"لوريا"...نهاية السراب…

2015-02-17
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/4af9b161-e0bc-4fb4-b851-403ce192c05f.jpeg
 جداول تجري، سمفونية "موزار" تعزف على أوتار عود "زرياب"،
وقبلة "محمد" ترصع جبين"عيسى" بين أجرام السماء.
سكان الأطلس  يعبرون نحو الشمال، ليعلنوا عرس ابنهم من جنوبية، تحت سقف الفردوس بجزر "هواي".
تزهر أغصانهما بنطفة يختارون لها مرقدا بين أحضان شعب "الإسكيمو".
عَلِمَ "سلمان"حين انبلاج الصبح، أنه كان في ضيافة حلم يصارع السراب ليحيا خافقا...
**********
مضى عبر دروب الحياة بحثا عن الحياة،وبحثا عن صوت الحلم المخنوق بحبال الحدود، وحصى بقاع أرض الإله المستخلفة.
تغمره أسراب من أسئلة الجوى، وعشق العبور،تنقض عليه أحيانا مخالب الشوق بين جذور المسافات، حين يحن لحضن "لوريا" في الهناك.
لا يجد بدا من اعتلاء نسيمها كالعادة، يسابق ركب المسير في الشارع العام، يرصو على ضفة الأحلام المبعثرة يتربص خطاها، يترنح بابتسامة فياضة حين تصفعه صور العشاق يلتفون بين أبهى الحلل.
تَسَمَّرَ بمحذاة متجرها، فتح الباب على مصراعيه وهم بالدخول، يجول وسط معرض الثقافات المختلفة، يختلس النظرة من ركن لركن آخر...عطور...أساور من ساحل العاج... وأكمام الفساتين من قماش الهند، مرصعة بعقيق أبيض قبض بطقوس إفريقية.
على مكتب الأداء المَرْكُونِ يمينا، تجلس "لوريا" تُلاطمُ  أمواج عينيها أسوار قلبه، تغريه بشرتها السمراء، المتقاطرة فوق زيها الجنوبي المحتضن لكل ألوان الكون.
أمامها يصطف زبناء المتجر، لأداء ثمن ما استهواهم من حلي وفساتين من كل الهويات.
بعد برهة تأمل، ولحظة إصغاء لما تنثره الألسن، أخد "سلمان" مكانه في آخر الصف، يراقب "لوريا" بانذهال، يفتعل من حين لآخر حركات ليحضى بنظرة منها، ترقد حياته على أعتابها وكأنها بساط يقلُّ موكب الأحلام، ارتمت على فؤاده كنيزك، خلف التطامه عمقا تتيه فيه خيوط الإصباح، وعلى بعد نظرة شوق، تتجمد خطاه كأنها منغمسة وسط الأوحال .
أشارت إليه ليتقدم نحوها، مد يده ليصافحها فشدت يدها السمراء على يده للحظات:
*" أهلا بك...
نضع رهن إشارتك آخر ما استجد في سوق الموضة .
زي أمريكي وقبعات أوروبية، أساور من آسيا وأخرى إفريقية، وكذلك عطور مستخلصة من  أجمل ورود جنان أستراليا..."
قاطعها.. وهو يتحاشى النظر إليها خجلا :
* "جئت أ ط ل ب...أطلب... 
أجمل عرائس الجنوب.. قيل لي أن متجركم يحتضنها
أريدها طبعا عروسا سمراء، بعينين ساحرتين تضيئان غلس الليل".
لم تتجرأ على النطق بكلمة، حتى أحس بالثقل ينهال عليه من كل جانب.
وقفت تحدق إليه كأنها تحمل الرحيل بين عينيها،
وبعد مخاض عسير، تعاقب فيه المد والجزر على حروف معجمها المبعثر،
ردت بين شح الكلمات:
*"لم أفهم"
قالتها وهي تبعث ابتسامة كأنها تغيضه بها.
وقبل أن يبادر بكسر التردد، وضعت يدها اليمنى على كتفه الأيسر وأردفت :
*"ما اسمك ..؟ وما اسم العروس التي جئت من أجلها ؟"
رد عليها باطمئنان كبير:
*"اسمي سلمان
أبحث عن من أمطرتني  جمر الحب، فلم يهدأ لي بال إلا برؤيتها"
نظر في عينيها مليا وتابع حديثه:
*"أتيتها 
أبسط جناح الحب فوق فردوسها
أغتال رؤى الأعادي..
قبل أن تهجع بين أحضانها
أصبو نظراتها
ولاسيما حين تبعث خيوط نورها نحوي
وحين تدركني 
لحظة غفوة الأنفاس 
حين تنبسط 
رحمة للقلب 
متخفية بين رقة عينيها..."
ملأ الصمت أرجاء المتجر، فاقترب منها "سلمان"  ثم ضمها إليه وهمس في أذنها:
*"اسمها لوريا
ولن يثنيني أحد من اقتسام هويتها
سأجعل منها أرضا تأوي الحلم القابع في منفى السراب،
لتنبثق من حدائقها كل ألوان الطيف...  


إضاءات:
-عيسى ومحمد: لهما دلالة ومرجعية دينية (تجسيد للتسامح الديني) 
-موزار وزرياب: لهما ارتباط بمجال الفن، يشيران للكونية في النص ويجسدان التلاقح بين الفن العربي والفن الأوروبي
- الإسكيمو: هم شعب يسكن في شمال الكرة الأرضية، والاسم يدل على التلاقح الحضاري
- سلمان و لوريا: أبطال القصة،  كما  يجسدان العشق الكوني
(سلمان:عربي من قاطني الأطلس*ـــــــ* لوريا:من سكان الجنوب الإفريقي)

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved