مع رائعة "رجال في الشمس" للكاتب الشهيد غسان كنفاني

2021-07-11

 الكاتب الشهيد غسان كنفاني سيظل الأيقونة الفلسطينية للأدب المقاوم من خلال القصص والروايات التي كتبها وخطها يراعه المبدع، وذلك كحالة تعبيرية سياسية وإنسانية عن الجرح النازف والهم الوطني والوجع الفلسطيني، وضرورة استمرارية الصراع وعدم الضياع في تفاصيل الهزيمة، التي تجعل الفلسطيني يبتعد عن اللإنتماء المتواصل والمستمر لفكرة التحرر والإنعتاق والخلاص من ربقة الإحتلال الجاثم على صدر شعبنا . 

وفي كل كتاباته يركز غسان على قضايا الوطن والمعاناة الفلسطينية والتمسك بالأرض والثبات على المواقف والثوابت . وتعد رائعته "رجال في الشمس" من أشهر الروايات التي لقيت رواجاً واسعاً، وحظيت باهتمام كبير، وأخذت قيمة أدبية أكثر من سواها من رواياته وروايات غيره من الروائيين الفلسطينيين والعرب، بسبب ما تحمله من رمزية للتراجيديا الفلسطينية وتحوّل أكثرية الشعب الفلسطيني إلى لاجئين مشردين في الخيام السود . 

فهي رواية تبرز كم هو حجم البؤس والألم الذي يتحمله الفلسطيني المطرود والمشرد من بيته وأرضه ووطنه بحثاً عن حياة جديدة في بلاد أخرى . 

هذه الرواية كتبها غسان في العام 1962 وهو في بيروت، وهي رواية الشعب الفلسطيني بأكمله، وتجسد صورة الإنسان الفلسطيني المشرد والمشتت والضائع في مخيمات اللجوء والتشرد، فضلاً عن كونها صورة الإنسان الذي يفقد هويته ولا يعرف كيف المفر وأين اللجوء . ؟ 

تتمحور الرواية حول أربعة رجال هم : أبو القيس وأسعد ومروان وأبو الخيزران . وما يجمع هؤلاء الرجال أن لكل واحد منهم مشكلته الخاصة، إضافة إلى مشكلة وطنهم الفلسطيني/ الأم . وهؤلاء جميعًا يجسدون حالة الخلاص الفردي بمعزل عن الجماعة والجماهير الفلسطينية، ومصيرهم الفشل الذريع والهلاك في الصحراء، بعد أن فقدوا جميع سبل العيش، وكل ذلك بسبب الإحتلال الصهيوني . 

تحكي الرواية قصة رجال ثلاثة اتفقوا على الذهاب للكويت للعمل من خلال التهريب، وفي مدينة البصرة العراقية تجمعهم الصدفة بالرجل الرابع أبو الخيزران، وهو سائق صهريج الماء الفلسطيني، الذين ينتمي للقرية نفسها التي ينتمي إليها أبو القيس، وبعد مداولات تم الإتفاق معه على تهريبهم للكويت بشرط نزولهم إلى الخزّان لعدة دقائق عند عبور الحدود العراقية الكويتية واخراجهم منه بعد انتهاء المعاملات المطلوبة . 

وقد وافقوا على هذه الشروط رغم القيظ وحرارة الصيف اللاهبة المرتفعة، وذلك لانعدام الخيارات المطروحة أمامهم، وعانوا الكثير في رحلتهم وزادت معاناتهم أكثر عند دخولهم الخزّان لأول مرة على الحدود العراقية وكادوا أن يموتوا لولا أن أسرع أبو الخيزران لإنقاذ حياتهم في اللحظة الأخيرة، وعند وصولهم الحدود الكويتية أدخلهم أبو الخيزران مرة ثانية إلى الخزّان، وفي هذه المرة كان وقت المعاملات للدخول طويلاً للغاية، نظراً للنقاش مع رجالات الحدود، الذي يعرفونه من قبل، وما أن عاد حتى وجدهم جثثاً هامدة، لتنتهي الرواية بعبارة أبي الخيزران "لماذا لم تدقوا جدران الخزّان" . ؟ 

ويمكن القول أن الرواية هي إطار رمزي لعلاقات متعددة حول الموت الفلسطيني باتجاه اكتشاف الفعل التاريخي عن هذا الفعل انطلاقاً من طرح السؤال البديهي : لماذا لم تدقوا الخزّان . وقد أراد غسان كنفاني من وراء هذا السؤال أن يقول لماذا لا ينتصر العرب لقضية فلسطين، ولماذا لا يشاركون في حرب التحرير للخلاص من الإحتلال البغيض وعودة المهجرين إلى ديارهم . 

إنها باختصار رواية الصوت الفلسطيني الذي ضاع طويلاً في خيام البؤس والشقاء والتشرد، الذي يختنق داخل عربة يقودها أبو الخيزران، الشخصية الإنتهازية العاجلة، التي حملت أولئك الرجال الثلاثة إلى جحيم الموت، وتكشف طبيعة العلاقة الصِدامية بين الواقع السياسي العربي المتردي المتهاوي، والكفاح الوطني التحرري الفلسطيني، وفيها نرى أن غسان كنفاني ذو نفس قصير، وجمله مكثفة تختزل الحالة الشعورية لأبطاله، وأسلوبه التصويري مشوق إلى أبعد حدود . 

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved