الخداع ميزة قائمة مذ خُلَق الإنسان، وفي عهدنا غُذيَ الخداع منظماً مستحدثاً بالتقنلوجيات العالية والطبعات البراقة في الصحف والمجلات والطربزة، ولمؤسسات التمويه واللعب على العقول قبل الذقون محامي يتقاضى الواحد منهم مليون أو أكثر، للدفاع عما يدعونه في نشرياتهم الموضوعة في كلمات كلها بريق ولمعان فيركض خلفها الناس بعضهم عن جهل بمعنى الطب وتفرعاته الكبيرة، لايعرفها الا من امتهنوا الطب وهم الذين يمرون بعمليات قاسية حتى يصل الطبيب أعلى درجات التخصص في الطب.
ان الطبيب العام على رغم سعة معرفته بالطب فانه يرسل مريضه الى الطبيب المتخصص، اما التخصصات الطبية فحدث عنها ولاحرج فهي دقيقة وعميقة اليوم. تصوروا الامر ان النساء او الرجال يعالجون انفسهم بانفسم وهي اخطر عملية يقومون بها وهم ليس لهم عهد بالطب ولايعرفون من الطب شيئا فيعالجون انفسهم بالطب البديل وكأن الامر سهل سهولة اكل البطيخ، وهم لايعلمون انه قد يحتاج الامر الى ارسالهم الى مسارق الجسم المتقنق للكشف عما في دواخلهم شريحة شريحة يقرأها بعدئذ طبيب متخصص.
يذكرني هذا بواقعة حدثت لي في وقتٍ سابق، فعندما كنت اعمل في ملحق (طب وعلوم) في جريدة الجمهورية، دعاني رئيس التحرير المهبول سامي مهدي وكان آنذاك يعتلى عرش رئاسة التحرير، وكان معتدا بنفسه ينظم شعرا يقول فيه (جاء القطار، راح القطار، عاط القطار) وهذا تقليد مني لما كان يلوكه من شعر. سعيت له وهو في صومعته بعد ان أذن لى الفراش، فدخلت عليه وكان على( القنفتين ) الأريكتين المقابلتين له شخصان واحد كما كان يبدو صديقه الذي يدخل علية بلا إذن، في وقت ان سامي افندي لم اقابله الا مرتين اوثلاث، اما الشخص الآخر فهو مدعي اكتشافا طبيا، جلست فقال لى اسمع الى مايقوله هذا. وروي هذا العبقري بانه اكتشف علاجا لمرض السكر فقلت في نفسي لابد ان هذا من المأخوذين اذ يتشارك مع (بانتك) الكندي الذي اكتشف علاج الطب بحقن الانسولين فحصل على جائزة نوبل، فسألته:
كيف عرفت انك مصاب بمرض السكر؟
قال:
(انا عالجت نفسي)
فقلت في نفسي لعله جاءنا بفكرة باهرة في الطب لم يلتفت لها الاطباء الاغبياء، ثم اضاف يقول :
(اكلت الجت) وهو علف البقر
فسالته:
كيف شخصت انك مصاب بداء السكر ؟
أجابني بلهجة تأكيدية قائلا:
(انا اعرف نفسي) فقلت للجالس على الكرسي الوثير:
انا خارج الآن وجوابي هو ان الطبيب الذي يدرس لست سنوات يتعرف فيها على الجسم في حالانه الطبيعية ثم يقضي سنتين يدرس فيها ليعرف كيف يعمل الجسم في حالات المرض والعلل ثم يرسل المرضى الى المختبر ليرى ان كانوا مصابين بالسكر اولا، وصاحبنا اعزه الله يشخص مرضه بنفسة ثم يعالج نفسه بنفسه ثم خرجت.
العتب ليس على هذا الرجل المدعي الطب ولكن العتب كل العتب على ذاك الحمار المسمى سامي مهدي.
