*في عالم مترف كانت الصحف العالمية تصدر يوميا في ملاحق من 60 صفحة بملايين النسخ يوميا ويرمى اكثره في المزابل
*الازمة التي هزت العالم الآن أماتت صحف الورق
*امبراطوريات الصحافة تسقط من عصرها الذهبي سقوطا لارجوع له بسبب جفاف معين الاعلانات من *الشركات الكبرى المفلسة والآن تتحقق بحذر فكرة مجتمع بلا ورق
*يفسر احد الاساطين سر اختفاء الجريدة الورقية هوان كتابها يسخدمون لغة لا يفهمها الجيل الجديد
*غوغل شلت الجرائد والمكتبات والمجلات المتخصصة والانسوكلوبيديات باللغات المتعددة
*في عصر الانطلاقات العلمية اصبح على الانسوكلوبيديات ان تتجدد كل عام بعد كانت تبقى حية لعشر سنوات
قبل اكثر من عشر سنوات كنت اعمل في راديو كندا الدولي القسم العربي الذي يبث للعالم العربي، في ذاك الزمن ظهرت فكرة كنت اود الكتابة عنها لارسالها على الهواء هي: بالكومبيوتر بدأ مجتمع بلا ورق (Paperless Society )
حين انتشر الكومبيوتر على نطاق واسع كانت النبوءة تقول ان الشاشة تكفي بدلا من طبع المقال. الا انه ثبنت ان الكثير من المقالات لابد من طبعها على الورق لسهولة قرائتها لهذا اتنهت الفكرة عندي ولم لم احققها فتركتها. كانت الصحف الكبيرة اليومية الملونة في كندا كمثال تصدر كل جريدة يوميا منها في ما لا يقل عن 60 صفحة بالحجم الكبير فالقسم الرئيسي يصدر في 30 صفحة على الاقل وتضم ملاحق عديدة في المال والفنون والبزنز والرياضة وبيع المنازل وبيع السيارات وملاحق اسبوعية في مناسبات ولا مناسبات. كان الكثير من القراء يقراؤون الفسم الرئيسي ويرمون الباقي في الأزبال وكان الكثير من الازواج الشيوخ يشترون نسختين من الجريدة ليملؤوا فراغهم في الرجوع الى صفحة حل الرموز المتقاطعة ثم يرمون النسختين بكاملها
الجريدة في امريكا وكندا لاتصدر وحدها بل ضمن امبراطوريات اعلامية تضم صحفا ونلفزيونات ووكالات اعلان واذاعات. قبل دخول كونراد بلاك السجن كان يمتلك امبراطورية تضم اكثر من ستين جريدة وتلفزيون ثم باع امبراطورياته الى قطب آخر بملايين الدولارات فاصدر جريدة يومية وكان ذلك في عصر الجريدة الذهبي, بالاظافة الى ذلك هنالك في تورونتو صحيفتين عريقتين تصدران بما لا يقل عن 50 صفحة وصحيفة اخرى يومية تصدر بالحجم الصغير وهي الاخرى تصدر بما لايقل عن 50 صفحة، وفي كل واحدة منها عندما تحمل باليد تشعرالانسان بثقلها. وجميعها تصدر يوميا في ما لايقل عن 100 الف نسخة.
الصحف اليومية الآن في محنة مالية كبرى، فقد انتهى معين الاعلانات من المؤسسات الكبرى التي افلس اغلبها، بافلاس الشركات الكبرى خاصة شركات السيارات التي كانت تضخ الملايين من الدولات للصحف. لافلاسها وعدم استطاعتها نشر اعلانات صفحات كبيرة كالتي كانت مصدر الجرائد المالي الرئيسي في ضخها بالملايين من الدولارات. اما (روجرز) الذي مات مؤخرا بدا حياته باذاعة وعندما رحل خلف (امبراطورية روجرز) العملاقة المليئة بالجشع واصبح له المجال مفتوحا في عصر الانترنيت وموت صحافة الورق.
اشهرها محطات نقل القنوات التلفزيونية والانترنيت فقد جعلت نقل البث التلفزيون اجباريا على المشاهدين اذ وضعوا حزمة اساسية مفروضة القنوات على المشاهدين وحزمة اخرى مفروضة القنوات. اما الارسال عبر الانترنيت فقد قسموه الى قسم الارسال العادي والآخر السريع رغم اننا نعيش عصر التقدم التكنولوجي العالي الاداء.
ان جشع (روجرس) كبير فآخر قوائم الدفع الشهري التي وصلتني تبلغ 93.28 دولارا المبلغ مقسم الى 57 دولار عن الانترنيت السريع و 28 دولار لحزمة تلفزيون تضم 63 قناة مفروضة على المشاهد، بعضها لا اريد مشاهدته وهي تضم الضريبة الكندية التي هي 7% المفروضة على الكندي كضريبة شراء, برغم الكساد القائم فان (روجرس) الجشعة لا تترد عن فرض زيادة بين الحين والحين.
ان تراجع مبيعات الصحافة المكتوبة لا يعود للتحدي الالكتروني فقط، بل ظهور موجات وجرائد مجانية اخرى، التي أضحت تكتسح السوق، تترأس قائمة أعلى المبيعات، كما حدث مع يومية (24 ساعة) و جريدة (مترو) المجانيتان الصادرتان في تورونتو، اللتّين وصل عدد توزيعاتهما على التوالي إلى 1.5 و1.3 مليون نسخة موزعة في صناديق موضوعة في منعطفات الطرق, في وقت اتخفض توزيع اضخم الصحف اليومية الكبرى الأخرى كـ (التورونتو ستار) الى 50.000 نسخة و (كلوب اند ميل) 40.000 نسخة مع عدد اقل في الصفحات لكليهما. حتى الجرائد المجانية تضم اخبارا اغلبها شوهدت على التلفزيونات المحلية او قراها الكثير على شاشة الكومبيتر.
في 28 تشرين الأول 2008 أعلنت الصحيفة اليومية الاميركية الكبرى (كريستشن ساينس مونيتور) التي بدأت منذ قرن توقف الطبعة الورقية لتصدر الكترونياً في نيسان 2009. في ذات اليوم أعلنت (مؤسسة غانيت) اكبر ناشري الصحف في أميركا التي تمتلك 85 صحيفة يومية منها (يو أس آي توداي) الواسعة الانتشار و 800 صحيفة يومية منتشرة في ارجاء امريكا اضافة الى 23 محطة للتلفزيون، اعلنت تسريح عدد من العاملين في الصحف. في 8 كانون الاول 2008 تقدمت (شركة تريبيون) التي تمتلك 12 جريدة في أميركا بينها اثنتان من الثماني الكبرى، (لوس انجلس تايمس) و (شيكاغو تريبيون)، و23 محطة للتلفزيون، التمست المحكمة طلب الحماية من الافلاس. تشير المؤشرات ان صناعة الصحف في أميركا تعاني من تدني المدخول (فالكريستشن ساينس مونيتور) تصدر بخسائر سنوية قدرها 18,9 مليون دولار. (مؤسسة غانيت) عانت انخفاض دخلها من الصحف بنسبة 32,5% في الربع الاول من السنة مقارنة بالفترة المقابلة من 2007، انخفضت دخول الاعلانات التي هي مصدر دخلها الرئيسي بنسبة 17,7%.
لقد فتح الإنترنت آفاقا لا سابق لها وبدأت تهدم الجرائد الاخبارية، حيث ان الاخبار غدت متوافرة في أي لحظة بالنقر على جهاز كومبيوتر والاتصال بالإنترنت. ثم جاءت كل هذه الأجهزة الصغيرة المحمولة والتي يسمونها بالهواتف الخلوية الماخودة من لغة الاعاجم (Celphones) وأجهزة القراءة الأكترونية لتأتي بالاخبار في كل لحظة والرسائل على الماشي كما كان يفعل اوباما. الصحف غدت الآن متأخرة في تقديم الاخبار لان الجريدة تكون متأخرة 24 ساعة ولم يبق فيها غير المقالات والتعليقات اليومية. ناقوس الخطر القائم الآن بدأ عام 2008 وفي عامنا 2009 غدى الامر حقيقية. ناقوس الخطر رن في عام 2008 عندما قررت (الكريستشن ساينس مونيتور) التوقف عن الصدور دون ان يدرك احد ان عصر الجريدة قد بدأ بالافول حتى ان قسما كبيرا من الناشرين لم يتوقعوا ان الساعة آتية لانحلال الصحف الورقية تصيبها ضربة قلب فجأة فتموت كمدا. جريدة (الكريستشن ساينس مونيتور) كانت توزع 220 الف نسخة عام 1970 وانتهى بها الحال هذه السنة الى توزيع 52 الف عدد فقط. بعد ان تدهورت عائدات اعلاناتها في الطبعة الورقية، بينما ارتفعت في موقعها الالكتروني.
في تحقيق اجراه (معهد بيو) للابحاث في 2008 ظهر المؤشر الأشد خطورة قائم على الصحافة المكتوبة. اذ كشف ان الانترنت (العملاق الجديد) غدى مصدر المعلومات الرئيسي للاميركيين سواء بالنسبة للمحليات او الدوليات المتقدمة على الصحف. ومن يصدق أن جريدة (اللوموند) الفرنسية العريقة، التي كانت تعتبر رمزاً للمصداقية والمهنية في عالم الصحافة العالمية، هي الآن على وشك الإفلاس، هي غارقة منذ سنوات في ديون متراكمة وصلت عام 2007 إلى 150 مليون يورو!! إنها الحقيقة التي كشف عنها مسلسل الإضرابات الأخيرة التي طالت هذه الجريدة لأول مرة منذ ظهورها عام 1944، احتجاجا على مشروع تسريح 130 عاملا فيها 90 منهم من الصحفيين.
هذه الازمة الصحفية الصعبة التي تعيشها اليوم أغرق الصحف الفرنسية في بحور الظلمات، تعكس فداحة الأزمة التي تعانيها الصحافة المكتوبة اليومية، ازمة جريدة (اللوموند) ليست وحدها قي فرنسا، فقد اجرت كل من جريدة (الليبراسيون) عام 2006 و (اللومانيتي) عام 1994 و (اللوفيجارو) عام 2004 تسريحات عمال واسعة منهم صحفيين، كما شهدت حقبة التسعينات اختفاء جرائد يومية في فرنسا كـ (اللوجور) و (النيس ماتان) و (اللوكتديان دو باري) و (الفرانس سوار)، اذ لم تستطع الصمود أمام المصاعب المالية. بقيت الصحافة الفرنسية طويلاً حريصة على الاحتفاظ ببعض أخلاقيات المهنة، كتفادي اللّجوء لأساليب تسويق معينة، كمنح الهدايا، والإعلان عن خصومات مقابل اشتراكات كما تفعل جاراتها الإيطالية أو الإسبانية. (جون فرانسوا كان) الفيلسوف المعروف، مؤسس مجلة (ماريان) يقول (مأساة الصحافة الفرنسية يكمن في أسلوبها، فهي لا تعرف التخاطب مع القراء إلا بلغة النخبة، في الوقت الذي لم يعد فيه لأحد الوقت الكافي للوقوف عند المعاني والتعبيرات المجرّدة، المفردات المركبة والجمل الطويلة. جميعها يؤرق القّراء اليوم.). يضيف (أنه كثيراً ما كان يتسّلم رسائل من قراء لم يفهموا هذه الكلمة أو تلك، والصحفيون عندنا مازالوا يرفضون الكتابة بأسلوب يفهمه القراء تماما كما يفعل الماركسيون، الذين يفسرون الحقيقة كما يهوونها أن تكون وليست كما هي في الواقع).
ان شغف الفرنسيين بقراءة الصحافة المكتوبة وحتى مشاهدة التليفزيون في نزول مستمر، لصالح الإقبال على الإنترنت، حيث بلغ عدد المشتركين فيه عام 2007 أكثر من 15 مليون شخص، وهو ما كشفت عنه دراسات كثيرة، كتلك الدراسة الأخيرة لمعهد (ميديا متري)، التي نشرت في نفس العام، والتي خلُصت في نتائجها إلى أن نصف الفرنسيين الذين تزيد أعمارهم على 11 سنة يمضون في المتوسط ما يعادل 34 ساعة في الشهر على شبكة الإنترنت، أي 4 أضعاف ما كانوا يمضونه في عام 2000 وأن اكثر الذين تتراوح أعمارهم ما بين 19 و25 سنة، صّرحوا بأن الشبكة (العقترونية) غدت مصدرهم الوحيد للاطلاع على الصحافة اليومية، والحساب سهل اذ أن كلفة الاشتراك في شبكة الإنترنت تتراوح ما بين 10 إلى 30 يورو شهرياً، بينما ثمن عدد واحد من أي صحيفة لا يقل عن 2 يورو، وهو ما يجعل الفرنسيين الذين يعانون أعلى معدلات البطالة في أوروبا تتدهور قدراتهم الشرائية يقلّلون من مصاريفهم، ولا يفكرون اقتناء أي جريدة مهما كانت حاجتهم إليها.
