( كبرت ونسيت أن أنسى ) للروائية بثينة العيسى
عن استاذنا محمود عبد الوهاب : العنوان ثريا النص .. وهاأنا أتأمل في هذه الثريا.. ( كبرت ونسيت ان انسى ) وفق شيخنا هو عنوان اشتقاقي، اي مشتق من داخل النص ( قالوا لي دائما : تكبرين وتنسين /13 ) وهذا هو السطر الاول من الرواية.. ثم تثبت لنا الاحالة التكرارية حول هذا القول ( 16 ) مرة ثم تعيد قول الذكور بأطلاق ( قالوا لي جميعا :تكبرين وتنسين ) . ثم تنقض قول الذكور، بواحدية قول الانثى ..( المشكلة هي أنني كبرت ُ ولم أنس، كبرت ُ ونسيت ُ أن انسى ../14 ).. جمالية الثريا بأقتصادها الاسلوبي فهي ترشق كلام الانثى بحذف الكلام التالي..( المشكلة هي كبرت ولم أنس ../14 ) وتستعمل بلاغة الايجاز ( كبرتُ ونسيت ُ أن أنسى ) .. المحذوف في العنونة هو : الزمن : الكبر : مؤثرية الزمن في الانسان، والزمن ينتج ممحاة تتصارع مع النظام الفلسجي .. هل الممحاة مجبولة من موت خلايا فسلجية ؟ ام هي نتاج ( أمتياز العمر ) يتجسد ذلك فيما يتجاوزه الانسان .... العراقيون يَروَن الزمن ساردا عظيما ولهجة جنوب السواد مساجها المأثور ( اتصير سوالف ) أي بمؤثرية سيرورة الزمن يتصّير الألم : حكاية ً تروى.. كل ذلك يحيل الى منطق الإرجاء الذي تمرد عليه أئمة الارجاء في العصر الاموي أمثال الجعد ابن الدرهم وغيلان الدمشقي وغيرها...عنوان الرواية : يكسر النسق وأفق توقع القارىء... وهذا التمرد على : النسق / الافق، يومىء الى الانا غاضبة في نفسها وعلى نفسها.. أنثى ترفض ان ان تكون كائنا وظيفيا.. بل تسعى للتشارك مع الرجل في الحراك الثقافي
(*)
الناس بحرٌ عميق والبعد عنهم سفينة
هذا البيت الشعري وفق( القارىء على مسؤوليته ) اقترحه مقتبسا يستقبل القارىء وهو يختزل الوحدة السردية الصغرى المقتبسة من – كريشنا مورتي – وهذا البيت يكتمل به البيت المقبوس من – مالك بن الريب .. ومن جمالية الكتابة في هذه الرواية إنها بكل أخلاقية الانتاج تعلن عن مصادر تغذية النصوص مرتين بالترقيم داخل المتن الروائي .. وبالتالي بتثبيت عنوانا فرعيا في نهاية الرواية
(هوامش الرواية) وعددها (24)
(*)
بسبب الموت المفاجىء لوالديها في حادث مروري، أنتقلت فاطمة من المنفتح الاجتماعي الى الموصد الصدىء: يحاول الأخ الأكبر بتشدده الاصولي ان يعيد صياغة فاطمة أخته غير الشقيقة، وتحاول فاطمة ان تثنّي النص بين زمكانين : سلطة السرداب : الاخ الاكبر / بيجاما ليلة الدخلة .. الزوج المفروض بتوقيع اخيها الاكبر فتتنقل فاطمة بين سردين : تسرد أخاها وتنتقل لتسرد زوجها.. الأخ الأكبر ماهر في تصنيع التابوهات كبضاعة مصانة ..( صناديق كثيرة من التابوهات التي تُمس ولا يحق لأحد أن يتحدث عنها../56 ).. صقر لايرى من أخته سوى المختلف الذي يستفز تشدده الاصولي : الدمى وصور العائلة وباربي الفاجرة تزرع افكاراً فاسقة في عقول البنات ../ ص30 ومن خلال الاخ الاكبر تتجسر علاقة فاطمة مع الكل : الله، النبي، القرآن .. وهكذا تتم عملية اخصاء فاطمة وتصنيع المرأة المدجنة وبشهادة فاطمة..( لم يكن مسموح لي أن أكون أنا وكانت مواعظ صقر تصب ّ في مشروع تفتيتي، في طمس أختلافاتي التي تزعجه.../57 )..والآخ يعمل في الداخلية ويستأنف عمله من خلال تعامله مع اخته غير الشقيقة و يفعّل اسمه ( صقر)..وبشهادة فاطمة.. (.. يفتش حقائبي بحجة البحث عن علكة، يتفحص هاتفي بحجة البحث عن رقم هارديز، وليراجع تاريخ تصفحي في الكمبيوتر ليتحقق من أنني لاأحيد عن صراط الفضيلة ولا أتحاور مع رجال في الفضاء السييبري وهو يقوم على حراسة شرفي كالكلب تماماً باستثناء ان الكلب اكثر محبة.../83 ).. تسرد وتشترط على سردها ترشيق النص وتبريده بموضوعية التناول ..( إنني أحاول صياغة سبع سنوات من حياة السجون بأقل قدر من الكلمات ومن ثم.. بأقل قدر ٍ من الانفعال...يجب ان أكتب كل شيء بتلك اللغة الباردة ..) والاخ الاكبر مصمم على اعادة انتاج اخته وفق براءة اختراعه هو ..( كانت أحلامي الصغيرة تفتت بين يدي صقر بحجة أنها صغيرة على امتداد سبع سنوات، جردني صقر من معظم تفاصيلي، حتى لم اعد لي، حتى لم أعد أنا..التفاصيل التي تجعلني ما أنا عليه، ترسم خطوط ملامحي، وتجعلني أختلف – بحرية – عن الآخرين، كأنها سرقت، صودرت، آلت الى ملكيته هو...هو الذي لايعبأ بها.../89 ).. وحين تشهر قصيدتها في جلسة شعرية ويعلن عن ذلك في الصحيفة التي يقرأها الاخ، سيفهم الاخ الشعر وفق قوته البدنية وبشهادة فاطمة :( شدني من شعري، وين الموبايل؟ اشرت الى الحقيبة، فتحها، نثرها، نكش اعضاءها، أخذ هاتفي، ومفتاح السيارة، وبطاقتي المدنية ورخصة القيادة، أخذ حياتي ومضى ../192) وهكذا انتهت علاقتها كطالبة في كلية البنات.. بأمر من ولي الامر/ الأخ الأكبر..
(*)
التلفزيون وسيلة استقواء فاطمة على ذلك الماضي.. بصوت الشاشة تتصدى للرعب والوحدة وأشباح سرداب الاخ الاكبر../ ص61..وهو استقواء على زمن نفسي انتجه الأخ المتشدد وهذا الزمن يطاردها وهي في كنف زوجها.. وبنعومة تلك اللغة توّسع وتضيء فضاء الضيق وحسب شهادة فاطمة.. ( وتكف الأشياء من حولي عن ان تكون ذاتها، فهذه ليست غرفتي وغرفتي لاتقع في سرداب .. كنت اسافر .. أسافر في اللغة دون جواز سفر والأهم دون محرم.../78).. وقوتها الدافعة ستكون قصيدتها : عصير مكابداتها .. وتجربتها مع القراءة ../ص85 ستوصلها لولادتها الثانية من رحم امها اللغوية وهكذ تحول اللون الاسود في حياتها الى سمرة دافئة ..( يتمي – مع الكتابة – أقل، فاذا كانت أمي قد ماتت، فأن اللغة أم أيضا وهي تمنحني ولادات كثيرة مع كل حرف أكتبه وتشرّع لي الآفاق ../96 ) وهناك حرية السفر الى البلاد القصية مع زوجها فارس /86
(*)
ضمن تراتبيات السرد :
نقرأ سردين مختلفين جهويا..
*مايسرد حول الاخ الاكبر ونحصل عليه مباشرة..
*مايسرد الى الزوج فارس وهو سرد يتخلله حوار، يكون القارىء بالمرتبة الثانية، يشغل الزوج المرتبة الاولى.. كلا السردين تبثهما فاطمة وبضمير المتكلم..
*حياة صديقة فاطمة تسرد على فاطمة فلم تاتنيك /104
*مفاصل الرواية الرئيسة
المفصل الاول من ص13 الى ص 116
........الثاني / صندوق البريد الالكتروني :117- 187
الثالث / الحذاء / 189- 202
..الرابع / قطة شوارع
*ما بدأنا به في ص15 من الرواية سنجد بدايته في ص205
وهذا يعني السرد له روزنامة ذاتية لادخل لها بالتوقيت العام..أي للرواية أزمنتها المتداخلة والمتقاطعة..
*لم تمثّل المرأة هنا دور شهرزاد مع زوجها تحديدا .. نحن هنا مع امرأة اكتمل بؤسها وتريد حقوقها كاملة في مجتمع ريعي وهي امرأة تكتب ذاتها في نصوصها، وايجابية الآخر تستحوذ عليها بحيلة سيكلوجية ..( حياة هي أنا في حياة أخرى. هي أنا لو أنني حظيتُ بحياة كحياة، لكنت هي تماماً../244 ).. ذات فاطمة لاترى من البؤس والاضطهاد والتهميش سواها..هل فاطمة جزيرة نائية ؟ اليس لها مشاركتها في عنكبوت النت ؟
(*)
في الرواية ثمة فكر تقدمي يناصر المرأة ويشجب كل اساليب العنف ضدها ..فكر انساني يشجب كل اساليب الذكورة التي تمسخ المرأة الى كائن وظيفي : انجاب وتربية اطفال وربة لكن ربة بيت مثالية والطاعة المطلقة للسيد المستبد .. لكن ليس بالفكر وحده تحيا الرواية ولابتقنية حداثية..اعتقد تحيا الرواية ايضا بترشيق جسدها السردي .. لقد وعدتنا فاطمة وهي بوظيفتين داخل الرواية فهي السارد المشارك بتصنيع الحدث كما انها الشخصية الرئيسة في الرواية وحولها تطوف الشخصيات الأخرى .. وعدتنا فاطمة وعدا سرديا جماليا وجاء الوعد بصيغة اعتراف ناصع .. ( إنني احاولُ صياغة سبع سنوات من حياة السجون بأقل قدر من الكلمات ومن ثم.. بأقل قدر من الانفعال .. يجب أن أكتب كل شيء بتلك اللغة الباردة والمترفعة../ ص57) كقارىء منتج كنت اتمنى ان يوسق تنفيذ هذا الوعد على الرواية كلها وليس مايخص حياتها مع جلادها..الأخ الاكبر..فقط..
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------*بثينة العيسى/ كبرت ونسيت أن أنسى/ الدار العربية للعلوم ناشرون/ بيروت/ ط3/ شباط 2014
*محمود عبد الوهاب/ ثريا النص – مدخل لدراسة العنوان القصصي / الموسوعة الصغيرة/ ع396/ بغداد / دار الشؤون الثقافية.
*أمتياز العمر : أحدى قصص ( رائحة الشتاء ) لإستاذنا محمود عبد الوهاب/ دار الشؤون الثقافية/ بغداد/ 1997. تشتغل هذه القصة القصيرة وهي بحجم ورقة فولسكاب على تجاوز الانسان لنفسه من خلال اتساع وعيه في الحياة وهو يقرأ رسالة عتيقة من رسائل خطواته الاولى يسأل ( صديقاً يجالسه : هل أنا حقا ذلك الذي كتب هذه الرسالة؟ وهل كنت أفكر على هذه الصورة؟/ ص30)