التأثير التموجي والتلقي الثانوي للصدمات النفسية

2011-12-18

 إن تأثير الصدمات يتعدى الشخص المعني بها مباشرة تماما كانتشار الموجات الصادرة عند رمي حصاة في بركة ماء.
فتأثير الصدمة يكون على أفراد العائلة القريبين والبعيدين على حد سواء بيد انه توجد حوادث تؤثر على مجتمعات بأكملها،ولصدماتها أثار تموجية أكثر مأساوية كحادثة إطلاق نار في مدرسة أطفال، فلا عجب أن يتعدى الأثر إلى من لم يتعرض فعلا للحادثة.
ويتراوح الأثر على من لم يصاب مباشرة من عدم تصديق الفعل، إلى خوف لاحتمال موت شخص، وقد يتعرض بعضهم للمشكلات وذلك لمجرد معرفتهم أن من بين المصابين بجروح بليغة طويلة المدى، من هو اصغر منه سنا، وتخطر له هواجس فيتساءل"ماذا لو وقعت الحادثة في منطقتنا،"أو كان من السهل أن أصاب أنا وأطفالي لوكنا مررنا بتلك الناحية قبل ثوان فقط".
ومن غير المستغرب أن يزداد مقدار وحجم الخسائر لمجتمع ما بازدياد عدد القتلى والجرحى فيه، وكما قال د.جيمس ثومبس:"إن خسارة شخص ما مؤلمة،ولكن عند موت الكثير فإن حجم الحادثة يستجلب الأنظار، ويدعونا للتفكر في إمكانية فنائنا وعدم خلودنا".
*الاهتمام الإعلامي غير المرغوب فيه:
إن الكوارث العظيمة، وبخاصة المحلية أو القومية منها، تجذب انتباه الإعلاميين أكثر من تلك الحوادث التي تؤثر على الأفراد. ونتيجة لهذا الضغط الإعلامي الشديد، تجد المجتمعات نفسها مرغمة على التعامل مع أكثر من الكارثة ذاتها.
قد يأخذ الحدث شخصا ما على حيث غرة، فيجد نفسه محط الأنظار بشكل لم يكن يتوقعه قط، ولم يكن مستعدا له عاطفيا، فلا شك في صعوبة التعامل مع الصدمة إذا وجدتها أمامك كلما أدرت التلفاز مفصلة بصورها ودقائق أحداثها مرات ومرات.
وقد يشعر الكثير من الذين يشاهدون الحدث من مدن وبلاد أخرى بالأثر نفسه، لان الكوارث التي تصيب أناسا ذوي نمط حياة واهتمامات مشابهة لنا، قد تحرك المشاعر نحو فكرة فنائنا أو فناء من نحب.
حتى أن الكوارث في البلدان والمجتمعات البعيدة، تحرك مشاعر الحزن والاشمئزاز، بخاصة إذا أصابت الضعفاء وصغار السن.

وكلمة"مجتمع" تطلق على أي جماعة من الناس ذات خصوصيات محددة. وهناك الكثير يشعر بانتمائه لفئة أو مجموعة ما، بسبب تشابههم عرقيا أو حضاريا أو دينيا. فالتقارب الجغرافي ليس شرطا أساسيا لتكوين مجتمع ما، وعليه فان حادثة معينة سيكون لها تأثير تموجي على كل من ينتمي للمجتمع الذي أصابته تلك الحادثة.
مثال:"لا تزال حادثة محرقة اليهود تثير جدلا كبيرا، وحتى بعد مضي سنينا على الحرب العالمية الثانية، وتؤثر على كثير من اليهود. فيشعر كل من ينتمي لهذه المجموعة بالخطورة لهذه الذكرى. واسترسالا لشعورهم بالعزلة، يعيش الكثير من اليهود في مجتمعات مغلقة، فهم يفضلون العيش كذلك لأسباب دينية من جهة، ولإحساسهم بالأمان والتفاهم فيما بينهم من جهة أخرى. وكسائر المجتمعات التي تعرضت للصدمات، فان عبارتهم التقليدية هي انك لا تستطيع تقدير معنى الصدمة ما لم تصاب بها شخصيا، ومما يثير العجب ان استشاريي الصدمات حول العالم يجمعون على المقولة نفسها لكل من يتعرض للصدمات بغض النظر عن طبيعتها ومداها،..."
من مسببات الصدمات أن تجد نفسك فجأة محطا للأنظار واهتمام وسائل الإعلام غير المرغوبة أو المتوقعة، سواء كان دورك في الحادثة المعنية دور الضحية أو الجاني. وهناك المئات من الموضوعات المتنوعة فيما يخص هذا الدور. مثل الأدوار المختلفة لأناس تعرضوا لحوادث طرق فظيعة "كهروب الجاني وموت الأفراد" أو المثلث الغرامي "حيث يهجر الزوج/ة إلى شخص آخر، ومما يزيد من حدة الصدمة أن يجد الشخص المعني نفسه ملاحظا من قبل وسائل الإعلام، قبل أن يتسنى له بلورة ردود فعله العاطفية أو الجسمية تجاه الحادثة، هذا إذا لم يكن ذاك الشخص محبطا عاطفيا، أولم تكن لديه الخبرة الكافية للتعامل مع وسائل الإعلام.
فالتعامل بشكل سيء مع المقابلات الشخصية، قد يؤدي إلى نتائج فظيعة مما يضاعف من حدة وقع الصدمة علما بأن من وسائل الإعلام ليس بالحل المثالي دائما.
ينظر مختصو الإعلام إلى قلة تعليق الشخص المعني ومشاركته، فيحللون سلوكه ودوافعه وشعوره وكل ما يتعلق بالحادثة. فيجد الشخص نفسه محاطا باهتمام الإعلام مع محاولاته للابتعاد، وعدم استعداده لهذا الضغط الإعلامي، يجد نفسه غير قادر على بيان وجهة نظره، فتتضاعف الصدمة لديه لعدم قدرته اخذ زمام الأمور، وتوجيه المقابلة على سياق يرضيه.
وهناك عامل إضافي يزيد من وقع الصدمة هو معرفة الشخص أن كل ما ينشر عنه في وسائل الإعلام المطبوعة أو الالكترونية قد يفسر خطأ.
تشكل "سنويات الحادثة" عامل المصيبة الثالث، فاهتمام وسائل الإعلام المتكرر بحادثة ما قد يحيي ردود الأفعال الناتجة عن كرب مضى، وبخاصة إذا لم يكن الشخص قد أنهى بعد علاجه النفسي للصدمات. وقد يكون متابعة تغطية حادثة مشابهة لا علاقة لها بالحادثة الأصلية.
فمثلا: يعتبر تصادم مجموعة من السيارات على طريق سريع، دافعا كافيا لاسترجاع ومضات الحادثة الأصلية، أو أي رد فعل مثل الشعور بالخوف، كما لو أن العالم لم يعد آمنا.
"فإذا كنت من قليلي الحظ الذين تعرضوا لصدمات بسبب الضغط الإعلامي، فعليك البحث عن استشاريين متخصصين بحالات الصدمات، وحبذا لو كانوا ذوي خبرة بالتأثير الإعلامي"

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved