لم يكن فرار الأسرى الفلسطينيين الستة من الباستيل الاحتلالي في الجلبوع قراراً عادياً، فقد تحرك هؤلاء الأسرى للفرار من أتون الجحيم إلى الحرية بعد أن فقدوا الأمل بإنقاذهم من قبل الآخرين، وسئموا وعود وأكاذيب من يزعمون دعمهم ومساندتهم للأسرى، وبأنهم يسعون لتحريرهم .
لقد نجح هؤلاء الأسرى بحفر نفق تحت زنزانتهم في سجن الجلبوع شديد التحصين، بملعقة صدئة، واخترقوا أغلال وأسوار السجن نحو الفضاء المفتوح، وتحرروا بجهودهم الذاتية .
ومن الواضح أن هؤلاء الأسرى تمتعوا بذكاء خارق وقدرات عالية على التخطيط وأعصاب حديدية، مكنتهم من اختراق المنظومة الأمنية الاحتلالية في واحدة من نقاطها التي تتباهى بها .
وقد اعترفت المؤسسة الإسرائيلية بأذرعها المختلفة وأجهزتها الأمنية والشرطية بسلسلة من الإخفاقات المنهجية البنيوية التي قادت إلى نجاح هذه العملية التي أذهلت الجميع، ولم نرَ مثلها إلّا في الاعمال السينمائية والأفلام الهوليودية، ولم تشهد لها إسرائيل سابقة في تاريخها .
إن هروب الأسرى الستة شكل ضربة قاسية وموجعة للمؤسسة الصهيونية الحاكمة، من الناحيتين السياسية والأمنية، وكشفت اخفاقاً أمنيًا واستخباريتاً ذريعاً، وخسارة للإسرائيلي أمام الفلسطيني المدجج بالإرادة الصلبة، الذي لا يعرف اليأس والكلل ولا المستحيل، وبات يحقق الانتصار تلو الانتصار في معركة الوعي والتحرير الوطني .
وللتغطية على فشل المنظومة الأمنية رغم امكانياتها الهائلة، دفعها إلى التصرف بحالة هستيرية وارتباك وتخبط، فشددت التضييق والخناق على الأسرى الفلسطينيين في سجونها المتعددة، وقامت بالتنكيل بهم، ما دفع إلى حالة من التوتر والمواجهة بين سلطات السجون وأسرى الحرية الفلسطينيين الذين انتفضوا ضد الإجراءات الإسرائيلية بحقهم انتقامًا منهم، وأشعلوا النيران بزنازينهم .
ولا شك أن هذه الإجراءآت الانتقامية نابعة من خشية السلطات الإسرائيلية وتخوفها أن يستلهم أسرى فلسطين هذه العملية النوعية الإبداعية للتحرير ومعانقة شمس الحرية .
يجب التحذير من مغبة الاعتداءات على الأسرى، وتصعيد المواجهة ضد شعبهم المتضامن معهم، ومواصلة التنكيل بهم، والإصرار على قمع وإخضاع شعبنا الفلسطيني، فبحكم حقائق وتجارب التاريخ لا يمكن ضمان الأمن والاستقرار والهدوء لدولة الاحتلال بإخضاع وإذلال للشعب الواقع تحت نير الاحتلال، بل يزيده ذلك إلا كفاحًا ومقاومة وأيمانًا بعدالة قضيته، والإجراءات الجديدة بحق السجناء والأسرى الفلسطينيين هي انتقامية وليست أمنية فحسب .
وعليه، فإن الحل الوحيد لضمان الاستقرار والهدوء يكمن بالرضوخ الإسرائيلي للحل السياسي العادل، الذي يحترم الحقوق الوطنية والإنسانية لشعبنا الفلسطيني، بإنهاء الاحتلال وإفراغ الباستيلات الاحتلالية من الأسرى الفلسطينيين. ويبدو أن المعركة ضد السجناء أخذت تشتد وتحتدم وهم بحاجة إلى دعم ومساندة جدية ومؤازرة فاعلة من مكونات الشعب الفلسطيني ومن المنظمات والمؤسسات الحقوقية والعالم قاطبة .