تدل بعض الاتجاهات الحديثة في الغرب على تضمين مفهوم التسامح من طرف الآخر له على منطلقات حيوية أساها القبول بكل فعل وقول وفلسفة للحياة تصدر من المنظومة الحضارية الغربية. ولعل هذا الاتجاه اللاعنفي هو في الحقيقة نموذج يتضمن بعضا من الاختلالات التي تحتاج للتوضيح والبيان.
الاختلال المفهمي الأول
القول بأن التسامح هو حالة من ضعف الآخر أمام الأنا الغربية هو في الواقع ما يسود في بعض القراءات التي بدأ شيوعها في العهد الروماني والتي تقضي بضرورة استسلام الآخر بالقوة للحضارة الرومانية.
و التسامح بهذا المعيار -أي تسامح المنهزم-هو استلام غير مشروط وغير قابل لمناقشة أي بنود للحرب والسلم.
الاختلال المفهمي الثاني
القول بأن التسامح هو لزوم قبول الآخر بكل المنتجات الحضارية الغربية قبولا مطلقا وغير قابل للتشكيك، باعتبار انه يمثل ثقافة الغالب الأمريكي و الأوروبي هو قول يتمرجع إلى فكرة أن الحضارة الغربية الحديثة القوية التي دحرت كل منافسيها في الشرق والغرب هي الحضارة الصحيحة والباقية وهي التي تمثل بتعبيرات فوكوياما نهاية التاريخ الذي لا يحتمل أن يأتي تاريخ بعده ولا أفكار بعده ولا حضارة بعده!
الاختلال المفهمي الثالث
القول بأن التسامح هو القبول بهيمنة الآخر بمنظومته الدينية والعقدية اليهودية المسيحية بكل مكوناتها و أسسها والابتعاد عن المنظومة العربية الإسلامية هو القول بالاستسلام الداخلي، وإحداث قطيعة حضارية مع كل تاريخ العرب والمسلمين، بل إلى كل ما يتعداه من ذلك من حيث التماهي في الحضارتين السابقتين قلبا وقالبا وهو ما نسميه بالغربة الحضارية الهوياتية
الاختلال المفهمي الرابع
القول بالتسامح ونبذ العنف راهنا هو القول بأهمية القبول بالتفوق الإسرائيلي على العرب واحتلالهم لفلسطين، والانسياق النفسي والمادي لكل المقولات الذرائعية التي تعتبر أن وجود هذا الكيان هو أمر واقع لا راد له وبهذا وجب التفكير في التسامح معه وتقبله والتعامل معه والمشاركة فيه.
القول الصحيح
في مقابل كل ذلك فإن التسامح هو قوة وضوح الأفكار والمبادئ الإسلامية العربية المرجعية التي تشكل هوية المسلمين، وتقبل الآخر بعلله، تقبلا لا يعني الذوبان فيه وفي حضارته انبهارا بانجازاته ولا يعني القبول الطوعي بالاستسلام لإغراءاته، إنما يعني التعايش الحضاري مع الإنسانية في اللحظة التي لا يتعدى الآخر مجالات الاحترام والتسامح مع المسلمين.
هو تسامح يحمل في باطنه القوة والرأفة والأخوة للإنسانية، هي مجموعة من القيم التي تنطلق من ديننا الحنيف دين المحبة والتسامح، ودين القوة والاستطاعة.
د.فوزي بن دريدي
أكاديمي جزائري
bendridif@hotmail.com

