وقع خاص ملؤه النغم المفعم بروح الجمال ذاك الذي تنسجه مقطوعات موسيقى فرقة "الثلاثي جبران"، التي نعي في حضرة تقاسيمها، حقيقة سحر اللحن وكنه جاذبيته حين يلامس عمق مشاعرنا، ليجعلنا نعانق وهج أسرار الحياة ولذة التأمل، فنقع معه، دون إبطاء، على خلطة ترياق يشفي غليل أو حتى علة حيرتنا، أمام بوابة الرغبة في اختبار وإدراك حقيقة العشق والجمال. وذلك، طبعاً، من خلال ابجدية الموسيقى التي يرونها دوماً، خير واحة تضج بمفردات العذوبة، وتغتني برقة الإحساس ونبل الفكرة.
سمير ووسام وعدنان، ثلاثة أشقاء من فلسطين (مقيمين في العاصمة الفرنسية باريس)، ولدوا لأب يمثل الجيل الثالث من عائلة جبران التي اشتهرت بتخصصها في صناعة العود. ويحكي الأخوة الثلاثة هؤلاء، في حوارهم مع "مسارات"، عن ملامح البداية وما أعقبها، في الطريق التي يخوضونها، شارحين رؤيتهم حول ماهية المستوى الإبداعي الذي وصلوه، وذلك منذ انطلاقتهم الأولى، حين خرجوا من بيت والدهم في فلسطين، نحو عوالم التجريب والعطاء في مجال الموسيقى، متجهين في كل صوب وحاملين إرادة لا تلين، هدفها وهمها، جعل آلة العود الموسيقية.
والتي جسدت بوصلة دربهم ومنارة تشع في أيديهم، محور وطريق اقتراب، بل تعلق الغربيين بالموسيقى العربية، وبالتالي تغيير نظرتهم غير الايجابية عنها. وهو فعلياً، ما أفلحوا في تحقيقه، فقدموا أرفع النماذج عن الطبيعة الخلاقة والعذبة للموسيقى العربية العاكسة لجوهر الهوية العربية والشرقية، وذلك عبر دفء أوتار العود وقوة تأثير مقطوعاته. كما يؤكدون ان الموسيقى كانت وتبقى بالنسبة لهم، بمثابة "احتلال جميل" يطغى على النفس، فيقصي أياً من المفردات المشوشة، ليجعلنا نسكن ذائقة اللحن، ونعيش ضمن عوالم تضج بالجمال والرقة ونضج الابداع.
نجاح وخصوصية
يرى سمير جبران، وهو الأكبر بين اخوته، في حواره مع "مسارات"، أن الموسيقى نوع من الاحتلال الجميل، بمعنى أن سيطرة الموسيقى وحب النغم، في محيطنا الأسري، كانت قيمة تأثيرية كبيرة في منحى تشكل شخصياتنا كمبدعين، لافتاً إلى أن تجربتهم مع الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، أسهمت في ارتقاء مستوى فنهم، وتجويد مضمون ألحانهم، إلى أبعد الحدود. ويؤكد في هذا السياق، أن درويش يمثل الأب الروحي بالنسبة له ولأخوته.
ويضيف :" إن نجاح تجربتنا في عوالم الموسيقى الشرقية، باستخدام العزف على العود بشكل خاص، قادنا إلى تلحين العديد من الأفلام الفرنسية، وحتى العربية، التي حصدت عدة جوائز.. ولم أحاول، أنا أو اخواتي، الدمج بين الموسيقى العربية والغربية، بأي شكل من الأشكال".
تجربة العزف على أكثر من عودين اثنين، ليست بجديدة في عوالم الموسيقى العربية، إذ سبق وأن قدمها الموسيقار مارسيل خليفة مع شربل روحانا في ألبوم "جدل"، فما سر أو خصوصية نجاح تجربتكم في هذا الصدد؟
أعتقد أن جوهر خصوصية نجاحنا، يكمن في طريقتنا في التلحين، والتي تختلف عن طريقة المبدعين: الموسيقار مارسيل خليفة وشربل روحانا في "جدل"، والتي اعتمدت على استخدام عودين، احدهما ارتكز خط "الميلودي"، فيما استند الثاني إى تقنية العزف الغربي (وهو أخف من الأول)، بينما في تجربتنا نحن، فإن الأمر مختلف، ذلك لأن كل عازف منا يملك "الميلودي" والجملة اللحنية، الخاصين به.
وهما يحددان هويته، ولذلك فالمتابع لنا يرى ثلاثة أعواد منفردة، ولكنها في الوقت ذاته مجتمعة، وهذا من دون استخدام تقنية التوسيع الهرموني الغربي، وبلا شك فإن هذه الطريقة سمحت لنا بخلق حوار بين الأعواد الثلاثة. واعترف أنه منذ البداية، كان بيننا اتفاق على ضرورة المحافظة على الطابع الشرقي للموسيقى العربية، وعدم محاولة تغريبها عن طريق التأليف أو التوزيع الهرموني، واعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي في نجاح "الثلاثي جبران".
درس ورسالة
رافقتم الشاعر الراحل محمود درويش، في مرحلة طويلة ومهمة، ضمن مسيرتكم الفنية.. إلى أي حد كانت كلماته مؤثرة في رتم إبداعاتكم، ولماذا لم تحاولوا تلحين أشعاره، كما فعل مارسيل خليفة؟
ربطتنا علاقة قديمة، بالشاعر الراحل محمود درويش، ورافقناه ( كعازفين) في 32 أمسية، منذ عام 1996 وحتى رحيله، وآخر تلك الأمسيات كان في جنوب فرنسا. وعموماً، أعتقد أن علاقتنا مع درويش، تجاوزت تصنيف أو مضمون علاقة الشاعر بالعازف، فأصبحت علاقة شاملة العمق، أكثر من كونها شخصية، ولذلك نحن نعتبره الأب الروحي لنا، بما للكلمة من معنى.
ومن أهم الأشياء التي علمنا إياها درويش، أن نفرق بين أن نكون موسيقيين فلسطينيين (أن يُعرف بنا على هذا النحو)، أو أن نكون موسيقيين من فلسطين (بمعنى أن تكون موسيقانا رسول شهرتنا وأداة معرفتنا من قبل الآخرين). وفعلياً، فإن هذه القاعدة كانت مهمة بالنسبة لنا، لأننا لم نك نريد أن يعشق الجمهور موسيقانا كوننا فلسطينيين، وإنما لأننا نسمو بفننا إلى أبعد الحدود، واعتقد أننا بهذه الطريقة، نخدم قضيتنا. وهي الطريقة ذاتها التي اتبعها درويش الذي كان بدأ كشاعر مقاومة، ثم انتقل بعدها ليصبح شاعراً كونياً، يكتب عن الحب والمرأة، وغير ذلك، بطريقة حسية.
واعترف أيضاً أن درويش علّمنا أشياء كثيرة في حقل الموسيقى، لم يكن بمقدور أي جامعة في العالم، أن تعلمنا إياها، فقبله لم أدرك، شخصياً، أن للجمل الموسيقية مجموعة ألوان، كما كان يفضل وصفها، وهذا فتح أمامنا أفق الخيال في التفكير الموسيقي، وفق أبعاد مجازية وشاعرية. كما أنه قال لي يوماً، إن الموسيقى جميلة لأنها قابلة للتأويل، وهي على عكس الغناء. ولهذا السبب لم ألحن كلمات درويش، لأنه كان يحب الموسيقى أكثر من الكلمات المغناة، ويعتبر أن الكلمة سجينة نفسها أو سجينة الفكرة.
بينما الموسيقى تعطي المتلقي أبعاد عدة، وتمكنه من التخيل، كيفما يشاء ومتى يشاء. ورغم رحيل درويش، لا تزال كافة أعمالنا، الى الآن، مرتبطة به، وحتى أن ألبومنا: "في ظل الكلام"، الذي صدر بعد وفاة درويش، ارتبط به، وفي هذا الوهج ومعه، تم عرضه في 72 دولة، وترجم إلى اللغات: الفرنسية والألمانية والإنجليزية والإسبانية.
كما أنه يترجم الآن إلى اليابانية. واريد أن اشير هنا ايضاً، إلى انه، وحتى الألبومات التي لا علاقة لها بدرويش، تعودنا أن تكون تسميات مقطوعاتها على علاقة به، كما في : "أسفار" و"مجاز". ونحاول دائماً أن نبحث عن عناوين تعطي المتلقي القدرة على الخيال، وأن يشرح في داخله معاني هذه المقطوعة أو تلك.
علاقة مغايرة
ارتبطتم بعلاقة قوية مع درويش، كما كانت حاله مع الموسيقار مارسيل خليفة. ولكن ألم تخش وأخوتك، تأثير هذه العلاقة لتأخذكم إلى اتجاه معين معروف، في حقل الموسيقى؟
الفرق بين علاقتنا مع درويش وعلاقته هو مع مارسيل، أن الأخير غنى أو لحن كلماته، وبالتالي فهو سجين معنى الكلمة، كما كان درويش يقول، أما نحن، فعلى العكس من ذلك، إذ كان يصر درويش على التلحين الموسيقي، وليس تلحين كلماته. وخلال مسيرتنا الفنية، في الأمسيات التي شاركنا فيها درويش، كانت موسيقانا ترتبط ضمنها، بعلاقة عضوية مع القصائد الملقاة.
والتي بقيت تتنوع في محتواها لتحكي عن الوطن والحب والفلسفة وغيرها. وهو ما جعلنا أكثر طلاقة وحرية.. ولا بد من الإشارة هنا، إلى أنه، ورغم ظهور "الثلاثي جبران" مع درويش، لم تتوقف جولاتنا وحفلاتنا الخاصة، طوال الوقت، بمعزل عن الأمسيات المشتركة مع الشاعر الراحل، فعلى مدار آخر 5 سنوات قدمنا نحو 20 أمسية مع درويش، ولكن في مقابلها قدمنا سنوياً، أكثر من 100 أمسية موسيقية حول العالم.
غنى التنوع
لكل موسيقار طقوس معينة في العادة.. لكن أنتم "ثلاثي". فكيف هي طبيعة هذه الطقوس مع حالتكم الموسيقية؟
عندما ندخل في معترك ومشروع التحضير لألبوم جديد، فهذا يعني أن لدينا عملاً معقداً. وعادة ما نبدأ بذلك، قبل 4 أشهر، كون التأليف، بالنسبة لنا، عبارة عن خاطرة تمر في النفس وتترجم أو تحول نوتة موسيقية تكفل توثيقها. وأود الاعتراف هنا، أن أجواءنا، وبناء على مقتضيات فكرة عملنا وآليات تطبيقنا وتجسيدنا أفكارنا الإبداعية، إضافة إلى جملة شروط واعتبارات خاصة بكل منا، عادة ما تكون معقدة، لأننا ثلاثة أشقاء، ونحن الثلاثة نعزف على الآلة الموسيقية ذاتها (العود). وكذا نشترك (نحن الثلاثة) في عملية تلحين المقطوعة الموسيقية واختيار أفضل نماذجها.
وطبعاً، فإن الواضح هو أن لكل منا فكرته ومدخله الخاص في التلحين، وتجدنا نبقى في نقاش وجدل دائمين، حول رؤية كل منا، وحول نقطة ومحور النماذج الأمثل، إلى أن نعثر على جملة لحنية واحدة، مشتركة، تمكننا من الانطلاق. والسر بيننا هو الارتجال، ولذا نجلس ساعات طويلة، أثناء التلحين، للتجريب وترسيخ منحى الابداع الخلاق، وهذا يقودنا إلى الدخول في مرحلة من الانغماس بحالة شعورية تأملية نقارب فيها العيش في عوالم التصوف وحالاته، ذلك لدرجة أننا نتوقف عن الاستماع الى أي نوع من الموسيقى.
ونبقى متواجدين معاً، ويومياً، لمدة لا تقل عن 10 ساعات، من العزف المتواصل، وقد يكون عزفنا عشوائياً خلالها، ولكننا نتابع العمل إلى أن يخرج أحدنا بجملة واحدة يمكنها أن تتطور، وعندها ندخل في طقس آخر، وهو تكرارها طوال ساعات، حتى نصل إلى الفكرة الابداعية التي يقتنع بها الثلاثي، ولأجلها ربما نرفض عشرات الأفكار.
وبالتالي، فإنه لا يحكمنا أو يسيّر عملنا، مبدأ العجلة في صوغ وتوليف أو تشكيل مضمون منتجنا. فدوماً نعكف على التجريب والتكرار والمقارنة، ومن ثم نصل إلى مرحلة الاصطفاء والاختيار النهائي. ومن هنا تبدأ بذرة المقطوعة الموسيقية بالنجاح، ونبدأ على الفور بوضع الهيكلية العامة للمقطوعة وطريقة بنائها.
ثقافة تخدم الهوية
أنتم أبناء فلسطين، وبالتالي، أصحاب قضية لا بد وأنها تفرض خصوصية محددة على طبيعة منتجكم الإبداعي ومساقه.. فإلى أي حد أو في أي منحى، أثرت هذه النقطة في موسيقاكم؟
أحياناً تؤثر إيجابياً، وفي أخرى، سلباً. وحتى نكون واضحين، ليس الجميع في العالم الغربي يحب أو يناصر القضية الفلسطينية، وذلك رغم أن هناك من ينظر إليها من منطلق أنها قضية عادلة لأناس اغتصبت أرضهم وصودرت حقوقهم كافة. وهذا بلا شك، يوقعنا تحت مسؤولية كبيرة، ويخلق لنا حالة قلق كبيرة، لأننا نهتم بكل الجمهور الغربي، سواء كان ضد أو مع، القضية الفلسطينية، وحتى نقنع هذا الجمهور، فنحن نعمل وفق القاعدة التي تعلمناها من الشاعر الراحل محمود درويش، التي تقضي ان نكون موسيقيين من فلسطين.
وأن لا نكون موسيقيين فلسطينيين، وعادة ما نسعى الى انتزاع تصفيق الجمهور، ليس من منطلق كوننا فلسطينيين، وانما لأننا نقدم ابداعاً موسيقياً يعجبه. ففي هذه الحالة فقط، نشعر أننا تمكنا من اقناع الجمهور، ولذلك لا نحاول ابداً أن نتحدث عن فلسطين عند صعودنا إلى خشبة المسرح، وإنما ندلل على هذا من خلال المقطوعات الموسيقية التي نجد أن لها وقعاً كبيراً على النفس.
نحن ندرك تماماً، وفي مقتضى عملنا الإبداعي، أن الفنان الفلسطيني يعيش تحت ضغط الهوية على الثقافة، ولذلك نفضّل أن نقدم ثقافة تخدم الهوية، ونحاول دائماً أن نوصل للجمهور الغربي، حقيقة مفادها أننا لسنا، في موسيقانا أو ظهورنا أو حضورنا، متحفاً يطل من خلاله على الضحايا، بل نمثل حالة ابداعية في الموسيقى، ولهذا السبب فإن وصولنا إلى تلحين أضخم وأهم الأفلام الفرنسية، والتي لا علاقة له أصلاً بالقضية الفلسطينية، ولا حتى في العالم العربي، أكبر دليل على أن موسيقانا أثبتت نجاعتها وتفوقها.
شقيقنا الأكبر
تنحدرون من عائلة عريقة التخصص والشهرة في مجال صناعة العود في فلسطين.. إلى أي حد ساهم ذلك في اقترابكم من هذه الآلة؟
أعتقد أننا محظوظون لكوننا من عائلة تخصصت في صناعة الأعواد، فوالدي يمثل الجيل الثالث لعائلة جبران التي تميزت بمهارتها في هذا المجال. ولدينا عود يرجع تاريخه الى العام 1890. وهذا التخصص حوّل والدي إلى انسان غير تقليدي، وذلك بأن أعطانا الفرصة للاقتراب من الموسيقى، وهو ما كان مشجعاً لنا لخوض غمار هذه الطريق، ومنذ تخرجي من المدرسة، شجعني والدي على الدراسة في القاهرة.
وسمح لي أن أبني هويتي الخاصة في مجال العزف على العود، وكذا شجعني على أن ابتعد عن الغناء، وأن أكون رفيقاً للعود، وهو نفسه الذي شجع اخوتي وسام وعدنان، على ولوج هذه الطريق. وأظن أن والداي فخوران بنا لما حققناه، حتى رغم وجودهم في الوطن بينما نحن نبدع ونبرز في شتى ساحات الإبداع العالمية.
وذلك طبعاً، لأننا تمكنا من الوصول بموسيقانا إلى أكبر شريحة ممكنة من مجتمعات العالم، وكل ذلك لم يكن مخططاً له. وما أعرفه أنني ولدت في بيت صانع عود، وأن لدي أخاً أكبر يسمى عود. وبالتالي، لم يكن أمامي أي خيار آخر، وهكذا كانت الموسيقى نوعاً من الاحتلال الجميل لأنفسنا، قدم لنا فرصة العيش الدائم في حضن النغم، والتفاعل الخلاق مع الحياة بينما نجرب ونمارس في روض اللحن ودلالاته عذوبته.
لديكم مجموعة كبيرة من الألبومات، منها: "أسفار" و"مجاز"، حققت نجاحاً كبيراً في العالم الغربي. فما سر انتشار ألبوماتكم هناك خصوصاً؟
هذا صحيح، كافة ألبوماتنا تصل إلى المرتبة الأولى في العالم الغربي، وكان آخرها، في هذا الصدد، ألبوم "أسفار" الذي لا يزال يتربع على المرتبة الأولى منذ سنة ونصف السنة تقريباً، واعتقد ان سر نجاح هذه الألبومات، أننا قدمنا هويتنا العربية والشرقية من خلال العزف على آلة العود، ولم نحاول ابداً أن نعزف على آلة العود، كما يفعل البعض، بطريقة نوظفه معها لتكون نغماته أشبه بتلك الصادرة عن الغيتار.
كما أننا نرفض تغريب آلة العود، بأي شكل كان. وكذلك لم نحاول أن ندمج بين الموسيقى العربية والغربية، لأن الموسيقى في نظرنا، أكبر بكثير من أن نفكر بهذه الطريقة، ولم نحاول ايضاً، أن نبين للمجتمع الغربي أننا نعزف الموسيقى الغربية على آلة شرقية، بل على العكس حافظنا على المقامات الشرقية وعزفنا طبقاً لها، وهو ما جعل المجتمع الغربي يقتنع بما نقدمه له من موسيقى، لأننا نسعى إلى تعريفه على ثقافتنا وهويتنا نحن.
حكاية إبداع متفرد
ما مدى تأثركم بعدد من الأسماء المهمة في الوطن العربي، في مجال العزف الموسيقي، مثل: مارسيل خليفة، نصير شمه، شربل روحانا؟
أنا شخصياً، من أبناء الجيل نفسه، لكل من: شربل روحانا ونصير شمه، بخلاف مارسيل خليفة الذي أكبر منا سناً، بسنوات قليلة. وسبق وأن عملت مع هؤلاء، قبل أن أبدأ بـ "التريو"، عندما كنت أعزف منفرداً. وبالنسبة لي، أرى أن لكل عازف عود طريقته الخاصة في ذلك، وأن كل شخص يمسك بهذه الآلة ويلحن وينتج أي البوم، أو يقيم حفلاً، يكون بذلك خادماً للثقافـــة.
والتي أرى أن الموسيقى أرقى أنواعها، وبالتالي لا يمكن لي أن أنتقــد أي عازف لمجرد النقد، وعلى العكس فأنا احترمهم جميعاً لأن هذا مجهود ويصب في خدمة الثقافــة، ويعد محاولة للارتقاء بما نسمعـــه من موسيقى، وهو ما نحتاج إليه في العالم العربي. كما احترم وأقدر كثيراً، تجربة مارسيل خليفة، خاصة في تلحينه كلمات محمود درويش، والتي اثبتت نجاحها.
ربما تكون تجربتنا مختلفة عن نصير شمه وشربل روحانا، واللذين يوجدان أكثر في العالم العربي، على العكس من ما نحن عليه، إذ إننا نقيم في أوروبـــا وننظـــم أمسياتنـــا فيها، ونحيي سنوياً، ما بين 100 و 120 أمسية حول العالم، ولذلك تجد أن جمهورنا غربي، أو على الأقل نسبة 80 بالمئة منه.. وهذا أعطانا الفرصة للتأثير في المجتمع الغربي، ولذلك أتوقع أننا على الطريق الصحيح، لأننا نعمل اليوم على تعريف الآخر بقضيتنا التي لا يعرف شيئاً عنها، وليس التعريف بذواتنا فقط. وهذا طبعاً عن طريق أبجدية الموسيقى وبتأثير روحيتها وأدواتها.
تعملون في التأليف والتلحين الموسيقي.. وبناء على تجربتكم، هل ترون أن الموسيقار في العالم العربي مظلوم ؟
بتقديري أن الموسيقار في العالم العربي غير مظلوم جماهيرياً، وإنما هو مظلوم من ناحية شركات الإنتاج التي تمتلك الأموال ولا تقدم شيئاً إلى أي موسيقار عربي، بل إنها تفضل عليه هواة الغناء، وبالتالي فالأمر بالنسبة لها تجارة، ليس أكثر. وبنظرة سريعة على الموسيقيين العرب، نجد أنهم ينتجون موسيقاهم وألبوماتهم على حسابهم الخاص، أو أنهم يتوجهون إلى شركات الإنتاج الغربية.
أما من الناحية الجماهيرية، فأنا أتفاجأ بمستوى الجمهور العربي، وأذكر أن الأمسية التي قدمناها خلال العام الماضي في مهرجان جرش الدولي، وكذلك الأمسية التي أقمناها في بيرزيت بفلسطين، شهدتا إقبالاً جماهيرياً عالياً، والأجمل من ذلك أن الصمت كان سيد المكان، وهذا يمثل قمة في الرقي، ويدل على أن الجمهور العربي مستمع جيد ومحب للموسيقى، وأيضاً متعطش لهذه النوعية من الموسيقى.
التأليف والعزف
يتقن الثلاثي جبران، مهارات وأدوات، التأليف الموسيقي والعزف على آلة العود، جنباً إلى جنب، ويتولى الشقيق الأوسط (وسام)، صناعة آلاتهم، وهي الحرفة التي ورثها عن والده وطوّرها بالدراسة في "معهد أنطونيو ستراديفاري" في إيطاليا. واتخذ الثلاثي من باريس مكاناً لإقامتهم ومنها ينتقلون ويجوبون العالم. وقد رافق الثلاثي جبران الشاعر الراحل محمود درويش، نحو 13 عاماً، فقدموا مع الشاعر الراحل 32 عرضاً حول العالم.