اقول لكم الحق ان عصرنا غير عهد جداتنا، فقبل اكثر من ستين عاما كانت جدتى رحمها الله حين كنا في البصرة تضع عباءتها على رأسها ذاهبة الى العطار القريب من بيتنا في سوقٍ صغيرة مسقفة ( بالتنك ) أي بالصفيح، وكأنها (مول) ذاك الزمان، وكان هذا المول يضم بقالا وفرانا و( تنكجيا ) وندافا وكان العطار رجلا عجوزا من العجم يعتبر آنذاك ثقة في مهنته يعرف ما عنده من اعشاب دون قراءة، كانت جدتي تبتاع منه (العشبة والجوبيجيني) والاخير بالفارسية يعني خشب الصين، ثم تعود محملة بخشب الصين ثم تنقعهما بالماء وتضعه على( تيغة السطح ) سياج السطح، ليلة واحدة ثم تشربه وكان ذلك علاجها الذي ورثته عن ابن سينا الذي وضع الطب في ألفية شعرا، كما وضعت اللغة العربية في (ألفية ابن مالك).
اما الفية ابن سينا التي تبدأ بـ (هبطت اليك من السماء الارفع عذراء ذات تمنع وتفجع) وفي كل بيت من ابياتها يعالج مرضا او نصيحة كيف تختار المرضع مثلا (لحيمة ليس بها من رهل) حتى يقول (وغذها بالحلو والسمين والسمك الرطب مع الدهين). كان هذا حال الطب قبل عشرة قرون، ولازال الكثير من الناس يثقون بالاعشاب وكأن الطب الحديث ليس الا خداع كما عرفته من امرأة ايرانية مهندسة تعمل الان منظفة في (الايتن سنتر) وهو مول في تورنتو، وليس هذا فحسب فان الكثير من كليات الطب في ايران والباكستان تدّرس طب الاعشاب وألفية ابن سينا. الحق اقول لكم انني لا انكر دور الطب القديم في العصر العباسي، فقد كان أعلى ما توصل له الطب في ذلك العصر الذهبي الذي ترجم الى الاوربيين ثم حدثت النهضات الطبية والعلمية والفلسفية ثم جاءت معاهد البحوث الغربية ولاتزال بالطفرات المذهلة . ومرورا بالطب البديل فانه مستعمر العالم الآن، تديره امبراطوريات في كندا والعالم وخاصة الصين التي ترسل اعشابها وفيتاميناتها وغيرها من البدع اللاطبية ليباع بعضها بخمسين دولار يدفعها انصار الطب البديل بانشراح رغم ان التجار يشترونها باسعار بخسة.
انها مهنة وتجارة اغلب مافيها خداع ولعب على الذقون بكلمات معسلة وعبارات اخاذة وجمل منتقاة وايماءات سحرية لتدفع البسطاء الى الايمان بالمادة.
وفي تورونتو مجلة شهرية يعلو صفحتها الاولى الملونة اسم (الحيوية) وعبارة (مجلة العافية)، تحتوي مقالات عديدة مثيرة جذابة واحدة منها عن الرازبري الاحمر وهو ثمرة تشبه التوت يضعها كاتبها حليفة لطب الاعشاب وكانها اكسيرا للحياة فهي تقوي ضربات القلب و(مقوية لنظام المرأة التناسلي) وهي مفيدة في حالات عدم انتظام الدورة الشهرية وتدلى الرحم ونزيف الرحم وأشياء كثيرة اخرى حتى ُوضع الرازبيري تحت عبارة (طب الرازبري)، انه مقال يوجه لاناس مهووسين او بسطاء ولم يبق من الكاتب النجيب الا ان يصيح (ايها الرجال العرجان في عمليات القيام بالمهمات الرجالية قائلا لهم انه الفياغرة.
