ليس مِنْ جدوى

2020-07-12

 

الرابع عشر من تمّوز،  يأتي، لكنْ، كما تأتي أيّامُ العرب البائدة .

ما نفْعُ أن أحكي لكم، أين كنتُ، وكيف تصرّفتُ، ومع من التقيتُ ؟

كلُّ ما حقّقته ثورة الرابع عشر من تموز 1958، ووعدتْ به، تبخّرَ في الهواء المسموم  .

العراق، اليوم، يتحكّم  به جواسيسُ يتباهَون بأنهم جواسيس .

ويفصِدُ دمَه حتى الموت، لصوصٌ ذوو عمائم، أو قبّعات .

والشعب ؟

ليس من شعبٍ  .

الملايين، حُفاةً، يزحفون إلى " الزيارة "، متلذذين بالحمّص والقيمة  والدم على الصدور، يلطمون، ويولولون  .

النخبة ؟

كلُّهم  باسطٌ كفّيه :

أعطِنا رِزقَنا ...

ما ذا أقول ؟

ولِمَ أستعيدُ ؟

أقولُ لكم إنني كنت في القاهرة، في  تموز 1958، أسكن في عوّامةٍ  نيليّةٍ  .

ذهبتُ صباح الرابع عشر من تموز إلى مُجمّع ساحة التحرير، كي أجدد إقامتي . مازحَني الموظف : الله، أنتم الآن مثل فرنسا !

ظننتُ الرجلَ خرِفاً .

في الشارع انتبهت إلى أن الناس علّقوا آذانَهم بالمذياع  .

قلت : أذهبُ إلى العتَبة، حيث " رابطة الطلبة العرالقيين "  .

هناك عرفت القصة كاملةً .

كان هناك نوري عبد الرزاق حسين،  نصير الجادرجي، فيصل الحجاج، لميس  العماري زوجة نوري عبد الرزاق ...

حملنا  لوحة تحمل اسم " الجمهورية العراقية " وانطلقنا نحو السفارة . قال لنا  الضابط المصري : أنا معكم، لكني  مكلفُ بالحفاظ على أمن الناس .

مذيعة برنامج " على الناصية " أجرت  مقابلاتٍ معنا .

*

لم يبقَ، اليوم ، حتى الشهود  :

نوري عبد الرزاق رحل . لميس في دارٍ للعجزة في برلين . فيصل الحجاج ( طالب طبّ ) قتله البعثيون في انقلاب 1963 . نصير الجادرجي أمسى في مجلس الحُكم . التقيتُه في مطعم بعمّان مع باسم مشتاق . قال لي : لِمَ لا تأتي إلى بغداد، معي ؟

آنَها  كانت جوانا ماكنَلي ( الشاعرة الأسكتلندية ) صديقتي .

سألتْه : أتضمن حياة سعدي ؟

قال نصير،  مشكوراً : لا أضمن !

*

أنا ممتَنٌّ لنصير الجادرجي ...

لكني سأظل أتذكّرُ أباه،  في مقر الحزب الوطني الديمقراطي، حين أتيناه، باسم  الطلبة المتظاهرين في 1952، نطلبُ عون الحزب وصحيفته " الأهالي " .

كامل الجادرجي كان قدِّيسَ السياسة في بلدٍ لا يستحقُّ .

 

 

لندن في 11.07.2020

 

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved