إسماعيل سكران في روايته الثانية : هزار
الورقة المشاركة في الجلسة التي أقامها ملتقى جيكور الثقافي / 28شباط 2017 للقاص والروائي إسماعيل سكران
إسماعيل سكران هو القاص الذي انبجست من أنامله : سبع مجموعات قصصية وروايتان، ورواية قيد الطبع ..ثلث قرن وإسماعيل في محراب السرد، توقف عن النشر، مع إنتشار الشر، فالمسافة شاسعة بين مجموعته الأولى : النثار / 1977 ومجموعته الثانية : رفات الملائكة / 2001 وستكون المسافة أقصر مع المجموعة الثالثة : القادمون فجرا/ 2008 ولا مسافة مع المجموعة الرابعة : الأرنب البري / 2008...إلخ .. وستكون المسافة قصيرة جدا بين روايته : جثث بلا أسماء / 2015
وروايته هزار / 2016..
(*)
ضمن ما يتماوج في البنية الإجتماعية العراقية فإن ( هزار ) جهويا تتمة لرواية ( جثث بلا أسماء ) لكنها ليس بالتتمة التقليدية المألوفة .. والمسافة الزمنية للرواية هي مابعد ربيع 2003 حتى راهننا المتردي ..
(*)
قراءتي تنتخب لإنتاجها مايوائم مشروعها الصوتي في الرواية العراقية – العربية . وأعني بذلك ( الصوت ) كشخصية محورية ومخطوطة الكتاب قيد الطبع ...
(*)
الصوت هو ماء العائلة .. كما هي الحال لدى زاهرة ( تحتسي حتى يتهاوى جسدها، بعد أن ترتوي من سماع اغنية عمي يابياع الورد/ 111 ).. فهذه الأغنية : ( تمثل تراث العائلة المتبقي ) إذن هذه الأغنية أرث العائلة وتراثها وذاكرتها الجمعية .. ولحظتها المتجددة الإحتفائية بالوجود والموجود، الصوت هو الحصن يلوذون به والأغنية هي إحتفاء العائلة بالوجود .. وستكون الأغنية ذاتها نوعا من إعادة الوعي لزاهر من خلال شقيقته زاهرة في خاتمة الرواية .. ( ستكون ،،عمي يابياع الورد،، هي كلمة السر التي ستعيد لم شمل العائلة بعد أن كانت سببا في تمزيقها قبل عقود، ستذكره بها وبأسرار العائلة التي لايعرفها سواهما .. / 130 ).. ومؤثرية الصوت كانت حادة / دامية كما هو الحال مع زغلول عبد الحميد شقيق زاهر ../34
(*)
في بداية الرواية يعلن السارد عن سلطة غواية السرد : (كانت تفكر إنها جزء من فوضى المكان ، أغانيها تشتت أجساد الحضور الذين يفقدون صوابهم بسرعة ../ 6 ) عن أي فوضى يخبرنا السارد العليم ..؟!
أن الصوت هنا جزء لايتجزء من الكتلة الداخلية التي ملأت فراغا في فضاء مغلق
* الكؤوس المبعثرة فوق الموائد،
*صحون المقبلات والأطعمة
*الكراسي المسحوبة من أماكنها بلا انتظام .
ثم يأتي صوت هزار ليتتم العثرة / التشتت . وهناك صخب الموسيقى الذي يضيف ضيقا في المكان المغلق المغمور المضبب بدخانات شتى ..(هوس الحياة في هذا المكان الذي يضج بصخب الموسيقى كل ليلة .../ 7).. لكن صوتها ليس فوضى محض ..بل هي حاضرة اجتماعيا وإقتصاديا من خلال صوتها ..فهي لم تنقطع عن الغناء في ملهى (التاج)..
*لقد أدمنت الغناء ومعاشرة الناس هناك ثمة جمهور يحبها، يحضر لأجلها ينثر النقود فوق رأسها تبجيلا لاطلالتها ولصوتها ../ ص126
*ومن خلال جماليات هذه الصوت : تعتاش عشرات العوائل العاملة في الملهى، لديهم أفواه بحاجة إلى طعام واجساد بحاجة الى كسوة ../ 127
هزار كائن مشطور بين صوت ونظر .. فهي حين تسيقظ كل يوم من ظهيرتها المخمورة، تكون تحت هيمنة مثنوية الرؤية : الخاصة – الجوانية / العامة – البرانية نلتقط الرؤية الأولى ..( نظرت الى جسدها الأبيض الطري واستدارت وكأنها تستعرض جسدها وتراه لأول مرة ../ 5 ) ومن بؤرة المكان الجواني أعني غرفة نومها الصغيرة الواقعة في الطابق العلوي .. سوف تبث مرسلاتها الغرامية الخاصة .. وهناك ستبدأ الرؤية البرانية : ( تجلس هناك في غرفتها العلوية لبعض الوقت، تزيح ستائر نافذتها لتحظي برؤية أفضل لتتمكن من إرسال إشاراتها الغرامية باتجاه نافذة تقابل نافذتها تعلوها رقعة ضوئية كبيرة، خط عليها ( شركة الأمل للصيرفة ) ..
والرؤية البرانية مثنوية بدورها .. كأننا أمام شاشة سينما مشطورة بلقطتين
لقطة مثبتة على شركة الصيرفة ------------ لقطة غسيل الزوجات
سيكون بصرها باتجاه ( اسطح البنايات المواجهة لها فترى نفس اللوحة الفوتوغرافية اليومية ، حيث ترى بعض النسوة وهن ينشرن غسيل بيوتهن فينتابها شعور بالأسى والحسد../ 6 ) وحين تكون في الملهى قبيل الدوام، ستسرح بأفكارها بعيدا عن هوس الحياة في هذا المكان نحو.. ( دفء الحياة العائلية في بيتهم القديم القريب من مجرى نهر دجلة، تحن إلى نافذة غرفتها وإلى زميلاتها ورفيقاتها ودرب العودة من المدرسة وطيش المراهقة ../ 7 ).. فهل كانت هزار ( تنشط ذاكرتها كل يوم بتذكر أدق تفاصيل حياتها هناك، خشية أن تنساها ../7 ) بشهادة السارد العليم .. هل هو تنشيط ذاكراتي ؟ أم هزار مصابة بمرض تثبيتات السعادة – حسب غاستون باشلار ؟
*الصوت /- 102- 108- 111- 126- 130
الأغنية تصطاد الماضي الشخصي بالنسبة لزاهرة فتسعيد لحظة عائلية خاصة .. ( ذات مساء بكت زاهرة، لم يدر بخلدها انها ستسمع ذات يوم أغنية عمي يابياع الورد، فقد ابتدأت الاغنية بتوزيع موسيقي جديد أداها أحد المطربين الشباب في الملهى باسلوب غنائي حديث حافظ على جوهر اللحن والنص ../ 87 ) الصوت من خلال الأغنية سيفتح شاشة ذاكرة زاهرة ويعرض لقطة عائلية آفلة ولاوجود لها إلا في الزمن النفسي المأسور لديها .. ( تلك اللحظة قفزت أمها بثوبها الأحمر اللماع وجسدها الغجري النحيل وهي تتلوى أمام أنظار الزبائن، ورأت والدها بدشداشته البيضاء وهو يصب كأسه متأملا جسد زوجته الغجرية وهي ترقص /87 ) ..
هذه الأغنية ستشيد جسرا من الورد بين زاهرة والمطرب وستكون الأغنية مسك ختام وصلته الليلية وهكذا .. ( أصبحا مقربين جمعتهما اكثر أغان التراث قربا الى قلبها../ 88 ) ..
خلافا لذلك سيكون تأثير الأغنية نفسها على شقيقها زاهر .. ( لم تثر تلك الأغنية مشاعر زاهر الذي كان برفقة زبائن أودعوا في شركته مبالغ مالية كانت تلك الأغنية بالنسبة إليه جزء من تراث عائلي مندثر يسمعها دون أن تلفت انتباهه انه يعيش حاضره وحسب ../ 101 ).. وستحاول زاهرة مرة أخرى وتستعمل أغنية ( عمي يابياع الورد ) كجهاز إنعكاس شرطي توجهه نحو زاهر، وستخيب نظرة زاهرة المسددة نحو شقيقها .. ( لم تر زاهرة أي استجابة تذكر ../109 ) وستبذل زاهرة جهدها مضاعفا في هذا المجال ..( احتفظت بقوة ملاحظتها لتعينها على اكتشاف الظروف التي جعلت من زاهر بارداً أزاء حدث، لم يزل يحتفظ برمزيته كعنصر مدمر لعائلتها، لم تكن تصدق ان حدثا داميا كهذا قد يطويه النسيان، مالم تكن معاناة زاهر الحالية أشد وأمضى من ذكرياته ../ 109 ) ..
لكن الأغنية ذاتها هي الشبكة التي ألقتها هزار بعفوية وأصطادت زاهرا في بداية السرد .. ( توقف زاهر تلك الليلة بعد أن سمع صوت أغنية عراقية يحبها يتسلل من بوابة ذلك الملهى نحو الشارع ../ 8 ).. وستقوم الأغنية والمغنية بإنزياح كبير في حياة زاهر ( نظر باتجاه مدخل التاج، وكانت تلك هي اللحظة الزمنية الفاصلة في حياة زاهر .. ) . وأنوثة الصوت لاتكتفي بمؤثرية الأغنية، فهي تتغاوى بإنشاد المنادى : ( بهرته بحركتها تلك فقد خصته بها وحده، لقد ذكرت اسمه، أحس بالدور، سألته عن اسمه فأجابها ../ 10 ) زاهر ليس غريبا على علب الليل وطقوسها، لكن بمؤثرية نطقها لاسمه ( اكتشف انه كان منفيا في جزيرة بعيدة وانه الآن يبحر صوت العالم الحقيقي، لقد كررت اسمه مرتين أثناء غنائها فأحس بالانتشاء../ 10 ) ..
(*)
تسعيد الحياة طبيعتها الغنائية الأولى بطبعة منقحة ومزيدة في حياة أزهر وهزار .. وتصبح المرأة المغنية ذات سيادة مطلقة ويكتفي أزهر بدور ثانوي متتم لها في الاعراس والحفلات
*المقالة منشورة في (طريق الشعب) 7/ 3/ 2017
*إسماعيل سكران / هزار/ دار المرتضى / بغداد / 2016