التجديد الذي لا يأتي على ضرب الطبول

2013-05-07

إذا أسقطنا متطلبات العمل الصحفي سيبدو هذا الموضوع منذ البدء فائضا، فليس دخول العام 2000 بحد ذاته حدثا. وإذا ما حدث تجديد في أي مجال من مجالات الحياة أو الثقافة فإنه لن يحدث في اللحظة التي تفرقع فيها الألعاب النارية تطرد شياطين العام المنصرم ممهدة لعام جديد لا مكان فيه إلا للملائكة، وهو فوق ذلك العام الأخير من القرن العشرين، وإنما سيحدث خارج هذه اللحظة مرتبطا بشروطه الموضوعية دون ريب.

لن يولد عام جديد بمجرد الضغط على زر مصباح يشعل ضوء العام الجديد. سيتناول الناس في الصباح التالي لبن إفطارهم المعتاد، سيفكرون فيما سيفعلونه في الغد، سيتحدثون عن الأصدقاء وعن الأعداء، سيتابع السياسيون المنتخبون نسج خططهم للإثراء السريع وسيلقي الروس مزيدا من قذائفهم على غروسني كاراباخ أو يتوصلون في العام 2000 إلى سلام مؤقت وليس في كل هذا ما هو غير عادي. لقد حدثت في العقد الأخير تحولات ما كان لأحد أن يتكهن بها، وقد ألهمت هذه التحولات كتابا كثيرين جعلوا منها موضوعات لرواياتهم، ولكن لا أعتقد أن ثمة من يدعي أن هذه الروايات تمثل تطورا فريدا في تأريخ الرواية الحديثة.

يأتي التجديد دائما متسللا، لا يعلن عن نفسه بأثواب زاهية ولا يتقدم على ضرب الطبول. ولما كانت الرواية عملا دؤوبا فإنها أقل الأنماط الأدبية ارتباطا باللحظة العابرة أو المناسبة. قد يكتب شاعر قصيدته عن العام 2000 تحت تأثير وضع عاطفي ولكن كاتب الرواية سيحتاج إلى عمل شهور، تتغير خلالها حالاته الانفعالية، سيرتدي ثياب أبطاله الذين سيتابعون حياتهم كما فعل من قبلهم أبطال السنوات الماضية، سيبحثون عن الحظ أو المال، سينجحون أو يخفقون، سيرتحلون أو يقيمون في أوطانهم، سيشيدون بيوتا وينجبون أطفالا، سيعتنون بحدائق منازلهم ويضعون أصصا على حافات نوافذهم، سيمرضون، يموتون في أسرتهم أو في حوادث سيارات أو برصاصة عدو، وسيكون هذا شبيها بما حدث في الماضي. لقد صدرت قبل شهور رواية ترتبط بشكل أو آخر بهذا الرقم، حيث يشغل صاحب مؤسسة لبرامج الكومبيوتر عشرات المبرمجين ليضعوا برنامجا يحل مشكلة الحاسبات الالكترونية التي سيقفز فيها التاريخ بانتهاء عام 1999 إلى 1900 بدلا من 2000، وهي مشكلة ستعاني منها المؤسسات المالية والمطارات وكل المؤسسات الكبيرة التي تعتمد في تنظيم أعمالها على الكومبيوتر، حيث ستحل فوضى لا نهاية لها.

تثير هذه الرواية لفرط واقعيتها التباسا لدى القارئ فيكاد يظن أنه يقرأ خبرا أو تقريرا، ولم يدّع أحد أنها تشكل شيئا ما في تطور الرواية.

في 9.9.99 توجه آلاف من الرجال والنساء إلى دوائر الأحوال المدنية في ألمانيا ليعقدوا زيجاتهم. ولما كان عليهم أن يحجزوا موعدا قبل وقت مناسب فقد حجز أحد الشبان موعدا لعقد زواجه قبل أن يعثر على المرأة التي سيتزوجها. ولو خطر لأحد بعد عشر سنوات أن يتحرى عن مصير هذه الزيجات فسيكتشف أن نسبة الطلاق فيها لا تقل عن نسبتها في الزيجات الأخرى وأن التسعات الأربع لم تجلب الحظ لأحد.

ها هو التلفزيون يحول رقما إلى بضاعة شديدة الرواج فتمتلئ الأسواق بمناشف كتب عليها الرقم 2000 وأقداح وصحون وثياب وما لا أدري. ولكن ما علاقة كل هذا بالرواية؟ إن أسوأ الأعمال الأدبية هو العمل المكتوب بسوء نية، بكلمة أخرى، العمل الذي يحاول أن يتلاءم مع شروط العرض والطلب، أدب المناسبات. قد تصدر في العام القادم في مكان ما من العالم وبلغة ما رواية فذة يعتبرها النقاد رواية عام 2000 أو حتى رواية القرن، ولكن لن يكون لهذه الرواية شأن بكل هذا الضجيج الذي يحدثه الإعلام اليوم.

نشرت ضمن استفتاء لجريدة السفير اللبنانية بمناسبة حلول عام 2000


 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved