علي مولود الطالبي في ضوء الماء يخلق كونا آخر

2012-10-31

 اللون وما يحتويه في جعبته من مضامين كبيرة ، يتضح لنا كونا من العوالم الأخرى الغير مكتشفة من خلال نافذة لوحة ما ...ديوان ضوء الماء للشاعر العراقي علي مولود الطالبي يصور لنا عالما كونيا كاملا ، من حيث الشكل والمضمون والفكر والطرح ، وقفت عنده وأنا اتامل متذكرة الرسام والمخترع الأمريكي ألبرت هنري مونسل المخترع لنظام الألوان "مونسل" حين كان يدرّس الفن ويغوص في أعماق الفن الفطري والاصطناعي، تخيلت كيف لهذا الديوان الشعري أن يمثل كونا على نافذة ورق ؟؟؟ هناك رمزية وواقعية ورومانسية تتضح جليّة على غلاف الديوان، حرص عليها الشاعر ولّقنها للرسام الذي نحت لوحه على ثيم المعنى، فلو وقفنا على لون الكتاب سنرى استحواذ لون " الأزرق " عليه وهذا يؤكد إن الشاعر متيقن جدا أن الأزرق هو لون السماء وأننا كبشر نعشق هذا اللون لأنه يحيلنا إلى خيال خصب وراحة نفسية كما يقول الفرنسي غبريال جوناث ليبمان " الألوان ابتسامة على وجه الأرض من قطرات السماء " فبهذه اللمحة الفنية للون الأزرق أنتجت سماء أخرى يسعى الشاعر إلى أن يحلق فيها ويأخذ القراء في نزهة شعرية عذرية ليسكنوا معه فيها ويتناولوا ثمار شعره على مائدة من فخار القصيد، سيطر اللون الأزرق على مجمل الكتاب وهو إيحاء صوفي مسترسل المعنى إلى نظرة بعيدة المضمون في إيصال الروح إلى السماء ...بيد أن عنونة الديوان " ضوء الماء " المنتجة من الألوان المركبة التي تنتج الذهبي قد اكتست بهذه الصبغة الفنية، وهو بذلك يوحي لنا سيكلوجيا أن الشمس حين تلقي كفها على الماء يذوب هذا اللون في مساماتها ناطقا هذا الخليط الكوني الأنيق، ثمة وقفة أخرى أجدها بزاوية مركونة؛ أن الشاعر وبمقدرته الإيمانية التي تضج بكلماته الهادرة ، قد أوحى لنا أن هذا اللون المذهب هو معدن الحروف متيقنا بان الكلمة ذهب وان الشعر كلمات ذهبية وان الجمل هي أثمن وأنفس المعادن التي يمكن أن نحصل عليها اكتسابا من جواهر الواق ، أجد هذه التقنية الفنية المبصرة المتبصرة ذكية جدا للخوص فيها . فيما جاءت اللوحة الفنية التي اشتركت يد الفنان بروح الشاعر، وكأننا نتخيل أن التراص والتوارد الفكري والتعبيري قد يكون واحدا في بنائها، وهذه نقطة قوة متينة تؤشرها نصوص شاعرنا الذي استطاع أن يجعل حروفه تخترق روح ووجد القارئ بغض النظر عما إذا كان فنانا أو غيره، اللوحة تحكي ما تضمنه الديوان وما يحتويه العالم الذي أسس له الشاعر ببينونة ناصعة المضمون، إذ نرى أن الوجه في لوحة الفن قد انقسم إلى قسمين، الأول هو نصف وجه بشري، وهو من دون طيف شك وجه الشاعر الظاهر إلى الناس بحكم صنيعته ونبضه المفضوح، والآخر هو سجن ذلكم النصف الذي يحتويه الوجه المعبر بالمدلولات السريالية على أن المرأة نصف هذا الشاعر أو أن المرأة نصف الكون كما يؤمن أو أن المرأة وجه آخر مسجون في حدق الشاعر أو أن المرأة تكمّل هذا الشاعر ودونها فهو لا يكون إلا نصف إنسا ؛ أي بمعنى أدق انه دونها لا يكون موجودا، أو ربما هناك إشارات ضمنية عجزت عن تفسيرها مخيلتي وقد قصدها الشاعر عن