الرابع عشر من تمّوز، يأتي، لكنْ، كما تأتي أيّامُ العرب البائدة .
ما نفْعُ أن أحكي لكم، أين كنتُ، وكيف تصرّفتُ، ومع من التقيتُ ؟
كلُّ ما حقّقته ثورة الرابع عشر من تموز 1958، ووعدتْ به، تبخّرَ في الهواء المسموم .
العراق، اليوم، يتحكّم به جواسيسُ يتباهَون بأنهم جواسيس .
ويفصِدُ دمَه حتى الموت، لصوصٌ ذوو عمائم، أو قبّعات .
والشعب ؟
ليس من شعبٍ .
الملايين، حُفاةً، يزحفون إلى " الزيارة "، متلذذين بالحمّص والقيمة والدم على الصدور، يلطمون، ويولولون .
النخبة ؟
كلُّهم باسطٌ كفّيه :
أعطِنا رِزقَنا ...
ما ذا أقول ؟
ولِمَ أستعيدُ ؟
أقولُ لكم إنني كنت في القاهرة، في تموز 1958، أسكن في عوّامةٍ نيليّةٍ .
ذهبتُ صباح الرابع عشر من تموز إلى مُجمّع ساحة التحرير، كي أجدد إقامتي . مازحَني الموظف : الله، أنتم الآن مثل فرنسا !
ظننتُ الرجلَ خرِفاً .
في الشارع انتبهت إلى أن الناس علّقوا آذانَهم بالمذياع .
قلت : أذهبُ إلى العتَبة، حيث " رابطة الطلبة العرالقيين " .
هناك عرفت القصة كاملةً .
كان هناك نوري عبد الرزاق حسين، نصير الجادرجي، فيصل الحجاج، لميس العماري زوجة نوري عبد الرزاق ...
حملنا لوحة تحمل اسم " الجمهورية العراقية " وانطلقنا نحو السفارة . قال لنا الضابط المصري : أنا معكم، لكني مكلفُ بالحفاظ على أمن الناس .
مذيعة برنامج " على الناصية " أجرت مقابلاتٍ معنا .
*
لم يبقَ، اليوم ، حتى الشهود :
نوري عبد الرزاق رحل . لميس في دارٍ للعجزة في برلين . فيصل الحجاج ( طالب طبّ ) قتله البعثيون في انقلاب 1963 . نصير الجادرجي أمسى في مجلس الحُكم . التقيتُه في مطعم بعمّان مع باسم مشتاق . قال لي : لِمَ لا تأتي إلى بغداد، معي ؟
آنَها كانت جوانا ماكنَلي ( الشاعرة الأسكتلندية ) صديقتي .
سألتْه : أتضمن حياة سعدي ؟
قال نصير، مشكوراً : لا أضمن !
*
أنا ممتَنٌّ لنصير الجادرجي ...
لكني سأظل أتذكّرُ أباه، في مقر الحزب الوطني الديمقراطي، حين أتيناه، باسم الطلبة المتظاهرين في 1952، نطلبُ عون الحزب وصحيفته " الأهالي " .
كامل الجادرجي كان قدِّيسَ السياسة في بلدٍ لا يستحقُّ .
لندن في 11.07.2020