الشرق الاوسط بين فكي كماشة الارهاب والدول الكبرى!

2016-07-02
عندما تم تغيير النظام في العراق، وانتقل العراق الى مرحلة ما بعد الديكتاتورية التي دامت على ثلاثة عقود ونيف، وتبعت بعد العراق تغيرات جذرية في المنطقة والتي عرفت بالربيع العربي وشمل ذلك التغيير بعض البلدان العربية، ومنها مصر وتونس وليبيا واليمن، فالكثير من مثقفينا وسياسيينا وإعلاميينا وكتابنا وحتى الناس البسطاء كانوا يعتقدون أن الديمقراطية يمكن أن تبدأ أوتوماتيكياً في تلك البلاد بمجرد سقوط تلك الأنظمة الديكتاتورية ولكن بعد مرور اشهرعلى تلك الاحداث تبينت أن الديمقراطية شعارات وتطبيقها محض سراب وخيال في اذهان اهل السياسة، وأن ممارستها في هذا الجزء من العالم ليس بالسهولة التي كان يتصورها البعض قبل حدوث تلك الثورات لأسباب، منها ما يتعلق بتركيبة تلك المجتمعات وتنوعاتها العرقية والوثنية والمذهبية، إضافة الى  السياسية والعقائدية في البلدان العربية .. حيث “لا أحد يهتم بحقوق الإنسان” لأسباب تتعلق بتركيبة المجتمعات ذاتها . وبدلًا من الديمقراطية، ملأ الفراغ كل من سفك الدماء والتعصب . 
أن معظم الأنظمة الدكتاتورية كانت تحكم  شعوبها ومنذ عقود وفق مبدأ ‘فرق تسد’، فكانت تعزز التناقضات العرقية والطائفية والقبلية بين مكونات الشعب واشعال نارالفتن والتناحر فيما بينهما وضربهم ببعض واشغال ابناء الوطن بالخلافات والصراعات لاجل السيطرة والتحكم بهم . لا شك أن تلك الأنظمة لعبت دوراً كبيراً في صنع هذا التشرذم وترسيخه في عقلية الطوائف والمذاهب والقوميات بدل صناعة التكاتف والمحبة ورفع روح المواطنة في قلوب الجميع والتي تعد  من العوامل الاساسية في استقرار البلد وسيادة مبادئ الديمقراطية . 
الساسة الجدد في المنطقة هم من عرقلوا مسيرة تطبيق مبادئ الثورات في الدول العربية المنتفضة ودمروا بلدانهم بسبب مشاكلهم والانشغال بتطبيق المحاصصة المقيتة والمعرقلة لمسيرة شؤون الدولة وبالاخص مسالة الطائفية التي ادت الى تمزيق الأمة الإسلامية وضرب أبنائها بعضهم ببعض .
اليوم، الشرق الاوسط تعصف به الحرب ويرزح تحت نير الاستبداد وتحت وطأة ثالوث الفساد والفقر والهجرة . حيث يعيش أسوأ مراحل حضارته المهددة بالانقراض أو الانفجار وثم التقسيم. ويشهد فقراً وبؤساً لا مثيل لهما منذ عقود .. ولم يخرج احدا من رجال السياسة او من رجال الدين يدعو المسلمين الى العقل ونبذ الصراع بين المذاهب الاسلامية بدلا من ان يشعلون نار الفتنة وينفخون كيرها .  
ان الحرب الدائرة في الشرق الاوسط الان هي حرب طائفية صريحة الخطوط واضحة المعالم, وان شعوب المنطقة تدفع فاتورة صراع مذهبي وطائفي . فمجمل القول هو أن الاسلام اصبح قوة تفكك أكثر من قوة تكاتف، إذ إنه يقوم انشقاقاً حاداً بين المذهبين، الشيعة والسنة وبالاخص بين شيعة وسنة العرب، كلاهما حللا قتل الآخر والتي ولدت أحقاد وكراهيات بينهما ورغم انهم يجمعهم رب واحد ودين واحد وقبلة واحدة، ؛ وستبقى الأحقاد موروثة إلى يوم يبعثون؛ وهذا واقع لا يستطيع أحدٌ التهرب منه وتحويره . 
وهذا الصراع الطائفي هو غالباً "مؤامرة" على الشعوب لتضعيف شعورهم الوطني، لرسم حدود أنظمة جديدة على اساس طائفي ومذهبي وعنصري، تحل محل الحدود السابقة التي رسمتها بريطانيا وفرنسا قبل مائة سنة والمعروف باسم (سايكس بيكو) لمصالح الدول الكبرى التي سيطرعليها الطمع والجشع في الاستثمار السعودي والخليجي والعراقي والدول الاخرى في الشرق الاوسط . هذه الحرب التي يدفع ثمنها الأطفال والنساء تزيد ارباح العالم من تجارة السلاح اضعافا مضاعفة. وتضعيف خزائة الدول العربية وبعض الدول الاسلامية وبالاخص إيران وترهق كاهلها .    
بسبب هذه الصراعات والنزاعات بين الطوائف والقوميات، يرتفع وينتشر بشكل غير معهود الارهاب في مناطق كثيرة من الدول العربية وبالتحديد في سوريا واليمن وثم العراق مقابل ارتفاع مؤشر االنازحين الذي تنخفض فيه مؤشرات حقوق الانسان وتزداد فيه الكوارث البيئية والإنسانية ". 
أظهرت أن الانسانية ما زالت بعيدة المنال كثيراً في هذه الدول لأسباب تتعلق بتركيبة المجتمعات ذاتها من الناحية السياسية والعقائدية. وما يتعلق بمجتمعات قبلية وعشائرية وطائفية ومذهبية وميتافيزيقية. لذلك فرضت الحرب على سكانها. خيارين، الموت قتلاً بالخوف والرصاص أو الموت غرقاً في البحار .. والنهاية في الخيارين واحدة وهي : الموت!! 
وغدت الشعوب المنطقة أسيرة لعمليات الكر والفر الميدانية. وما هو السباق الدموي والهمجي بين المنظمات الارهابية وبين العسكرات الدكتاتورية الذي أدى الى تمزيق البلد وعيشه تحت رحمة الميليشيات المسلحة والفوضى، وثم أدى الى سقوط اكبر عدد سكاني في المنطقة، وهروب العوائل الى خارج البلاد وسقوطهم من قوارب الموت في البحر المتوسط ليكونوا طعماً للحيتان والاسماك، او اللجوء الى المخيمات التي تفتقد لأبسط أسس الحياة الإنسانية ولا تقل قسوة عن حياة المتبقين في بلادهم .  
نستطيع ان نقول !!! هذه الصراعات والنزاعات بين قيادات سياسية انتقلت الى الحروب الاهلية وهي الأخطر والأسوأ من الحروب الخارجية.. وقد تسبب في قتل وجرح ( يصل الى حد الإعاقة ) لنحو مليون انساناً وأكثر وتدمير ممتلكات الناس وقطع مصادر عيشهم واستباحة اعراضهم، حيث دفعت الكثيري من العوائل الى الهجرة وترك مدنهم واملاكهم ووظائفهم والتشتت في دول اوربية، والكثير يموتون غرقى على شواطئ الدنيا وهم فارّون خوفاً من الموت .  
اليوم تطورت هذه التداعيات ووصلت مرحلة خطيرة عكستها تلك التدخلات الخارجية من قبل الدول الكبرى والدول الإقليمية في شأن بعض الدول العربية وعلى أساس طائفي وتعاملهم المزدوج مع الإرهاب، ودعمهم للميليشيات الطائفية لصب الزيت على النار. الذي يفتك بشعوب المنطقة، أي أنهم يحاربون بعض "الإرهابيين" ويستخدمون البعض الآخر لمصالحهم . 
إن تواطيء الدول الكبرى والاقليمية مع المنظمات الارهابية حيث سُمح للكثير من المتطرفين الاسلاميين في دولهم العبور عبر المطارات الرئيسية وبوثائق سفر رَسمية الى تركيا وثم العبور الى داخل العراق وسوريا والألتحاق بتلك المنظمات ، ويتم إدخالهم الى معسكرات تدريبية ضمن ستراتيجية مخابراتية مُعلنة تهدف لتحويل بلداننا لمكبّات لنفاياتهم الارهابية. 
طبعاً لم يكن ممكناً وصول عشرات الألوف من الإرهابيين الأجانب إلى الشرق الاوسط من مناطق شتى في كل انحاء العالم والانضمام الى التنظيمات الارهابية بدون دعم وتمول بالمال والسلاح من الدول الاقليمية وبمباركة الدول الكبرى، وتوفير لوجستي دولي من بعض دول المنطقة ومع توفير الارضية الجغرافية لهم.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved