منذ زمنٍ ، بل منذ أزمانٍ ، كان يلحُّ عليّ هاجسُ القِرطِ .
السبب بسيطٌ .
العراقيّون ليسوا ذوي ذاكرةٍ ثقافيّةًٍ .
هم لن يحفظوا نصّاً لي ، مثلَ ما فعلوا حين لم يحفظوا نصّاً لبدر شاكر السياب.
لو حفظوا نصّاً لبدر أو للرصافيّ قبله ، وتَمثّلوا ما حفظوه ، لَما احتلّهم محتَلٌّ ، واستعمرَهم مستعمِر.ٌ
لكنهم ليسوا ذوي ذاكرةٍ .
مدافعُ كثيرةٌ كانت في البلد .
لكنّ العراقيّين ( قومي ) لا يتذكّرون إلاّ :
طُوب أبو خِزّامة ...
وهو مدفعٌ قديمٌ نمساويّ في نهاية ماسورته حلّقةٌ تُستعمَل لسحبه .
هذه الحلقة ، قال عنها الناسُ إنها خِزّامةٌ ، أي قِرْطٌ على الأنف .
*
قلتُ لنفسي :
يا سعدي ، أنت منذ الآن منسيٌّ . الصحافةُ في العراق تتحاشى اسمك . لا أحد يذكرك ، بخيرٍ أو بشرٍّ .
أنت غيرُ موجودٍ .
لا في صحافة العراق المحتلّ ، ولا في صحافة محميّات الخليج.
إذاً ، ما العمل ؟
قلتُ : لأكُنْ مثل طوب أبو خِزّامة !
لأضعْ قِرطاً في أذني اليسرى ...
صديقتاي : النمساويّة ، وبعدها الأسكتلندية ، ما كانتا متحمّستَينِ للأمر .
أنا الآن حُرٌّ .
هكذا ثُقِبَتْ أذني اليسرى ، وانتظرتُ أربعة أسابيع لأضع قِرطاً !
*
جاء في الكتاب العزيز :
يطوفُ عليهم ولدانٌ مُخَلَّدون .
قيلَ : مُقَرَّطونَ بالخِلَدةِ.
الخِلَدة ، وهي القِرْطةُ ، وجمعٌها خِلَدٌ .
أنا ، إذاً من أهل الجنّة :
واحدٌ من الولدان المخلّدين !
*
لن يحفظَ قومي قصيدةً مني عن ظَهر قلبٍ .
أعرفُ هذا ...
لكنهم سيتذكّرون جيّداً ، أن هناك شاعراً عراقيّاً ذا قِرطٍ ، هو أنا ، مثلَ ما ظلّوا يتذكّرون مدفعاً نمساويّاً ذا خِزّامةّ !
مدافعُ كثيرةٌ .
شعراء كِثارٌ ...
لكن لا مدفعَ إلاّ أبو خزّامة !
لا شاعرَ إلاّ سعدي يوسف الـمُـخَــلَّـد !
( المخلّدُ هو ذو القِرطِ ! )
لندن 04.09.2011