في صيف عام 1847 كان الشاب ويليام طومسون ( الذي أصبح فيما بعد لورد كلفين العظيم ، الشخصية البارزة في العلم البريطاني) يتجول في منطقة جبال الألب منتجع السادة البريطانيين ، بين شاموني وقمة مون بلان . وهنك إلتقى بسيد بريطاني آخر، أحس بأنه غريب الأطوار والسلوك. ذاك كان هو جيمس جول والذي كان يحمل مقياس حرارة ضخما ، وتتبعه زوجته في عربة على بعد مسافة قصيرة ، لقد أراد جول طوال حياته أن يبين أن الماء عندما يسقط من علو 778 قدما ترتفع درجة حرارته بمقدار درجة فهرنهايت واحدة . والآن إغتنم جول فرصة شهر عسله لزيارة شاموني ( تماما كما يزور الأزواج الأمريكيون شلالات نياغارا) ليجعل الطبيعة تجري له هذه التجربة . فالشلال هنا نموذجي ، ومع أن إرتفاعه لا يصل إلى 778 قدما ، إلا أن مسقطه كافي للحصول على إرتفاع في درجة الحرارة قدره نصف درجة فهرنهايت . ومع الأسف لم ينجح فعليا في تحقيق هدفه لأن الشلال يتكسر كثيرا الى رذاذ ، مما أدى الى فشل التجربة .
إن قصة هذا العالم ، مثل غيره من العلماء في أعمالهم العلمية الغريبة ليست عديمة الصلة ، بما إستطعت أن أستخلصه من متابعة إنجازاتهم الكبيرة .. حيث أن مثل هؤلاء الأناس هم الذين جعلوا الطبيعة رومانسية ، كما أن الحركة الرومانسية في الشعر سارت مع هؤلاء العلماء خطوة خطوه ، ولمست ذلك جليا في شعر شعراء مثل "غوته" ( الذي كان عالما أيضا ) .. وفي موسيقى موسيقيين مثل "بيتهوفن" . ورأيت ذلك أول كل شئ في شعر " ورد زورث" .. حيث وجدته بأنه يرى الطبيعة كخفقات متسارعة للروح ، لأن الوحدة فيها كانت مباشرة وآنية في القلب والعقل ، وكان " ورد زورث " قد مرّ عبر جبال الألب عام 1790 عندما جذبته الثورة الفرنسية الى القارة الأوربية . وقال عام 1798 في قصيدته (( دير تنترن)) ما لا يمكن أن يقال بشكل أفضل :
" لأن الطبيعة بالنسبة لي كانت كل شئ .. لا يسعني إلا أن أرسم ما كنته آنذاك .. فقد ظل هدير الشلال يطاردني مثل العاطفة " .
" إذا فالطبيعة بالنسبة له هي كل شئ " .. وهذا ما لم يستطع جول أن يعبر عنه بمثل هذه البلاغة ، ولكنه قال بالفعل (( إن العوامل الكبيرة في الطبيعة سرمدية وغير قابلة للفناء)) وكان بذلك يعني نفس ما عناه " ورد زورث" .
فلا غرو إذا ما إستطعت أن أجزم ، بأن كل عمل إبداعي كبير ، تمتعت به البشرية ، كان يسبقه حلم رومانسي ومن ثم يتم تحقيقه بجهد العلماء والشعراء الرومانسيين ، الذين أدركوا أن الريح والبحر والنهر والبخار والفحم قد نجمت كلها في الأصل من حرارة الشمس . وإن الحرارة إنما هي شكل من أشكال الطاقة ، لقد فكر رجال عديدون في ذلك ولكن الرجل صاحب الفضل في تقرير هذه الحقيقة هو" جيمس برسكوت جول "ِ من مانشستر والذي ذكرت إسمه في مطلع هذه الحكاية الظريفة عنه