التفريغ الإنفعالي هو التعبير عن الأفكار والأسرار والمشاعر والوجدانيات، وثمة ميكانيزم آخر هو العدوى الانفعالية التي تعمل بصورة مشابهة، أي أن التعبير الانفعالي من قبل عضو، قد يستثير الوعي بحالة انفعالية مشابهة لدى الآخر .
ويسهم التفريغ الإنفعالي في التخفيف عن مشاعر الذنب والقلق من خلال البوح بها، ومن ثَمَّ يَمد بمعلومات هامة عن أفكار وأخيلة ومشكلات المكبوت، كما أنه يستثير في الآخرين تداعيات قد تنتقل إلى دائرة الوعي من مواد لا شعورية مكبوتة .
حياة تفرض كبت الأحاسيس
تلعب الانفعالات دوراً هاماً في صحتنا النفسية والجسدية، ويشير مصطلح التكتم alexithymia إلى العجز عن إدراك الانفعالات وتمييزها عن الإحاسيس الجسدية أو التعبير عنها بواسطة اللغة .
والتفريغ الإنفعالي هو التخلص من الطاقات السلبية الموجودة لدى الفرد، وضبط الضغوط والتعامل معها بأسلوب إيجابي، والتغلب على الصراعات المحبطة .
إن انسان عصرنا الحالي يتعرض إلى كمِ هائلٍ من الإحباطات والضغوط، والتي تبدأ منذ نشاته الأُولى، حيث تدعو كثير من القيم المنتشرة في المجتمعات -وخاصة مجتمعنا العربي- إلى كبت الانفعالات وعدم الإفصاح عنها، وذلك للعديد من الاعتبارات التي يجدونها ضرورية لاستقامة الحياة، بالحصول على تقبل المجتمع .
لذا فظروف الحياة التي يعيشها الفرد، والتي تَفْرض عليه العديد من الضغوط، يترتب عليها، بل يُلزم التعبير عنها بصورة صحية، قبل أن تُكْبَت وتتحول إلى أمراض نفسية شتّى .. فكتمان الانفعالات النفسية يؤدي إلى العديد من الأمراض والاضطرابات النفسية التي تزيد الأمر سوءاً، ولا تجعل الحالة السلبية تمر بسلام . فالأفراد الذين لا يجيدون التعبير عن انفعالاتهم كالحزن مثلاً، سيحملون الشعور بالحزن طوال حياتهم ولا يستطيعون الخروج منه أبداً، وذلك لأن التفريغ الآمن للمشاعر شرط أساسي لعبورها .
يولد الإنسان بتعابير انفعالية سليمة، ولنا أن نتأمل ملامح الطفل حين يفرح، ملامح الطفل حين يغضب، وملامح الطفل المشتاق، الجائع، المتألم... فهو يعبر عن انفعالاته بكل حرية، وبأي طريقة يراها، وفي الوقت الذي يريد، لذا، فالسلوك المغاير يتم اكتسابه من الوالدين أولاً، حيث يقومان بتزويده بالقيم المختلفة التي تدعوه إلى تشكيل التعبير الانفعالي المقبول، فمثلاً، كثيراً ما نسمع عبارة ـ لا تبكِ أنت رجل، العبارة التي لا تنتسب للطبيعة الإنسانية، فللرجل حق التعبير عمّا يؤلمه بالبكاًء، إذا تطلب الأمر، و(كطبيعة إنسانية) لا يوجد ما يمنع الرجال من البكاء . وبحكم العادات والتّقاليد والموروثات تتربى المرأة على قمع رغبتها في الكلام، في الضحك، في البكاء، وفي التعبير عما بداخلها بشكل عام، لأن ذلك يدخل في دائرة العيب وغير المستحب، وبذا فإنها تجبر على أن تخالف طبيعتها الفطرية، وتُجبر على كبت انفعالاتَها وعدم إظهار ردود أفعالَها، وبالتالي تُتَرجَم هذه الضغوط وهذه المكبوتات إلى تصرفات مَرَضية وغير سوية .
والكثير من مشاعر عدم الإنسجام بين الأزواج ناتج عن عدم التعبيرعن انفعالاتهم بحرية، أوبشكل حقيقي، فهنالك مشاعر غضب لم يتم التعبيرعنها، هنالك مشاعر شوق لم يتم التعبير عنها، هنالك مشاعر حب لم يتم التعبير عنها، وهكذا تُفْرَز معوّقات لفهم الآخر . أو أن الطرف الآخر يهمل مشاعر رفيقه، ولا يهتم بها، والحقيقة على الأغلب، أنه لم يظهر مشاعره كما يجب، فهو يحمل مشاعر وانفعالات معينة، ولكن إما أنه يظهرها بشكل سلبي، أو أنه لا يظهرها أصلاً لاعتبارات وأفكار اًكتسبها من بيئته والتي مفادها أن لا يليق إظهار المشاعر كما هي .
وتفريغ الإنفعالات يجب أن تكون له قنوات صحية، وإلّا فقد تخرج بأشكال غير صحية، فقد يلجأ الانسان غير القادر على التعبير عن انفعالاته إلى الانعزال والوحدة، اعتقاداً منه بأنه لا يجيد التواصل مع المجتمع الذي يعيش فيه، لأنه لا يجيد التعبير عن نفسه، ولا يجيد التعبير عن انفعالاته . وليس من أحد يهتم بمشاعرِِه، وللعزلة آثار سلبية كبيرة على الإنسان وأسرته، فقد يؤدي إلى قطع العلاقات بينه وبين الأشخاص الطبيعيين، ويتجه بعلاقاته إلى الخيال أو إلى الألعاب الالكترونية فيقضي معها معظم وقته، وهذا ليأسه من تبادل المشاعر الطبيعية مع أفراد أسرته المتواجد معها .
أو قد يحدث أن يتجه الإنسان غير المعبرعن انفعالاته بشكل صحي، إلى الإدمان، للهروب من المشاعر السلبية الناتجة عن كبت تلك الانفعالات، وعدم النجاح في التعبير عنها . فالكثير ممن يتجهون إلى إدمان المخدرات، هم من الأفراد الذين كَبَتوا الكثير من انفعالاتَهم ومشاعرَهم ورغباتَهم وعواطفَهم بشكل قهري، ووجدوا بالمادة المخدرة معادلاً لحالة اليأس والإنعزال التي يعانون منها .
التفريغ الإنفعالي هو تخفيف ضغط الكبت المتراكم، كي لا يحدث انفجار، وكي لا يتصدع وينهار بناء الشخصية، هو إزاحة الحمولة النفسية الانفعالية الزائدة عن كاهل الشخص، والحمولة النفسية الداخلية هي الخبرات النفسية، الأحداث الشخصية، الذكريات، والصراعات اللاشعورية المكبوتة قسراً، والتي لم يكن باستطاعة الفرد التعبير عنها بشكل تلقائي، ولا بد أن تتناسب الحمولة النفسية للشخص مع قوته وطاقته وقدرته على التحمل، وإلّإ ستتحول إلى عبء، يتحول بازدياده إلى أمراض نفسية شتى، ويفيد التنفيس الانفعالي في التخلص من الحمولة النفسية والشحنة الانفعالية الزائدة عن طاقة التحمل، لكن يجب أن يتم ذلك بطرق صحية تساعد بالتخفيف عن كاهل الفرد بشكل ايجابي .
التنفيس بمشاهدة مسرحية
يقول ارسطو : أن محاكاة الفعل المأساوي تثيرعاطفَتيْ الخوف والشفقة، مما يؤدي إلى التطهير من هذين الانفعالين .
من الطرق المهمة في التفريغ الإنفعالي، حضور عرض مسرحي يعرض مواضيع مشابهة للمفردات المكبوتة، حيث أن إثارة بعض العواطف في نفسية المتفرج، تخلصه من مكبوته، ومن ثم يحدث التطهير الذي يجعل الشخص أكثر كفاءة وفاعلية من حيث الصحة النفسية وأقوى من الناحية الانفعالية . إن المأساة تَكْتَشف بالتدريج العقد النفسية الموجودة في الأسطورة، وبذا تعمل عمل العلاج بالتحليل النفسي . إنها تقدم لنا مرآة صارمة تدعونا إلى مراجعة أنفسنا وفحص ضميرنا دون غش أو مجاملة، كما أن للمأساة تأثيرها في تحطيم بعض القيود التي تقهر حريتنا .
تُعدُّ طريقة الكتابة من أكثر الطرق نجاعة لتفريغ حجم الطاقة السلبية، فعندما تترجم ما يعتلج في عقلك وقلبك من أفكار ومشاعر سلبية على الورق، فكأنَّك تتحرر منها وتضعها بحروفٍ على أسطر الورق، الأمر الذي يبني جسر تواصل أكثر صلابة مع ذاتك، ويجعلك أكثر هدوءاً وسعادة وتوازناً .
-التفريغ الانفعالي بالرسم :
يُعد الرسم من بين الأشياء المهمة التي يمكن للفرد التعبير من خلالها عن الأشياء التي قد تَعََرَضََ لها، ويمكن للمُعالِج التعرف على المزيد من المشاكل الخاصة بالمعالََج من خلال الرسم، والتي من الصعب الوصول إليها من خلال الحديث معه .
التنفيس الانفعالي بالتمارين الرياضية
إن أيًا من التمارين البدنية التي يمكن أن يمارسها الشخص، تساعد علي التخلص من الطاقة السلبية، كالتمارين السويدية، أو الفنون القتالية، وتمارين التأمل واليوغا . كلها تساعد الفرد في القضاء على التوتر النفسي والطاقة السلبية، فإن التمارين الرياضية تساعد على تهدئة العقل والجسم . وعلى الفرد أخذ نفس عميق، وإدخال النفس عن طريق الأنف وإخراجه عن طريق الفم، وخلال إخراج النفس ببطء، على الفرد إغماض عينيه .
التنفيس الانفعالي بالاسترخاء
إن الهدف من تمارين الاسترخاء هو تهدئة الجسم والعقل، وهي أساليب سهلة الممارسة وتساعد على تقليص التوتر والضغط، واثبتت الكثير من الأبحاث الآثار المفيدة لممارسة تمارين الاسترخاء بصورة منتظمة، وتشمل هذه الفوائد تخفيض ضغط الدم، زيادة التركيز، زيادة الطاقة، وخلق شعور عام بالاطمئنان وحسن الحال .