الفرنسيون يرون لا مصداقية الصحافة المكتوبة خاصة الاعلانات التي تحملها أضّحت على المحّك فى السنوات الأخيرة، لان الجرائد والتلفزيونات والاعلانات غدت في ايدي (سلطنات عملاقة) يملكها سلاطين الرأسمالية الجشعين كـ (كونراد بلاك) الذي كان يمتلك اكثر من ثمانين من الجرائد ومحطات التلفزيونات ووكالات الاعلانات ولجشعه في السرقة حكم عليه 8 اعوام في السجن. ومن هؤلاء الغيلان السلاطين (سارج داسو) المعروف في الاتجار في الأسلحة الحربية التي يصل اغلبها بايدي عصابات الماس والعصابات التي تثير الاضطرابات في افريقيا. عندما ابتاع (جريدة اللوفيجارو) الفرنسية الشهيرة وجه رسالة للقراء نشرت بعناوين كبيرة على صفحتها الأولى عام 2004 قائلاً (أتمنى في حدود المستطاع، أن تعمل الصحيفة على إظهار قيمة شركاتنا، وأنا اعتقد أن هناك بعض الأخبار التي يجب التعامل معها بحذر، كتلك التي تخّص العقود التي يجرى التفاوض عليها. والخطر قائم في إلحاق الضرر بمصالح بلادنا التجارية والاقتصادية). ما يقصده (سارج داسو) في (بلادنا) شركاته المتختصصة في صنع الأسلحة والطائرات القتالية، والتي منَع بموجبها نشر أخبار حول صفقة لبيع طائرات (الميراج لتايوان)، وأخرى بيع طائرات (ميراج للجزائر). لهذا يشعر المثقفون في العالم ان الصحافة المكتوبة لم تعد غير أدوات تلاعب بالاخبار والمقالات التي يكتبها الصحفيون التي توضع لهم حدود في كتابتها والا طردوا. من ناحية اخرى فأن الإعلام الذي ينتشر في الشبكة الالكترونية هو أكثر مصداقية وحيادا.
يبدو ان الصحافة اليومية غدت عليلة انها الديناصور الذي اختفى قبل 150 مليون عام؟ اذ ولى عنها العصر الذهبي الذي عاشته خلال النصف القرن الماضي. ما نقرأه صباحا من اخبار الجرائد انما جميعه معاد مما شوهد على التلفزيون بثرثرة اكبر. او يقرأ على العقترون بالنقر في قائمة (المفضلات Favourate) اذ بالنقر ينتقلون من صحيفة الى صحف اخرى ليقرؤا المواضيع التي تعنيهم بل حتى يقرؤنها على هواتفهم الجوالة اينما كانوا.
الإنترنت اصاب الصحف المكتوبة بالشلل المالي ليس في أميركا وحدها حيث انخفض رصيد دولارات الاعلانات للصحف بـ 25% في العامين الاخيرين. والآن باعصار الركود وباغلاق المئات من المؤسسات الجبارة ابوابها وتسريحات العمال وشحة معين الاعلانات.
لعب (غوغل) دورا بارزا فعالا الى اقصى درجات الفاعلية في احداث ثورة عارمة ليس في قتل الجرائد بل المكتبات والمجلات المتخصصة والموسوعات (الانسوكلوبيديات) اذ كل مايقرأ في (غوغل) مجانا دون محاولة شراء مجلة بل حتى في (الانسوكلوبيديات) فـ (الانسوكلوبيديات البريطانية) وغيرها اصبح لها مواقع على الانترنيت ومثلها القواميس. ولهذا فان المكتبات غدت الآن شبه ميتة واكثر روادها ممن يرتادونها للنقر على الكوميوترات المتوفرة الآن في كافة المكتبات الكندية. كانت اعمار (الانسوكلوبيديات) في الماضي تستمر لعشر سنوات, اما في عصرنا، عصر القفزات العلمية والتكنولوجية والثقافية فان (الانسوكلوبيديا) التي صدرت عام 2008 ستصدر اليوم في عامنا 2009 في تنقيح وتبدل هائل. اذ ان المعلومات بكل اشكالها تتضاعف مرة عما هي عليها في كل عامين. فاي سيل عارم يراه عصرنا فلو عاش اينشتاين اليوم لطق دماغه.
الواقع عندما كنت اكتب لراديوا كندا الدولي كانت المكتبات بعض معيني خاصة مكتبات الجامعات اذ كل واحدة منها يضم الملايين من الكتب والصور وغيرها الصادرة حديثا الا ان الحديث في عصرنا فقد معناه فكل لحظة تمر تغدوا من التاريخ كما ان التاريخ فقد معناه في ظل الحداثة وما بعد الحداثة وما فوق الحداثة. اننا تعش عصرا صعق التاريخ ففي كل لحظة تمر تغدوا تاريخا لان القفزات العلمية في العالم الجديد المتقنق افقد الحاضر مكانته. اختفاء او موتها سبب انهيارات كبري سبب تسريحات كبرى ليس بين الصحفيين والعاملين فيها من الرئاسة والادارة وغيرهم من الكوادر بل افلس المطابع ومنتجي الورق وتسريح عمالهم. الفائدة الكبيرة للبيئة ان عمليات قطع الاشجار من اجل انتاج صحف الترف قد توقف. اغرب الرئب ان صحفاً ومجلا ت كانت تصدر منذ 100 قد اختفت الى الابد.
توما شماني تورونتو
عضو اتحاد المؤرخين العرب