هناك تعبير يسمونه (الهوليست) وهو تعبير يسخرونه لاحداث الهوس، يتاجرون به بشكل بشع يراد به اللعب على الذقون وادخال الفكرة في اذهان المأخوذين بكلمات براقة غير صحيحة. (الهوليستك) تعبير يعني الطب البديل، بل اكثر وهي مفردة يونانية تعني الجسم في جانبيه الدماغ والروح وان الثلاثة متلازمين ومتوازنين والبعض يرون في الطب الهولستي فلسفة تشكل مدلولات عريضة بالاظافة الى مايسمى بالطب البديل فالهوليستك يظم العلاج بالابر وعلاجات هندية اخرى كاليورفيدا واليسدي والطب الطبيعي والتدليك والتي جي الصينية والطب العشبي وغيرها. واغلبها آتية من الهند والصين وطب ابن سينا القديم الذي مايزال قائما في كثير من عقول الناس في الباكستان وايران وغيرها من الاقطار. وطب الاعشاب في حقيقته قد عفى عليه الزمن. هناك مؤسسات وتجار ومحترفون يقومون بمؤتمرات ومعارض لمنتجاتهم في كالفورنيا مثلا ينشرونها في الصحف، يقومون بها بحجج لايقبلها العصر والطب فمثلا يقولون ان الطب البديل ليس جديدا بل كان قائما منذ آلاف السنين وهذه حجة واهية.
وفي المجلة (الحيوية) آنفة الذكر اعلانات ما بعدها اعلانات، منها اعلانات لمعاهد تخرج اطباء الطب البديل، لممارسة التطبيب بالاعشاب وبعضهم ككتاب التعاويذ، التي كنت اشاهدها في طريقي الى مدرسة المربد الابتدائية في البصرة، يوم كنت صبيا حيث كانت النساء الملتفات بالعبائات يجلسن امام صندوق الملا ليكتب لهن الادعية او يعطيهن بخورا لكي يبخرن ازواجهن المصابون بالهوى في اخريات.
الذي اصابني بالصعقة عنوان قرأته في (شبكة الكترونية) عراقية حرة في (عنوان اكتشافات طبية في النجف) ما معناه ان طبيبا يعالج بعصير الليمون وغير ذلك امراضا جارية، والطبيب اعزه الله لاندري من اين تخرج ؟
وفي المجلة ايضا اعلانا يقول (امر خفي من الفجرالذهبي). الارتباط بينك و بين دماغك اللامحدود. ان مدرارس الغموض التاريخية توفر لكم الشروع بالانتفال من اسفل الجبل الى قمته.اننا معرضون لقوى الطبيعة واذا كنا في القمة فاننا اسياد هذه القوى) واشياء اخرى يورد فيها الغموض والسحر واللعب على الذقون كـ (سحر الضوء يؤدي الى السيطرة على انفسنا ويضعنا في قمة الجبل) تصوروا هذا، انها كلمات فتاحي فال لا اطباء بدلاء او بلداء. ولاكثر من ذلك ان هؤلاء المدعين يستخدمون كلمات خادعة كقولهم (طبيعي) والذي ينبغي ذكره ان عهود المواد الطبيعية كالاعشاب قد ولى وان اكثر الادوية الآن من كيمياويات واخرى حياتية معقدة . النصيحة الاخيرة لكم هي لا تثقوا باية كلمة ينطقها هؤلاء الدجالون، انه دجل شركات تنتج هذه الطلسمات في صناعة سنوية تقدر بالبلايين وباكثر مما تجنيه الشركات المنتجة للادوية الطبية الصحيحة. وهي ايضا دجل الشركات البائعة والمعلنة والمجلات الخاصة بالطب البدبل ووسائل الاعلان التي لايهمها غير جني الارباح حتى وان كان كفرا. وهي دجل ممن يسمون انفسهم بالاطباء البدلاء وهم لا يصلحون اكثر من العمل في حمامات التدليك العامة.
وينبغي القول انكم تستطيعون شراء الفيتامينات من هذه المنتجات ولكن لا تغرنكم العبارات الذهبية البراقة عليها فان لاخذ الفيتامينات حدود وهذا امر سناتيه مستقبلا. والنصيحة التي استطيع قولها لكم هو اعتمدوا الطبيب المؤهل وليس طب الدجل والدجالين.