معالم طريق الإنسان في الحياة

2021-07-30

1

     تحويل الأفكار الثقافية إلى ظواهر اجتماعية يتطلَّب إزالة الحدود بين الشعور والوَعْي، وفتحهما على تاريخ الوجود الإنساني بكل تفاصيله . والغايةُ من هذه العملية تكوين أساس منطقي للمجتمع، باعتباره نظاماً للمعاني الرمزية في سُلوكيات الفرد واتِّجاهات الجماعة، ومنظومةً للتجارب الوجدانية والتغيرات المادية . ولا يُمكن للمجتمع أن يجد هُويته الشخصية ومَعناه الوجودي وماهِيَّته التاريخية إلّا إذا انفتحَ على نَفْسِه، وفَكَّ العُزلةَ عن أنساقه الداخلية، وكَسَرَ الحواجزَ بين دَلالات الوَعْي وتطبيقاته . والإشكاليةُ المركزية في بُنية العلاقات الاجتماعية لَيست شُعور الفرد بالغُربة، وإنما اغتراب المجتمع عن ذاته، بسبب غرقه في متاهة النظام الإستهلاكي المُغلَق، وهذا يُشعِر الفردَ بأنه مُنفصل عن الفاعلية الشعورية والتفاعلِ الاجتماعي، وأنَّه يَدُور في حَلْقة مُفرَغة، وعاجز عن إيجاد مكان له في سِياق عملية الاتِّصال بين أجزاء المجتمع . وإذا وَجَدَ الفردُ نَفْسَه خارج عملية الإتِّصال الاجتماعي، فقد القُدرةَ على التواصل مع العناصر الثقافية والمُكوِّنات اللغوية . وهكذا تتكرَّس القطيعةُ المعرفية بين التَّصَوُّرات الذهنية المُجرَّدة والتطبيقات الاجتماعية المحسوسة .

2

     القطيعةُ المعرفية لَيست حركةً ميكانيكيةً في الزمان والمكان، وإنَّما هي عَجْزُ الفرد عن إسقاط المعنى الإنساني على طبيعة العلاقات الاجتماعية، وعَجْزُ المجتمع عن تأويل الفِعل الاجتماعي بما يَضمن تحقيق مصلحة الجُزء والكُل . والغايةُ من الفِعل الاجتماعي هي حماية الفرد مِن نَفْسِه، وحماية الإبداع الفردي من ضغط العقل الجمعي . وهذه الحمايةُ المُزْدَوَجَة مِن شأنها إنتاج خِطاب عقلاني يَحفظ التوازنَ بين الشعور والوَعْي، ويُولِّد علاقات اجتماعية جوهرية تملك القُدرةَ على التفسير والتغيير، ويَصنع عوالم معرفية تُحوِّل المفاهيمَ الفكرية إلى طاقة رمزية، وهذا يضمن تطوُّرَ العلاقات الاجتماعية في السياق المعرفي شكلًا وموضوعًا، وبالتالي، يَكتسب تاريخُ الوجود الإنساني شرعيةً فكريةً، ودَلالةً منطقيةً، وفلسفةً منهجيةً . وهذه الأسلحةُ المعنوية تَقُود إلى الوَعْي بالذات لإعادة صناعة الذات .

3

     إذا تكرَّسَ الشعورُ كبُنية لغوية رمزية، وتجذَّرَ الوَعْي كصياغة معرفية تعبيرية، فإنَّ كُل فِكرة ثقافية سَتَؤُول إلى ظاهرة اجتماعية، لأن الشعور والوَعْي يُكوِّنان خصائصَ المنهجِ الاجتماعي، المحكومِ بالآلِيَّات الفكرية، والحاكمِ على الأدوات الوظيفية، وهذا المنهجُ قادر على تأسيسِ العناصر الثقافية على قاعدة الدَّلالة المنطقية، وتوليدِ التراكيب الاجتماعية من أجل تغيير الواقع . وهذه القدرة الذاتية للمنهج تعمل على تحويل الفِكرة الثقافية إلى ظاهرة اجتماعية تدريجياً . وبشكل عام، لا يُمكن تحويل الفِكرة إلى ظاهرة إلّا في ظِل وُجود منهج عقلاني يُولِّد الأنساقَ التاريخية لتوظيفها في المجتمع من أجل نقله من الآلِيَّة الميكانيكية إلى الشعور الإنساني، ومِن الغَيبوبة إلى الوَعْي، ومِن التلقائية إلى القَصْدِيَّة، ومِن الحاضر إلى المُستقبل .

4

     رحلةُ البحث عن معنى لكِيان الإنسان وجوهر الوجود، لها محطات فلسفية لا يُمكن الالتفاف حَولها أو القفز فَوقها، وهي : الشعور ، والوَعْي، والمنهج، والفِكرة الثقافية، والظاهرة الاجتماعية . ومحطاتُ رحلة البحث عن معنى هي معالم طريق الإنسان نَحْو ذاته وذات المجتمع . وتحرُّكُ الإنسان في المجتمع هو _ في حقيقة الأمر _ تحرُّك الإنسان باتجاه ذاته لاكتشافها من جديد، وإعادة تركيبها على قواعد المنهج العِلْمي المُستمدة من ذات المجتمع القائمة على الوَعْي الروحي والوَعْي المادي . وحركةُ الإنسان في داخل المجتمع هي مسار وجودي في داخل الإنسان، لأن الإنسان لا يستطيع التحركَ في طبيعة العلاقات الاجتماعية بمعزل عن شُعوره الشخصي ووَعْيه الذاتي . والمنهجُ هو البناء العقلاني الذي يجعل مسارَ الإنسان في داخله وداخل المجتمع مُتَّصِلًا بلا فجوات ولا عقبات . والفكرةُ والظاهرةُ هُما الإطار العام لخريطة طريق الإنسان إلى اكتشاف ماهِيَّته، وتحليلِ طبيعة المجتمع .

إبراهيم أبو عواد

كاتب من الأردن

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved