الساموراي : روايةُ تاريخٍ أم روايةُ سِيرةٍ ؟

2017-09-17

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/f3b6ad27-6455-4df2-b687-139c02581f80.jpeg
 الرواية اليابانية، في القرن العشرين بخاصّة، حظِيَتْ بمكانة رفيعة في بانوراما الرواية في العالَم .
  Yasunari Kawabataياسوناري كاواباتا، فاز بجائزة نوبل في الأدب، العامَ 1968.
Kenzaburo OE كنزابورو أوي، فاز أيضاً بجائزة نوبل في الأدب ، العامَ 1994
( قد كنتُ نقلتُ إلى العربية روايته الشهيرة " الصرخة الصامتة " )
لكني اليوم، أودّ الحديث عن رواية يابانية ذات أهمية معيّنة، تتعلّق بتصنيف العمل الروائيّ .
الرواية تحمل عنوان " الساموراي "، وقد صدرتْ طبعتُها الأولى باللغة الإنجليزية في العام 1982، وقال جراهام غرين عن كاتبِها في حينه : "في رأيي أن أندو  هو من أرفع الروائيّين الأحياء " .
شوساكو أندو وُلِد في العام 1923، وتوفِّي في العام 1996 .
بعد طلاق والدَيه، اعتنقت أمُّه، وأندو معها ، الكاثوليكية . تخرّج في الأدب الفرنسي من جامعة كَيو اليابانية، ثم  أمضى سنين عدّةً يدرس في جامعة ليون، بمنحة دراسيّة من الحكومة الفرنسية .
الاهتمام الغربيّ بأندو، متأتٍّ من صراع الحضارات الذي يرصده الروائيّ اليابانيّ بدقّةٍ وفنّيّةٍ عاليتَين، إلى جانب القيمة  الفنّيّة السامية لإبداعه الروائي .
*
اليابان في أوائل القرن السابع عشر .
في العام 1613 تحديداً :
أبحرت السفينةُ من تسوكينورا، المرفأ الصغير في شبه جزيرة أوجيكا . في اليوم الخامس من الشهر الخامس . اليابانيّون سمَّوا السفينةَ الكبيرةَ  موتسو مارو،  أمّا البحّارةُ الإسبان فقد سمّوها القدّيس يوحنا المعمدان .
San Juan Baptista
السفينةُ التي بُنِيَتْ على غرار سفينةٍ إسبانيّة  كانت جنحتْ على شاطيءٍ يابانيّ، وهي متّجهة إلى الفلبين، كانت تريد أن تبلغ  إسبانيا الجديدة  أي المكسيك، لتحقِّقَ هدفَين : التجارة، وإيصال رسالة إلى ملك إسبانيا .
*
اللورد شيرايشي هو متعهد مشروع السفينة، الأولى التي ستبلغ المكسيك .
الساموراي روكوَيمون سيكون مبعوث شيرايشي، المؤتمَن على رسائله، والموكَّل بإيصالها إلى الملك  الإسباني  دون كارلوس  Don Carlos في مدريد، وإلى البابا  بولص الخامس Paul V  في الفاتيكان .
هل اليابانيّون سيكونون بُناةَ السفينة ؟ هكذا تساءل الراهب فيلاسكو الذي سيكون مترجِمَ الرحلة التاريخية .
في السنة الفائتة، واجهت السفينة التي كانت تُقِلّ المبعوثَ الإسباني من مانيلا،  عاصفةً  عند قلعة إيدو، فجنحتْ هناك، ولم يكن إصلاحُها ممكناً . لكن بحّارتَها الإسبان ما زالوا هناك، وبالإمكان استخدامُهم في بناء سفينةٍ يابانية قادرة على قطع المحيط، وبلوغ إسبانيا الجديدة، سفينةٍ ضخمةٍ، ليست كالسفن اليابانية الصغيرة .
*
ليس بمقدوري سردُ الرحلة العجيبة بكامل تفاصيلِها، فالمجال المتاح لي، ضيِّقٌ، هنا . لكني أقول في عجالة إن السفينة بلغت منتهاها، في المكسيك . ثم انتقل المبعوثون اليابانيون إلى إيطاليا ليحظوا باستقبال بابا الفاتيكان، ثم إلى إسبانيا ليحظوا بلقاء الملك دون كارلوس، ومباركتِه .
لكن الثمن الذي دفعوه كان فادحاً :
فقد اضطرّوا إلى التخلي عن ديانتهم البوذيّة، واعتناق النصرانية، طمَعاً في الربح، وتسهيلاً للعلائق .
الراهب فيلاسكو يؤدِّي الدورَ كاملاً هنا .
*
 بعد الرحلة الأسطورية التي امتدّتْ سنينَ ...
عاد المبعوثون اليابانيون، يقودهم الساموراي، إلى اليابان، ليجدوا  أن العالَم الذي غادروه يوماًما، قد تغيَرَ تماماً :
اللورد شيرايشي الذي نفّذَ مشروعَ السفينة والرحلة الأسطوريّتين، فقدَ منزلتَه، وأملاكه. وحُرِّمَت الديانة النصرانية تحريماً كاملاً، وجرى إحراقُ مَن لم يَنْجُ بنفسه هارباً .
أمّا التجّار والمبعوثون الذين عادوا من الرحلة، وقد اعتنقوا النصرانيةَ طمَعاً، فقد كانت مصائرهم رهيبةً .
حتى الساموراي الذي وقّعَ على ورقةٍ يقول فيها إنه تخلّى عن النصرانية، وعاد إلى دين أجداده، حتى هذا، قُتِلَ .
*
شوساكو أندو، بين البوذية والنصرانية، يماثل الساموراي، في محنته .
البحر والسفر يحملانِ ضرباتِ ريشة المؤلف .
وفي اليابان الحديثة، لا يزال القرن السابع عشر، فعّالاً، عميقَ الأغوار .
تورنتو 27.05.2017



سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved