المسرح والتحولات الاجتماعية في العراق

2010-05-04

انعك//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/3f01398d-4849-4690-b9f4-5ee68c8ad54c.jpeg س الدمار الذي تخلفه الحروب على المنجز الأدبي والفني، في مختلف بلدان العالم، لأن أغلبها عاشت ويلات الحروب الخارجية، والأهلية بين طوائفها. الحرب العالمية الأولى (1914-1918) تركت أثارا بشعة على البنية الاجتماعية للبلدان التي اشتركت بها، تداعيات هذه الحرب ظهرت في المنجز الأدبي والفني لتلك المجتمعات، صب الأدباء والفنانين جم غضبهم على الآلة الدموية التي سحقت الإنسان، خلفت ورائها أشلاء متناثرة، سحقت الإنسان، أكلت نيرانها آلاف البشر، وقد "عكس الأدب النظرة الجديدة إلى الحرب بكل صدق. هذا الأدب قد بدا من الخيال إلى الوهم، لكنه لا يدعو ألبته إلى الاستكانة والانهزامية. لقد صور أدب الخنادق للحرب العظمى "نفوق" الجنود كالأغنام وسحقهم كالحشرات الهائمة بعد تعرضهم لغاز الخردل"(في مسرح الحرب، سلسلة من المسرح العالمي، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ط2، يناير 2010) ، استمر هذا الرفض لكل ما هو دموي ويصادر الفعل الإنساني، ويقوضه.

اتخذ الأدب والفن موقفه الرافض لكوارث الحروب، بعيدا عن منابر الساسة والسياسيين، فلقد كتب (إرنست همنغواي) رائعته (لمن تقرع الأجراس) عن تداعيات الحرب الأهلية الاسبانية 1936، وما خلفته من تراكمات هزت المجتمع الاسباني برمته.الحرب العالمية الثانية (1939) كانت المفصل الحقيقي لرفض الأدب والفن للحروب، وما خلفته من تحولات جذرية في بنية المجتمعات، تمثل في استخدام السلاح النووي لأول مرة في هذه الحرب، ظهرت كتابات مناهضة لها ولويلاتها، منها كتابات دراما اللامعقول في أوربا، وخاصة في فرنسا التي تعتبر الحاضنة المهمة للتيارات الحديثة في الأدب والفن، جسدت دراما اللامعقول الفعل الهمجي للآلة الحربية الدموية، وعبثية تلك الحروب والأنظمة الشمولية التي تسحق الإنسان ببرغماتية الساسة.

المنطقة العربية كان لها حصة كبيرة من تلك الآثار التي خلفتها الحروب، كونها آنذاك بلدان بطور التشكل المدني والحضاري هذا من جهة، ومن جهة ثانية تعاني من الاستعمارات والاحتلالات المتتالية.

لم يكن العراق بمنأى عن تلك الأحداث، إن كانت تأثيرات الحربين العالميتين، أو الاحتلالات المتلاحقة التي عاشها، كل ذلك ترك أثره السلبي على بنية المجتمع العراقي سياسيا واقتصاديا وأدبيا وفنيا.

لعب المسرح دوراً مهماً في حياة العراق السياسية، أو بمعنى آخر، كان المسرح العراقي مسرحاً سياسياً في بداياته، كان قريباً من الشارع العراقي، وكان الكثير من رواده هم من بسطاء الناس الذين لا يفقهون شيئاً عن المسرح يواظبون على حضور العروض المسرحية، وخاصة عروض فرقة المسرح الفني الحديث.

وسط اضطرابات سياسية واجتماعية بدا تشكيل المسرح العراقي بتجربة علمية مدونة منذ أن انشأ (حقي الشبلي) معهد الفنون الجميلة في بغداد في الأربعينيات من القرن الماضي... وهذا الزمن يعتبر مبكرا مقارنة ببقية بلدان المنطقة العربية بالبلدان العربية وخاصة بلدان المغرب العربي ..

قد تكون الكثير من العروض المسرحية انذاك طغت عليها الخطابات السياسية وفي أحيان كثيرة مباشرة مقيتة، وهذا حتما هو نتاج المخاض السياسي الذي يعيشه الشارع العراقي آنذاك، وكذلك نتيجة للأحداث السياسية السريعة التي بدأت تتغير بشكل كبير، منها قتل الملك (فيصل) وافراد العائلة المالكة، استلام العسكر لسلطة العراق، محاولة اغتيال (الزعيم عبد الكريم قاسم) بشارع الرشيد، ومن ثم إعدامه وكان هذا هو المنعطف الأكثر دموية الذي قاد العراق من عام 1963 إلى يوم 9 نيسان 2003، كل هذا بالتأكيد يترك أثره على كل مفاصل الحياة بالعراق ومن ضمنها المسرح حتما، بالإضافة لذلك تعدد الأيديولوجيات في الساحة العراقية، وكان للفكر اليساري حصة الأسد في استقطاب المثقفين والفنانين.

كل هذه المعطيات ساهمت إلى حد ما بتدجين المسرح، وتقويض دوره الاجتماعي داخل المجتمع العراقي، بدأت العروض المسرحية تحمل أفكارا تمليها الأحزاب، وكأنها تقارير حزبية، وبدأت تظهر تقاطعات فنية نتيجة الانتماءات الأيديولوجية الضيقة.

بعد مقتل الزعيم عبد الكريم قاسم عام 1963، وتسلط الحزب الواحد (حزب البعث)، ومن ثم القائد الأوحد، بدا المجتمع العراقي الدخول في بئر الدم نتيجة الدكتاتورية والقمع، بكل مستوياته الاجتماعية والثقافية، بدأ المثقف السلطوي يأخذ دوره الحزبي بإنتاج خطاب سلطوي مؤدلج.

وأيضا هناك مثقفو الأحزاب الأخرى التي كانت تتحرك بهامش بسيط من الحرية على الساحة المسرحية العراقية، ولكن أيضا وفق أيديولوجيا محددة، رغم أنها كانت فنيا أكثر أهمية من الخطاب السلطوي للحزب الواحد، لكن بكلى الحالتين هو خطاب مؤدلج كون معظم السلطات تسعى لتهميش دور الثقافة والمثقف، وعندما ضربت الأحزاب من قبل النظام الشمولي في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، وغادر معظم كوادرها إلى خارج العراق، غادر فنانوها ومثقفوها معها، وبدأت مرحلة التأليه للحاكم، بدأت معها مرحلة جديدة من عمر الثقافة العراقية، ومنها المسرح.

 


المسرح والسلطة


سعت السلطة في العراق التسخير كل الأشياء من أجل ديمومتها واستمراريتها والمحافظة على أسوارها التي بنيت بالدم، لان السلطة كما يذكر (رولان بارت) "تسخّر كل الأشياء لخدمه مصالحها الشخصية، تسخّر حتى مولود المتعة الجنسية لكي يكون جنديا مخلصا في خدمة مصالحها"( رولان بارت، نقد وحقيقة) ، بالتأكيد لا تخلو الساحة المسرحية العراقية من فن مسرحي حقيقي رغم ضغط السلطة ومحاولتها لتسييس وأدلجه الخطاب المسرحي العراقي في أوائل الثمانينات حيث الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) والتسعينات من القرن الماضي حيث تداعيات غزو العراق للكويت (1990-1991)، لكن بقي الكثير من المسرحيين العراقيين يفضلون الغناء بعيدا عن الخطاب السلطوي ولا ننسى التعتيم الإعلامي الكبير الذي مارسته السلطة على الفنان..

انتبهت السلطة إلى المسرح أيضا والى رسالته السامية..فقد سعت لتسييس المسرح وتشويهه وتشويه فنانيه أيضا، بداية الثمانينيات روجت للمسرح الاستهلاكي كما يسميه الناقد (عبد الخالق كيطان)، وليس كما شاع بـ(المسرح التجاري)، لأن هذه تسمية خاطئة شاعت بكل المقالات والدراسات المسرحية، لان المسرح أيضا يخضع لمبدأ الخسارة والربح باعتباره أيضا تجارة، ويخضع لمد حول الشباك، وليس بالضرورة كل عمل مسرحي يحقق ربحا تجاريا يكون مسرحا استهلاكيا! وكذلك ليس كل عمل يُقدم بالعامية هو عملا استهلاكياً، بل هو عكس ذلك تماما يجب أن نفكر أيضا بربحية المسرح من اجل استمراريته.

كانت أغلب عروض مسرح الثمانينات تدور حول ثيمة واحدة وهي الحرب، حتى أن دائرة السينما والمسرح نظّمت مهرجاناً مسرحياً يحمل إسم مسرح الحرب، لكن أغلب هذه العروض كانت فيها إدانة واضحة للحرب رغم إنه كان ضد توجه وغاية المهرجان، حيث تحمل وزر هذه الإدانة في أغلب الأحيان الشباب.

بدأت الماكنة الإعلامية للسلطة تشتغل لتعبئة الجماهير، فأخذت مؤسساتها بتقديم عروض مسرحية، وهي خطة مدروسة، حيث كانت العروض تصب في توجه آخر هو التوجه التعبوي الذي تريده السلطة للحرب، "فاعد واخرج الفنان (عبد المطلب السنيد) مسرحية (الخندق الواحد... بيت المنتصرين)، تناول فيها الجذور التاريخية للأطماع الفارسية في العراق، ومعارك العرب ضد الغزاة في أكثر من مكان و زمان. ثم قدمت، بعد ذلك، الفرقة القومية تجربتها الأولى في العام الثاني للحرب، وهي مسرحية (أم المقاتلين)، تأليف وإخراج فتحي زين العابدين...)( عواد علي،المألوف واللامألوف في المسرح العراقي،ص52) ، وما قدمه يوسف الصائغ وقاسم محمد في مسرحية "العودة" التي طرحت قضية جندي عراقي قرر عدم الذهاب إلى الحرب، لكنه واجه مشاكل عديدة، منها تخلي زوجته عنه كزوج، لأنه رفض الذهاب للحرب، كذلك رفضته العائلة، حتى شعر أنه شخص غير مرغوب فيه في البيت " المجتمع "، لأنه رفض أن يكون مشروع " استشهاد" للسلطة، وفي الأخير يقرر العودة، ولهذا حملت المسرحية العودة عنواناً لها.*( حازت المسرحية على جائزة المركز العراقي للمسرح عام 1988، كونها تجسد صوت المجتمع.) خطاب تلك العروض وغيرها، خطابا لتعبئة الشارع العراقي للحرب، تبني طروحات السلطة وخطابها، تستنهض الروح القتالية لمواصلة القتال، وضرورة الدفاع عن (الشرف العراقي والعربي)، من العدوان الفارسي، وهذا ما تردده يوميا وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، التي أرادت أن تحول كل العراقيين إلى مشاريع استشهاد من اجل ديمومتها وبقائها.


الرقيب السلطوي


أصبح للسلطة رقيبها الأدبي والفني، لجنة مكونة من الفنانين واخرين الذين ينتمون لحزب السلطة وأعلامها، مهمتها إجازة النصوص والعروض، قبل تقديمها للجمهور، حسب توجهات السلطة، منعت هذه الرقابة عشرات النصوص والعروض الجادة والجريئة، المؤلفة منها أو المعدة أو المعربة، أو حذفت أجزاء مهمة من مشاهدها وحواراتها، ، وهذه اللجنة تعطي صك الغفران بكتابة عبارة " صالح من ناحية السلامة الفكرية" على كل النص قٌدم للجنة بعد قراءته. و"السلامة الفكرية" هي التي تهدد السلطة، أي أن النص لا يتعارض مع توجهات السلطة، أو بمعنى آخر لا يحتوي شيئاً ضد توجيهات الحزب، لذلك منعت عروض مسرحية في ليلة عرضها الاول او بعد مشاهدتها من قبل اللجنة،او رفضت كنص منذ البداية، او تطالب اللجنة بتغير بنية النص وخطابه.

جيل جديد.... جيل الحرب

تقول مارغوري بولتن: "لابد من أنْ نربط جميع التمثيليات بالبيئة التاريخية التي كُتِبت فيها - هذه البيئة تشتمل على مسرح زمن التمثيلية، ومقاييس هذا الزمن الفنية والجو العام الذهني والأدبي - وبالأحرى الخلقي، ... " ( - مارغوري بولتن، تشريح المسرحية، ص 283.)

، لكن في عروض المسرح العراقي في الحقبة الماضية، لم تخضع لهذا المفهوم، كونها سعت لايجاد خصوصيتها المسرحية، من خلال اسقاط النصوص المسرحية على الحالة العراقية، ولهذا إن قراءة مستمرة لعروض المسرح في العراق في السنوات العشرين الماضية

ظهر جيل آخر في الساحة الفنية في الثمانينات وتشكلت تجربته في النصف الثاني من الثمانينات، لكن هذا الجيل انتهج خطاً خاصاً به وهو الاحتجاج على الوضع السياسي ورفضه للحرب الأولى والحروب التالية. وبما أن كل شيء ممنوع، وعليك إظهار الولاء للحزب الواحد والقائد الأوحد، وبغير كل ذلك فإن مصيرك المقصلة باعتبارك خائن. ولهذا كانت تجربة هذا الجيل من المخرجين الشباب تجربة تستحق المتابعة والدراسة لأنها ثورة على ما هو سائد آنذاك. عروض أتسمت بالجرأة والتحدي، بالإضافة إلى الجانب الفني الذي يدل على وعي كبير يقف وراء هذه التجارب المسرحية. جيل ولد في أحضان الحروب، إذاً لابد أن تترك هذه الحروب تأثيرها عليه في كل الجوانب، سواء كانت فكرية أو نفسية أو حتى مادية. لهذا نرى أن هذا الجيل قد صب جام غضبه على السلطة من خلال المسرح لأنه المتنفس الوحيد له. في يوم ما سأل سارتر حول شعوره بالحرية بعد الاحتلال النازي لفرنسا، ذكر "كنت أتمتع بحرية أكبر في زمن الاحتلال النازي، لأننا كنا نعبِّر عن حريتنا بطريقة أخرى كلها رعب وفزع مخافة من اكتشاف أمرنا من خلال كتابتنا لشعارات معادية للنازية على الجدران بالقرب من القوات الألمانية. هذه هي الحرية الحقيقية".

 كانت العروض المسرحية تحت الاحتلال البعثي- الصدامي للعراق أشبه بحالة سارتر أثناء الاحتلال النازي لفرنسا. كانت هذه العروض تعبِّر عن حريتها بتأويلات بعيدة عن أنظار رجال الاحتلال ألبعثي للعراق.

تحمل الجيل الجديد من المسرحيين العراقيين وزرَ تبعات العروض المشاكسة والجريئة، التي امتازت بها فترة الثمانينيات بالعراق، ­بالتأكيد ليس كل العروض­ عروض مسرحية كادت تفتك بمخرجيها وممثليها ومؤلفيها، وكانت هذه العروض هي انعكاس لواقع مرير عايشه العراقيون، وكانت الحروب التي مرَّ بها البلد، والواقع السياسي للحزب، صاحب التأثير الأكبر على هذه العروض. أخذ الشباب بتشفير كل شيء على المسرح وإعطائه تأويل يعكس الحالة العراقية والواقع السياسي في العراق، وهنا نشير إلى بعض تلك العروض، لتوضيح آلية الاشتغال، حيث اتسمت الكثير من العروض بقصدية الإسقاطات السياسية، وتحميل العرض المسرحي علامات تدين النظام ورموزه، وتلعن الحرب وويلاتها، هو مسرح الغضب العراقي، الذي يشابه حركة الشباب في انكلترا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث" يعد مسرح الغضب جزأً من حركة الشباب الغاضب التي ظهرت في انكلترا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وقد صار تيارا يحاول التجديد على مستوى الشكل، لكنه يقترب من التيار الواقعي في المضمون .."( المعجم السرحي،ص442) نشاهد ذلك في عروض مسرحية، تجاوزت قراءتها لخطاب النص الدرامي، وإخضاع منظومته الدلالية على الواقع العراق..

أخيرا نقول.....

في التسعينات بعد حرب الخليج الثانية، كان المسرح مطية للسلطة، وليس كل العروض بالتأكيد ولكن أغلب تلك العروض. حيث كانت تلك العروض المسرحية ذات توجه تعبوي بحت. وقد سارت على خط خطاب السلطة الذي يضرب على أوتار حساسة مثل:

قضية الحصار وتأثيرها على الشعب العراقي.

إدانة الهجرات الجماعية لأبناء العراق.

العزف على وتر الحنين والعودة إلى الوطن بالنسبة للمغتربين.

كل هذا ضمن التوجه الإعلامي الذي تبنته السلطة. إذاً، يتضح أن السلطة في مرحلة الثمانينات كانت قد روَّجت للمسرح التجاري الاستهلاكي كوسيلة ترفيهية، دخول الغجر الى المسرح ، وكذلك المنتجين الذين ليس لهم اي علاقة بالمسرح سوى الربح المادي واشياء اخرى، كل هذا كان على حساب الفن وحساب المسرح التقدمي المتطور، ذو الرسالة الإنسانية العظيمة. وفي التسعينات كثّفت السلطة من دعمها للمسرح التعبوي، بعد أن هاجر أكثر من ثلاثة ملايين عراقي لأسباب شتى، منها سياسية، اقتصادية بسبب الحصار الذي فرض على العراق، بعد غزو العراق للكويت، تفاقم الكبت، واللا جدوى الذي يعيشه الفرد العراقي، جرّاء سياسة حمقاء دمرت البلد.

بعد التغير المدوي في العراق 9 نيسان 2003،الذي ترك أثاره على كل مفاصل الحياة العراقية، ومنها الثقافة بشكل عام والمسرح بشكل خاص، ظهرت عروض مسرحية تسير باتجاهات عديدة، رغم سقوط الرقيب، وتعدد الأحزاب .

بدأت تظهر لنا ما يشبه (الخلايا الثقافية النائمة)، تسير وفق أجندات حزبية مؤد لجة، لا تكترث للحس الجمالي للعرض المسرحي، بقدر اهتمامها ببسط خطابها الحزبي، حيث بدأت الساحة المسرحية تتعرف على عروض مسرحية دينية، وهذه سابقة خطيرة في المسرح العراقي ، وهنا لا نعني تقويض هذا المسرح، إذا كان هدفه جمالي ومسرحي بالدرجة الأولى وليس هدفا طائفيا ، يكرس الانشقاق العراقي ويمزق وحدته.

لعل الأخطر في ذلك سعي الأحزاب لتنظيم مهرجانات مسرحية ، ان كانت أحزاب دينية او قومية او علمانية، تحتضن عروض مسرحية للمشاركة بتلك التظاهرات بانتقائية، وتتحمل كل تكاليف الإنتاج بالإضافة للجوائز المالية، كل ذلك من اجل تمرير خطاباتها التعبوية، وهذا مشابه لخطوات النظام السابق، طالما ان الفرق المسرحية لا تملك أي غطاء مالي ، حتما ستلتجئ للأحزاب ، لتقديم عروضها.

عروض حملت خطاب مناهضة المحتل، مستغلة الهامش الكبير من الحرية في العراق ألآن، وتقدم تلك العروض في مسارح الدولة الرسمية، دون مصادرة حرية ما يقدمون.

عروض تشير الى الوضع المأساوي للفرد العراق، وبالتالي لأول مرة يشهد المسرح العراقي، بكشف المستور للشخصيات المهمشة داخل المجتمع ، مثلما قدم (مهند هادي) في مسرحيته( حظر تجوال)، ( صباغ الأحذية، منظف السيارات)، وانعكاس الوضع العراقي عليهما، حيث كانت تمثل الغضب العراقي.

خُفوت دور المؤسسة الثقافية ( دائرة السينما والمسرح) ، كفعل مسرحي مؤثر داخل المجتمع، حيث بدات تتفاقم حالة إنتاج اعمال المناسبات للمشاركة في المهرجانات ، وهي مقتصرة على مجموعات، كذلك ضنك الحالة المادية التي تمر بها الدائرة، من تهميش من قبل الحكومات.

حملت العروض المسرحية بعد التغير الكثير من التنوع والتناقض، الكثير منها حمل خطاب مباشر لإدانة النظام السابق، او إدانة الاحتلال، وبالمقابل هناك عروض مسرحية تناولت الهم العراقي بحس جمالي كبير، لم تسعى للاستجداء العاطفي ان كان مع/ او ضد، النظام السابق والوضع الجديد، وهذه العروض هي التي ستبقى في تاريخ المسرح الحقيقي، وعروض الأحزاب والخطابات المباشرة، ستكون جزءاً من أرشيف الأحزاب فقط.


أحمد شرجي

ahmadsharji@hotmail.com

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved