"شمس الحياة "عادت لتنير بروحها الفياضة وأزليتها أعطاف المدينة الحالمة، فاس وهي بين ربى وسهول بالإزهار والنبت النافع مستلقية، ومن خرير" جنان السبيل " ووادي الجواهر" راشفة صنعت "توشية الحياة تصل الماضي بالحاضر، قرع على النحاس صنع منه "صنج المهرجان " يسمع من الناصية، يوذن بعشايا وأماسي على نغمات رصد واصبهان، تغنت به ملائكة الرحمان، وحجاز مشرقي اكتملت ميازينه الخمس و"باستهلال"هو انشودة الدهر غير المنسي و"رصد ذيل " بالليل يمسي شجنا على العتاق والمرد يرجيء الالم المدلهم . و"بعراق عجم "يبكر بالصبح على نديم سلته خمرة أنس .. و"بعشاق "بإصباحات جلا كل معاني العشق المسلي . وماية للجنان غنت وهي في حلة الذهب المطل، باسمة عن لآليء، ناسمة عن عطر .
تلك كانت مفردات الهيام بتراث "موسيقى الآلة" تجري على الافئدة فقد كان المغرب الأقصى حاضنه وحافظه ولا زال على مر القرون، يحمل رسالة القرون برغم مستجدات الدهور .. لا زال أبناؤه في حواضر المملكة المغربية يتحلقون حوله تحلق المريد إلى الشيخ . لهم في كل مناسبة مهرجان بطقوس العشق والاحتفال في أكثر من مكان عروس تتجدد زينتها لتزداد وهجتها وألقها على كل من ينظرإليها..
فاس ومعها جمهور المملكة الوافد عليها عاشت اياما بلياليها تلف كل جسمها بإ زار الحشمة والجمال مزركشا بانواع البهجة والدلال .. اشعار ازجال براول موشحات انشادات من لب الحكمة والبيان عرف مهرجان هذه الدورة مشاركة عشر فرق موسيقية تمثل جهات المملكة بحواضرها الاندلسية فاس و تطوان ثم طنجة فتازة . وكان لاسبانيا بصمة ابداع مع الفنانة الاسبانية "بيكونيا اولابيدي و"فرقة موديخار " او المدجنين "تعود اغاني هته الحقبة الى مرحلة سيادة الملك القشتالي " الفونس الحكيم" الذي شهد عصره تنويرا ثقافيا وحضاريا كبيرا استجمعت فيه كل الأغاني و الترانيم والمصنفات العلمية والأدبية التي خلفها العرب المسلمون وكانت تمثل أرقى لقاح ثقافي بين الحضارتين المتعاقبتين على شبه الجزيرة الايبرية .. حيث كان لروح التسامح الديني طيب الأثر بين المسلمين واليهود والمسيحيين سمح بتطوير الفن واستحداث موسيقات جديدة هي مزيح قل نظيره بين الموسيقى الأصلية المحلية التي يمثلها الغرب بطقوسه وبين الضفة الأخرى التي يشكلها العرب و البربر و الأفارقة.فكانت ابتكارات ابن باجة الأندلسي وإبداعاته الفنية نقطة حاسمة في أوروبا ودول بلدان المغرب العربي . اذنت بظهور مدرسة اخرى تظاف بالتعاقب التاريخي الى مدرسة الاصول والبدايات الصارخة "لزرياب "القادم من بغداد الى الاندلس .
لقد كان حظ الشباب في دورة مهرجان فاس " 22 " للموسيقى الاندلسية /المغربية غير منقوص حيث شارك صبيان من مختلف الاعمار ضمن مجموعات صوتية يؤطرها اساتذة مختصون في الميدان . ظاهرة أصبحت لصيقة بمهرجان فاس الهذف منها نبيل هو ربط الأجيال بعضها ببعض في تواصل وتلاقح ايجابي تنقل منه المعارف بسلاسة ومحبة وتستقدم إليه أجيال تحمل مشعل هذه الموسيقى التراثية التي تعتبر ركنا ركينا من الهوية المغربية فعرفت دورة المهرجان عروضا فتية من "كورال عبير الاندلس" بتاطير ذ/ محمد العثماني " وكورال السلام "بتاطير ذ/ الطيب الوزاني - وكورال "اندلسية المغرب" برئاسة د/ عبد الحميد السباعي من البيضاء.الى ان بتنا و في العشرية الاخيرة من زمننا هذا نعايش –ظاهرة كورالية- على غرار "الظاهرة الغيوانية "في زمن الستينات من القرن الماضي عندما طفت على السطح ثقافة الموروث الشعبي لتعبر عن احوال اجتماعية وظواهر روحية ونفسية صوفية من اشعار استقاها فنانوها من دواوين شعراء الصوفية كالشاعر " ع/الرحمان المجدوب "و الشاعر ابن المؤقت المراكشي وبوعلام الجيلالي .وسرت الظاهرة زمانها مسرى النار في الهشيم استجلبت اليها اذواق شباب تلك الفترة .هو نفسه الوهج و الانتشار الذي تعرفه الساحة الموسيقة بالمملكة من خلال موسيقى الالة /الاندلسية و انفتاح الشباب عليها و محاولتهم الاخذ بنواصيها في مجموعات موسيقة كثيرة وحسب تقديري الاحصايئ بلغ العدد حوالي 13" كورال يتوزعون بين فاس/البيضاء /الرباط /طنجة / الرباط / سلا ومراكش.
ناهيك عن كل هذا تظل الفرق "الموسيقية الكبرى" الممثلة لاجواق مختلفة في مشاربها الثقافية ومدارسها الموسيقية عماد المهرجان وركنه الركين وجامعة الولوعين وشغف الهواة المتنقلين من جهة الى اخرى تلمسا للسبيل لمدارس اختزلت في تلاث *المدرسة التمسمانية / المدرسة الرايسية /المدرسة الوكيلية* نسبة الى اعلام موسيقى الالة الكبار الاستاذة "محمد التمسماني " عبد الكريم الرايس"مولاي احمد الوكيلي رحم الله الجميع.
ان مهرجان فاس وبعادة محمودة خصص للجانب الثقافي برنامجا زخما بالمعرفة من خلال ادراجه لحلقات "ماستر كلاس" في طبوع الموسيقى الاندلسية المغربية"ادارها الاساتذة الباحثون " محمد العثماني " عبد الفتاح بنموسى " عبر عروض فكرية و تطبيقات حية ..تلمس من خلالها الحاضرون نغمات الطبوع على اشعار و ازجال وتواشيح من الموروث الادبي لموسيقى الالة .
ثم حلقة اخرى في "ماستر كلاس في الانماط الشعرية في ديوان الالة " ادار عروضها كل من الاساتذة ذ/الباحث عبد السلام الشامي المدير الفني لمهرجان فاس ثم د/محمد العلمي خبير في علوم اللسانيات ود/خالد بناني منسقا،تناولت الجانب الادبي والصوتي بتطبيقاتها من خلال قراءة مقاربة لاشعار وازجال الاندلسيين باعتبارها مكونا اساسا في مضمون الصنائع الاندلسية مع استعراض تاريخي لهذا المكون من الشعر الجاهلي الى البراول المغربية و الازجال والتواشيح الاندلسية مرورا بابن باجة الاندلسي و ما احدثه من فرق شامل غير ملامح الغناء بجديد مستحدث فهذا الأخير الذي كان علامة في كثير من العلوم كان "بارعا" في التأليف الموسيقي استطاع من خلاله إحداث ثورة في هذا المجال بإبداعه موسيقى تتناغم مع أذواق الأندلسيين الذين قدروها وتبنوها على أنها "موسيقاهم"مستلهما روح العصر و مستحدثاته وتراكم موسيقاه من عصور خلت ،وقداستمرت عروض الاساتذة حلقات من المعرفة و صولا الى كتاب "الحسن الحائك "بنسخه المتعددة ثم كتاب الروضة الغناء (مجهول المؤلف) اغاني السقا" تحقيق ذ/الباحث ع /العزيز بن ع /الجليل الى "ديوان الألة" ذ/الباحث المهدي الشعشوع..
لقد تعززت فعاليات مهرجان فاس بالندوة العلمية التي اختير لها كعنوان "الموسيقى الاندلسية بين المحلية و العالمية " فحيث يصر منظمو المهرجان على طموحهم في ان يتجاوز هذا الفن الحدود الوطنية ، ليحظى باعتراف المنظمات الدولية المعنية بصيانة التراث الانساني في وجه اخطارالعولمة ، خصوصا وقد بات هذا التراث مطية من لا ركوب له..يستبيحون عوالمه الروحية و الأدبية و الموسيقية لأعمال تقل جودة .وقد كانت محاور الندوة تحوم حول
-استجلاء مظاهر القوة المتوفرة في الموسيقى الاندلسية المغربية ، و الصفات التي تؤهلها الى العالمية .
- المعوقات و الاكراهات التي يجب تجاوزها.
- الاستراتيجيات لبلوغ اعتراف المؤسسات الدولية :معرفة القوانين و الشروط المطلوب توفرها – معرفة الأطراف الشريكة – وضع خطة لتيسير المهمة .
حول هذه المحاور تمت عروض السادة الأساتذة :امين الشعشوع –عبد الفتاح بنموسى –السملالي عبد المجيد كل من منطلق تخصصه ومعرفته وانتهت باصدار توصية تلم شتات الإجراءات العلمية و الثقافية و الأدبية للدفع بهذا الموروث الموسيقي نحو العالمية و الاعتراف به كموروث إنساني لا مادي
انتهت أيام المهرجان غير ان روحه لا زالت تسري على الأفئدة تمني النفس بدورات أخرى لا منتهية يتجدد بها الوصل "بالأندلس "..ونحن نجدد الشكر للجهات المنظمة على حسن الرعاية ونذكر بكل امتنان