المغامرة في حدود النص*

2012-05-14

يرى الآخرون

سالمة صالح

 

عادل كامل

 

اتسمت تجارب الكاتبة والفنانة التشكيلية سالمة صالح بروح المغامرة، والبحث عن ملغزات لا تكمن في الأشكال ـ والكلمات إلا بصفتها توازي تحولات الواقع، وتصدعاته، في علاماته المختلفة، وفي مقدمتها الثقافية والفنية. وبهذا الهاجس الخاص بما بعد الحداثة، راحت سالمة صالح تبني ( وهي عمليا ً تهدم ) علاقة جدلية، بين التفكيك والتركيب، على انها مكثت عنيدة، في اختيار فضاءاتها التجريبية. فهي، على سبيل المثال، أول كاتبة غامرت بالقيام باجتياز جدران مستعمرة الجذام في جنوب العراق، في منتصف ستينيات القرن الماضي، وصوّرت ذلك العالم المحكوم بأسئلة الأبدية: صورته بعدستها، مثلما كتب عنه. هذا الولع برصد غير المستهلك في التجربة الحياتية، والإنسانية في العراق، لم يدفعها إلى الميتافيزيقا، ولا إلى صناعة سلع جمالية، بل منحها رؤية للذي يجري خلف القشور والسطوح. والى ما هو غير مؤشر وغير مألوف. فأثارت، في معرضها الشخصي الأول، الانتباه باختيار مادة (الشعر) خامة وظفتها في صياغة نصوصها التشكيلية. فالخامة غير مألوفة في تجارب رسامينا. كما أن استعمالها في الرسم ـ الكرافيك، سمح لها بمعالجة خاصة لعناصر الفن. انها ـ هنا ـ هدمت النظام البنائي لتجارب نمطية جيل الرواد (السائدة) إلى ضرب من دحض: الفن. فاستخدام خامة جديدة ـ لم تتكرر بعد ذلك ـ شكل مغامرة لم تألفها عادات المعارض، والجمهور معاً. ولان سالمة صالح، أمضت حياتها ـ منذ ثلاثين سنة ـ بعيدا عن الوطن، فان اثر مغامرتها لم يدم إلا كعمل استعادي، عند تذكر الاستثناءات، وعند تذكر التجارب ذات الطابع الغريب والمغامر.

فيما بعد، ستستثمر تقنيات الكومبيوتر، كي يشكل ( الكومبيوتر) مستقبلا ً لعمل ( الوعي ـ العقل) بعد أن كانت قد أرجعتنا بمادتها البدائية ( الشعر) إلى ذاكرة موغلة بالقدم. فثمة مسافة بينهما راحت ترسم طريقتها في الرؤية، كعالم لم تكونه إلا تراكماته، ومصادفاته، بين خامة بدائية وأخرى تقع في ذروة المخيال الواقعي. فنصوصها لا تبحث عن الخصوصية، بصفتها علامة امتياز ـ أو اكتشاف ـ وإنما كأسلوب في منح الحياة سمة أن تكون كامنة في كل نص، عبر تراكمات الأزمنة، والأسئلة، والصياغات. وسيشكل هذا التحدي، طريقة لسالمة صالح، لا في منح المرأة مكانة الاختلاف، أو كرد فعل تجاه عالم يحكمه الرجال ـ بل كإبداع له دقته في التقاط الأجزاء، ومنحها موقعها في الخطاب الفني. فثمة لا (تعبيرية) تقليدية تسمح للتعبير أن يتشكل بعيدا ً عن المألوف، والمقيد، نحو فضاءات مكتنزة بأسئلة كامنة في البصريات، ورموزها، وما تمتلكه ـ في النص ـ من علاقات وإيحاءات لتجارب تكونها فنانة مغامرة، وتجريبية، على حد سواء.

* http://www.babel

 

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved