انها مملكة الأنهار الجليدية، بل انها الفردوس التي لم تطأها الحضارة المادية او الصراعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعد، بل لا يربطها بالعالم الخارجي سوى ممرات وعرة لا تصلح الا للمشاة . يتصف ناسها بخجل نسبي تجاه الغرباء، لكنهم كثيرو المزاح فيما بينهم، رغم أن تاريخهم شهد أحداث عنف واقتتال، مجتمعها هو الأفضل صحة والأطول عمرًا على مستوى العالم، حيث يتخطى متوسط أعمارهم حاجز المئة عام، ويبلغ ما بين 120 - 140 سنة، ولمعرفة سر هذا الأمر، قام العلماء بالعديد من الأبحاث التي تناولت طريقة حياتهم، ما يأكلون، ما يشربون وكيف يتصرفون، وقد توصل الباحثون إلى وصايا يؤكدون أن من يتبعها يمكن أن يزداد عمره ما بين 40- 60 سنة، ويتمتع نساؤها ورجالها بالخصوبة التي تمكنهم من الإنجاب حتى عمر الثمانين والتسعين، ما دفع الباحثين إلى تسجيل كل الأطعمة التي يتناولها أفراد القبيلة بانتظام .
هي قبائل الهونزا، التي تقطن إحدى المناطق التي تقع في شمال باكستان، وبالتحديد في مقاطعة كاراكورام، على علو يصل إلى 6230 قدماً، ولا يزيد عدد سكانها على 35 ألف نسمة. تعيش قبيلة الهونزا بمنطقة جبال الهمالايا المنعزلة عن العالم أجمع، وتتبنى أساليب حياتية بسيطة، تتيح لها التنعم بصحة جيدة، وعمر مديد، وتعد واحدة من أكثر المجتمعات سعادة على وجه الأرض، فضلًا عن أن الأمراض لا تعرف إلى مجتمعهم سبيلا، فلم يظهر بينهم مصاب بأي من امراض القلب، أو السرطان، أو السكر، أو البدانة، أو ضغط الدم، أو أي من الأوبئة والأمراض المزمنة التي ظهرت وتفشت في العالم اجمع .
في منتصف الستينات نجح الأمير الحاكم في اقناع الحكومة الباكستانية بشق طريق يصل إقليم هونزا بالطريق العام، واستلزم المشروع حوالي 10 سنوات من العمل المتواصل، وقد بلغت كلفته 476 ضحية من العمال وملايين من الدولارات. وفي العام 1974 تنازل الأمير عن العرش وأصبحت هونزا تحت الحكم المباشر للباكستان، وفي العام 1978 تم إنجاز الطريق العام، وظل سكان هونزا _ الذين معظمهم من المزارعين _ كما كانوا عليه طوال ألف عام ...
يمتاز شعب الهونزا بطول القامة وبياض البشرة، يتحدثون لغة واحدة، وهم خمس عشائر هي: البورونغ، الديرامايتنغ، الباراتالنغ، الكوروكوش، والبوروشو، سميت بهذه الاسماء تيمناً بالأسلاف المؤسسين وجلهم يتكلمون لغة البورشاسكي التي لا ترتبط بأي لغة أخرى في العالم . ويشكل البوروشو حوالي 70% من سكان الهونزا ونادراً ما يتزوجون من عشائر الأقلية مثل واكن في الشمال، وشين في الهونزا السفلى، أو الدوم الذين يعيشون بأعداد قليلة مع عشيرة البوروشو . وتعتبر قبيلة البورونغ القبيلة الثانية في وسط الهونزا بعد قبيلة ديرامايتنغ من حيث النفوذ. ويمتلك كل مزارع مالا يقل عن شجرة واحدة، ومن الصعوبة ان يبيع المالك ارضه، فانهم يؤمنون بان الذي يبيع أرضه هو كمن يبيع أولاده .
ولمعرفة سر اعمارهم الطويلة، قام العلماء بالعديد من الأبحاث التي تناولت طريقة حياتهم وما يأكلون وما يشربون، وقد توصل الباحثون إلى وصايا تؤكد أن من يتبعها يمكن أن يزداد عمره ما بين 40- 60 سنة . والغريب أن تمتع قبائل الهونزا بالعمر الطويل والصحة الممتازة يعود إلى ما لا يأكلون أكثر مما يعود إلى ما يأكلون، فهم لا يأكلون الكثير، ومجموع السعرات الحرارية لما يأكله الشخص البالغ منهم هو 1900 سعرة في المتوسط، في حين أن متوسط ما يأكله الفرد الأمريكي في اليوم يحتوي على 3300 سعرة حرارية، أما من ناحية الطعام الذي يأكله الهونزا فمعظمه من الخضار والبقول مع القليل من اللحم، وأقل منه من الدهون والزيوت .
يشير الباحثون إلى أن إطالة عمر الإنسان بمقدار 10 - 20 سنة يتمثل بزيادة كمية الجلونايتون وهي مادة طبيعية تتواجد في الخضار النيئة مثل القرنبيط والملفوف وبذور النباتات الخضراء وبعض أنواع الأعشاب والصنوبر وغيرها، وقد طبق الباحثون نمطهم الغذائي على الحيوانات فزادت أعمارها بنسبة 40%، ويقول الباحثون إن قبائل الهونزا تعيش في جو يحتوي على كمية كافية من الأوكسجين، وهم يتناولون المياه المعدنية النقية، ويمارسون أعمالاً تعادل التمارين الرياضية التي يمارسها الرياضيون، وكل ذلك يحسن دوران الدم في الجسم ويطرح السموم منه .
ان نمط طعام الهونزا يحتوي على الكثير من الخمائر، وهي مركبات تساعد على الهضم وتتوفر في الأعشاب التي يأكلونها ويتداوون بها وفضلاً عن ذلك يكثرون من تناول الفاكهة، كما يقومون بجلسات تأمل لمدة ربع ساعة يومياً مما يؤدي إلى هدوء الأعصاب وزيادة القدرة على التركيز. وعندما قام البريطانيون بادئ الأمر باستكشاف هذه المنطقة في نهاية القرن التاسع عشر اندهشوا عندما التقوا أشخاصاً ادعوا بأن أعمارهم تزيد على 120 عاماً . ويؤمن سكان إقليم الهونزا بأنهم يعمّرون أكثر من سواهم في أرجاء المعمورة، ناسبين ذلك إلى طعامهم النقي الصحي ...
لقد توصل الدكتور روبرت ماكريسون إلى العنصر الأساسي في النظام الغذائي لقبيلة الهونزا، ألا وهو حبات المشمش المجففة، التي تشكل الجزء الأكبر من السعرات الحرارية التي تكتسبها أجسادهم، ولأنهم لا يصابون قط بمرض السرطان، عكف العلماء على دراسة خصائص الثمار المجففة التي يعتمدون عليها في غذائهم، وأدرجوها ضمن برنامج علاجي يقوم على هذه الثمار أطلقوا عليه اسم (laetrile)
.