عمد بيد ذلك الفنان المتأثر بحرف الديوان إلى حد أن تبدو فرشاته نبضة الشاعر ..... المرأة هذه تعبت من الجلوس في ذلكم القفص الموشّم في وجه الطالبي، فأرادت أن تتحرر وان تتنفس رحيق الكلمات ،،، وهنا أود أن اشير إلى التفاتة ذكية ومدهشة وطفرة نوعية أسجلها بورق الإعجاب والذكاء المفرط للشاعر انه اختار هذه الإيحاء تزامنا مع ربيع الثورات العربية، فهو هنا يؤكد على فطرة وحس وتنبؤ وشعور واستقراء وفهم وإحاطة واتزان فكري عاطفي منطقي عقلاني حسي صادق للواقع، مؤكدا أن الشعراء أنبياء مشاعر لاسيما وان صدور الديوان كان سالفا للثورات بوقت قصير جدا ..... المرأة كسرت باب السجن وخرجت حمامة عذراء محلقة في الفضاء، واجد هنا كمتخصصة في مجال التصميم أن الشاعر قد اخذ عين المصمم وسكبها في كاس الغلاف من خلال الفراغ والتدرج والتباين والدقة والبعد الثالث ( العمق ) وهو يؤكد كما تقدمت بشروحه انه كون على رقعة كتاب، اختيار الحمامة لتكون تعبيرا عن الأنثى هو اختيار رقيق عذب سلس مرن شيق فيه أنوثة، وفيه إكرام للمرأة التي أرادها أن تكون كحمامة عذبة زرقاء كلون السماء ورسل الماء؛ وهو هنا يؤكد على حمامة السلام التي جعلها تتجلى واضحة المغزى في تلكم المرأة المسجونة في دواخله لتكون هكذا محلقة معانقة الفضاء، تبشيرا منه وتزامنا مترابطا مع إيحاء الثورات العربية بان المرأة لابد أن تتحرر من قيودها وتحلق في الفضاء لذلك نبه الفنان على أن يختار جنح الحمامة طائرا، وهنا دليل واضح على مدى إنصاف الشاعر للمرأة ومدى تأكيده على نصفها المجتمعي وحقها في حريتها وتحليقها الأغر في مدى الوجود، بعد أن تحررت وخرجت الحمامة من فم كون الطالبي فتاة غجرية تلطم الشمس والغيم بصوت شعره لتنزل حبات المطر كورقات من نرجس وعطرجوري ، على كنوز الأرض الذي اكتست بها عشبة ارض اللوحة الخضراء؛ كانت لمحة منه إلى أرضية الوجود التي ستعيش عليها أشعاره خالدة في وجدان من يمر عليها من خلال هذه الورقات التي هي مفاهيم واضحة لما في المتن من نصوص مهمة ومؤثرة ومؤثثة وفاغرة الجمال وحنينة العود، وبعد هذا نقف بتأمل منصف لما جاء في متن الغلاف لنحقق قانون المعادلة كيف أن الطالبي جعل من غلاف ديوانه الشعري كون متكامل والدليل :سماء _ ارض _ شمس _ مطر _ عشب _ رجل _ امرأة _ سجن _ حرية _ شعر .....هذا هو فضاء الشاعر علي مولود الطالبي في كونية غلافه المترف، الذي طرزه باسمه المخطوط باللون الأسود وهو سيد الألوان كما يقولون في اتكيتات الملبس وفنية المناسبات، وأيضا تعلق ظهر الديوان بتحفة فنية مختزلة مكثفة وافية للشاعر راهب برلين والناقد سامي العامري الذي أنصف الطالبي بحروف نهمة، مؤسسا بذلك شاعرنا الرسالي مستقبلا يزخر بالكثير من العطاء والخير المنتظر على بريد الشعر الموسوم في خلجاته المغتربة الآن والنابضة بالحنين إلى الوطن وكنف الدار، مما يعطي مدلولا واضحا وجليا على ما ستؤثره هذه النقلة في حياته من علم ومعرفة وتجربة وتلاقح معرفي وشعري على أيامه القادمة، والأمل بالتوفيق .

هــالـة حـمـدي

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved