الشيوعيّ الأخير يذهب إلى البصرة

2018-10-14
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/4f772a53-2be5-4670-b0bf-d3af0c487b53.jpeg
وقالتْ له : أســرَفْتَ 
كلُّ مدينةٍ حللْتَ بها أغفَلْتَ عن أهلِها الفكرةْ
كأنّ مَدارَ الكوكبِ اختَلَّ سَــيرُهُ
فلم يَبْقَ من ذاكَ الـمَدارِ ســوى البصرةْ
*
ولكنني فكّرتُ ...
إنّ صديقتي تقولُ صواباً ؛ كيفَ أنسى ديارَها ، حديقتَها ، والشُّرْفةَ ؟
الصيفُ أرسلَ الرسائلَ . والكرسـيُّ ما زال يقصدُ البِيانو . الفتى
الهنديُّ يُلقي سلامَهُ ســريعاً ، وأعلى دوحةِ السَّـرْوِ حَطَّ طائرٌ
عجيبٌ . أ مِن فردوسِ " لِيزا " أُســافرُ ؟
*
تعلّمتُ أن أحكي ، فلستُ مُـكَـتِّـماً  هواجسَ ليلي الأربعينَ :
أنامُ في جناحَي غُرابٍ . والسعالي ضجيعتي. ومن دميَ المسفوحِ لَونُ
الحوائطِ ... انتهَيتُ إلى أن أرضعَ التّيسَ . أن أرى تماسيحَ من قارٍ تُغَنّي
وأن أرى خيولاً عليها من عيونٍ حوافرُ ...
*
وتسألُني " لِيزا " وقد أطبَقَ الدُّجى : سمعتُكَ تهذي ...
كنتُ أحسَبُ أنني أهيمُ بِوادي الجِـنِّ ! هل كنتُ نائماً بِوادي الذئابِ ؟
الليلَ تَخْتَضُّ ... ناضحاً شفيفَ دمٍ  ... مستنفَدَ الصوتِ .
ربّما ستفعلُ شيئاً في الغَداةِ. كأنني أراكَ إلى حيثُ انتويتَ تغادِرُ ...
*
القصةُ ، وما فيها ، يا أصحابي ، ويا رفاقي ( لا أدري إنْ كنتم لا تزالون
تستعملون كلمةَ " رفيق " ... لا يَهمُّ ) أن الشيوعيّ الأخير ، ذهبَ
قاصداً البصرةَ ، بعدَ أن ودَّعَ حبيبتَه " لِيزا " التي أوصَتْهُ  بألاّ يدخلَ البصرةَ
بعدَ طولِ غيابٍ ، إلاّ تحتَ الرايةِ الحمراءِ.
*
في البصرةِ راياتٌ سُــود
في البصرةِ راياتٌ بِيض
في البصرةِ راياتٌ من نخلٍ ذي أعجازٍ خاويةٍ ...
لكنّ في البصرةِ ، أيضاً ، وبلا كلامٍ  ( أرجوكم ! ) : راياتُ الملِكةِ
أعلى من كلِّ الرايات !
( المقصودُ بالملكةِ هنا : إليزابَث الثانية ( الأولى كانت تُمَـوِّلُ القرصانَ
فرانسِسْ دْرَيك في القرن السادس عشــر  ، الميلادي طبعاً ) وإليزابَث
الثانيةُ هي ملكةُ انجلترة والبصرةِ وما جاورَها ، في القرنِ الحادي والعشرين )
*
وها هيَ ، ذي ، إذاً ...
أسطورةُ الراياتِ تتْبَعُ فُوَّهاتٍ من بنادقِ أهلِها !
لكنني ، وأنا الشيوعيّ الأخير ، أظلُّ أحملُ رايتي الحمراءِ ...
هل ضاعتْ بنادقُنا ؟
نسِيناها ؟
اتَّـخَــذْنا غيرَها ؟
أمْ أننا ضِعْنا وقد ضاعتْ بنادقُنا ؟
سلاماً للنصيرةِ !
للنصيرِ !
لِـفِـتْـيَــةٍ رفعوا على القُـنَـنِ الغريبةِ والروابي ، الرايةَ الحمراءَ
سوفَ نعودُ للقِمَمِ!
الصباحُ الـجَهْمُ  يُطْلِقُ  بـوقَــنــا :
بوقُ القيامةِ نحنُ ...
أحراراً
شيوعيّينَ
نرفعُ رايةً مَـرْوِيّــةً بدمٍ وأوحالٍ
وندخلُ أرضَــنا ...
........................
........................
........................
سنكونُ أجملَ من نهايتِــنــا ...

لندن  25.05 .2006


سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved