا فحتى لو استسلم هو وقرر ترك التدوين مقابل فرصة عمل فإن هذا المسار سيكون مصدر إلهام و إغراء لغيره من الشباب البطال ليدفعهم هم أيضا للبحث عن مخرج بنفس الطريقة.
أقول هذا بغض النظر عن إمكانية تحول هذا النوع من المدونات إلى مصدر رزق عن طريق صفحات إشهارية تختص في بعض الميادين التي تهم الجوار، وهنا أجدني قد لامست واحدا من أهم الأفكار التي سأفرد لها مقالا مستقلا في هذه السلسلة.
في المقال القادم سأطرح إن شاء الله بعض الأفكار العملية التي تساعد على تجاوز مشكل المضايقات والتوغل في هذه التجربة بأكثر فاعلية...يتبع.
22 يوليو 2009
توفيق التلمساني