وقالتْ له : أســرَفْتَ
كلُّ مدينةٍ حللْتَ بها أغفَلْتَ عن أهلِها الفكرةْ
كأنّ مَدارَ الكوكبِ اختَلَّ سَــيرُهُ
فلم يَبْقَ من ذاكَ الـمَدارِ ســوى البصرةْ
*
ولكنني فكّرتُ ...
إنّ صديقتي تقولُ صواباً ؛ كيفَ أنسى ديارَها ، حديقتَها ، والشُّرْفةَ ؟
الصيفُ أرسلَ الرسائلَ . والكرسـيُّ ما زال يقصدُ البِيانو . الفتى
الهنديُّ يُلقي سلامَهُ ســريعاً ، وأعلى دوحةِ السَّـرْوِ حَطَّ طائرٌ
عجيبٌ . أ مِن فردوسِ " لِيزا " أُســافرُ ؟
*
تعلّمتُ أن أحكي ، فلستُ مُـكَـتِّـماً هواجسَ ليلي الأربعينَ :
أنامُ في جناحَي غُرابٍ . والسعالي ضجيعتي. ومن دميَ المسفوحِ لَونُ
الحوائطِ ... انتهَيتُ إلى أن أرضعَ التّيسَ . أن أرى تماسيحَ من قارٍ تُغَنّي
وأن أرى خيولاً عليها من عيونٍ حوافرُ ...
*
وتسألُني " لِيزا " وقد أطبَقَ الدُّجى : سمعتُكَ تهذي ...
كنتُ أحسَبُ أنني أهيمُ بِوادي الجِـنِّ ! هل كنتُ نائماً بِوادي الذئابِ ؟
الليلَ تَخْتَضُّ ... ناضحاً شفيفَ دمٍ ... مستنفَدَ الصوتِ .
ربّما ستفعلُ شيئاً في الغَداةِ. كأنني أراكَ إلى حيثُ انتويتَ تغادِرُ ...
*
القصةُ ، وما فيها ، يا أصحابي ، ويا رفاقي ( لا أدري إنْ كنتم لا تزالون
تستعملون كلمةَ " رفيق " ... لا يَهمُّ ) أن الشيوعيّ الأخير ، ذهبَ
قاصداً البصرةَ ، بعدَ أن ودَّعَ حبيبتَه " لِيزا " التي أوصَتْهُ بألاّ يدخلَ البصرةَ
بعدَ طولِ غيابٍ ، إلاّ تحتَ الرايةِ الحمراءِ.
*
في البصرةِ راياتٌ سُــود
في البصرةِ راياتٌ بِيض
في البصرةِ راياتٌ من نخلٍ ذي أعجازٍ خاويةٍ ...
لكنّ في البصرةِ ، أيضاً ، وبلا كلامٍ ( أرجوكم ! ) : راياتُ الملِكةِ
أعلى من كلِّ الرايات !
( المقصودُ بالملكةِ هنا : إليزابَث الثانية ( الأولى كانت تُمَـوِّلُ القرصانَ
فرانسِسْ دْرَيك في القرن السادس عشــر ، الميلادي طبعاً ) وإليزابَث
الثانيةُ هي ملكةُ انجلترة والبصرةِ وما جاورَها ، في القرنِ الحادي والعشرين )
*
وها هيَ ، ذي ، إذاً ...
أسطورةُ الراياتِ تتْبَعُ فُوَّهاتٍ من بنادقِ أهلِها !
لكنني ، وأنا الشيوعيّ الأخير ، أظلُّ أحملُ رايتي الحمراءِ ...
هل ضاعتْ بنادقُنا ؟
نسِيناها ؟
اتَّـخَــذْنا غيرَها ؟
أمْ أننا ضِعْنا وقد ضاعتْ بنادقُنا ؟
سلاماً للنصيرةِ !
للنصيرِ !
لِـفِـتْـيَــةٍ رفعوا على القُـنَـنِ الغريبةِ والروابي ، الرايةَ الحمراءَ
سوفَ نعودُ للقِمَمِ!
الصباحُ الـجَهْمُ يُطْلِقُ بـوقَــنــا :
بوقُ القيامةِ نحنُ ...
أحراراً
شيوعيّينَ
نرفعُ رايةً مَـرْوِيّــةً بدمٍ وأوحالٍ
وندخلُ أرضَــنا ...
........................
........................
........................
سنكونُ أجملَ من نهايتِــنــا ...
لندن 25.05 .2006