إلى شجر ٍ لا ينام
: أحمد دحبور.. سالم جبران .. معين بسيسو.. أميل حبيبي وتوفيق زّياد
1-2
هذه رواية، تجعلك لا تفارقها، حتى بعد الأنتهاء من قراءتها، تجعلك متفاعلا بعمق مع ما رأيت واستروحت، وتعايشت، وهذا التفاعل النصي ينتج سؤال الدهشة : أي موهبة روائية حرفية يمتلكها الروائي المقدسي فوزي عبده ؟ ثم تجيب بنفسك على سؤالك،إذا كنت قد قرأت رواياته الأخرى . .
(*)
رواية (عمرة) تسمح لنا بقراءتها على مستويات متباينة، ثمة مشيدات في الرواية واضحة المعالم وكل المستويات ملجومة بالتفاوض، هذا الفعل الذي يستحق خطاطة خاصة، مصحوبة بعملية إحصائية، فهو الفعل نبض الرواية المتدفق بغزارة، بين الشخوص فهو يؤثل عقدا اجتماعيا بين شخصين أو بين شخص ٍ وأشخاص .
(*)
التفاوض السردي شبكة توسق النص كله، ومفهوم التفاوض السردي : تعود براءة اختراعه لي شخصيا، أعلن ذلك بعد ان شعرت ُ في الآونة الأخيرة ثمة سطو على مشغلي السردي المتواضع. وكذلك الكمون النصي فقد طبقته في مقالتي عن الروائي العراقي البصري مهدي عيسى الصقر في روايته (الشاهدة والزنجي).. وتنتظم سيرورة السرد عبر متقابلات نشخصنها كالتالي :
- الفكاهة ----------- السخرية
- المرئي ---------- الشبحي
- البراني -------- - الجواني
(*)
ثمة غموضات تكتنف أحداث الرواية وشخوصها بعض الغموض سيوضحها السرد لنا عبر الكمون النصي وما يتبقى .. يهبنا النص الروائي حرية ً في تصنيع مفاتيحنا .
(*)
(عمرة) رواية تفوح فكاهة، من صفحاتها الأولى، وفكاهيتها : عنصرٌ حيويٌ في نسيجها السردي المعمول بالتناوب فالسارد المطلق له حيزه، ضمن جوقة من الأصوات المساهمة في تنموية السيرورة النصية، الشخوص تتناوب حصصها في السرد، إلاّ الشخصية المحورية فهي خارج الخصصة السردية : عمرة تحاور وتصغي لكنها لا تختلي بمنولوغ .
الرواية مسافتها (270 صفحة) والفكاهة فيها ذات قيمة جمالية، تنطلق من الكائن النصي وتشحن الكيان الإنساني بالإنبساط، والكمون الوظيفي للفكاهة هو أنها محاولة مجتمعية لترميم النقص، وتتكشف عبر الأندراج السردي، كمونات السرد وتماوجات المرئي والشبحي.. والفكاهي يتوازى مع السمت العسكري والعقلانية الممقوتة فيما تبثه شخصية عمرة (التي لا تبتسم ولا تظهر أي ردة فعل ../27).وبشهادة حسّان وقد تزوجها للتو (دلفت إلى الخيمة فأستقبلتني بنظراتها التي تخلو من أي تعبير وسألتني أن كنت جاهزا../ 67) فتصور أن عليه أن يخلع ثيابها المحافظة، فإذا به يجد نفسه يحمل دلو ماء وفرشاة ويساعدها في تنظيف الحجار، وكما يخبرنا العريس حسّان : (هذه البداية التي أرادت أن تبدأ بها يومنا الأول كزوجين ../67).. وبعد ليال يخبرنا حسّان : (حدقت بي لا شيء أراه في عينيها لأستدل منه على سر نظراتها المتواضعة اتجاهي../ 70)..(زوجة أشبه بتمثال حجري تخلو من أي تعبير/80).. وبعد أن تنجب له إبنة وولدا يخبرنا حسّان (لم أشعر للحظة واحدة بأن شيئا ينقصنا، سوى أن تبتسم الزوجة../125)..
(*)
في غياب البسمة نكون أمام كمون نصي، سيعلنه الجد/ الشبح : من خلال أجابته لحفيدته كريمة حين تسأله عن ذلك (روحها تضحك دوماً ولكن جسدها مصاب بمرض لم يكتشفه العلم بعد../190)
(*)
قبل السؤال الذي يوجهه حسّان إلى سعيد، حول مجهولية عمرة سيوجه القارىء سؤالا إلى الرواية : من تكون عمرة ؟ ماحكايتها مع هذا البيت ؟ من هذا الذي تحدثه ليلا ولا يراه سعيد ؟ / ص86.. وسنلاحظ في حفريات البحث عن بيت العائلة وعملية تدوير سرد البيت، تكون الغلبة للرمزي على الواقعي، فهي ترفض تحديث بناء البيت من خلال رفضها لأكياس الأسمنت ورفضها للعامل الذي جلبه وتصر على بناء البيت من خلالهما : هي وزوجها حسّان .. وإذا ارادت عونا فهي تعرف تقصد من : (أترك هذه المهمة الآن، ولا حقا سنذهب معاً لنأتي بمن يساعدنا../ 74) وحين تذهب حسب وصية جدها وتبحث عن الرجل / المعين لها، يتساءل القارىء العادي قبل زوجها حسّان : كيف يقدر رجل ضرير،أن يعينها في بناء البيت ؟/ 76 ويتساءل العابرون في الرواية أيضاً، فقد سأل حسان أحد أقاربه في السوق (ما الحاجة ليتظاهر الرجل بأنه ضرير وكل من صادفه يؤكد أنه يرى وإن كان ضريراً فعلاً فأي عمل يقدر عليه ويعجز المبصرون عن أدائه، وما الذي يدفع امرأة لبناء مثل هذا البيت بنفسها.. ؟/ 80)
(*)
على تساؤلات داخل النص وخارجه سيجيبنا الأعمى ( هناك أسئلة علينا أن نجتهد لنحصل على إجابتها).. وفي شخصية الأعمى نلمس أندراجا سرديا في تحاوره مع حسّان.. حيث تتحول الرؤية وتشتغل لديه بإنزياح خاص : (تضررت ُ في صغري وما عدت أرى فيها ما تراه أنت ولكن بإمكاني أن أرى ما لا يُرى بالعين .. /78)...وهنا تصدح ُ في ذاكرتي شذرة مولوية (البصر والعمى على أنواع).. وسنصل الكمون النصي وقد تمظهر في الصفحات الأخيرة من الرواية تحت عنوان فرعي : (الأعمى والجمل/ 260-270) وربما سنعثر على كمون أكبر ونحن نقرأ هذا المفصل / قفل الرواية ونكتشف من خلال هذا الفصل النص الغائب في الرواية : أعني غوتة / مسرحية فاوست، حيث يبرم الخيميائي فاوست عقدا مع الشيطان مفستوفيليس حول السعادة.. إذن : من هذه المنصة النصية، ألا يمكن أن نعتبرأن السارد المطلق لحيوات الشخوص هو الجد الشبح الذي يتجسد لمن يريد مخاطبتهم فقط ؟
(*)
حين نقوم بتقشير رواية (عمرة) نلمس حكايتين، متواشجتين :
*حكاية سعيد القاسم وزوجته خديجة
*حكاية سعيد القاسم وجد عمرة
الحكاية الأولى في ص2 تتشرنق في كمون نصي ولها وظيفة عتبة نصية أشبه بالمقدمة الروائية التقليدية.. في الحكاية الأولى : السارد الأوّل خديجة زوجة سعيد القاسم، وسألتقط وحدة صغرى توجز حكايتها وسعيد : (فما كنا ننفقه في يوم واحد كان على عشرة أن يعملوا بجد عاماً كاملاً لأدخاره .. كنا نسكن القصور، وبين ليلة وضحاها، خسرنا كل شيء).. هذا الكمون النصي، سيتضح للقارىء في ص164، ثم تهبنا الساردة خديجة مصباحا استباقيا حول ما سنقرأ .. (والقصة لا تدور حول ثرائي وفقري، وإنما حول المرأة التي زارتنا ذات يوم)
(*)
في الاستقبال السردي أنبث سردٌ وجيزٌ لحياة سعيدة انتهت بالكفاف المؤقت، وهذا الإستقبال هيئنا لمهيمنة الرواية : البحث عن البيت المطمور العائد لعائلة عمرة، وهنا وضمن تداعيات قراءتي، طوقت ذاكرتي شخصية كريم داود في ( المخاض) رواية : غائب طعمة فرمان، العائد من غربته ليبحث عن بيت العائلة في شوارع بغداد وأزقتها ولم يعثر عليه، بسبب سعة مكوثه في الهناك، وكذلك بسبب المتغيرات العمرانية في العاصمة. الأمر يختلف مع عمرة، فهي تملك خريطة لكن البيت في منطقة خرافية (خربة الجن) والجهد الأُسطوري الذي تبذله في الحفريات وبمساعد رجل ضرير، وحفريات عمرة، أعادتني لرواية محمد عيسى المؤدب ( حمّام الذهب) * وفي الروايتين تكون المرأة هي الباحثة عن المخبوء الثمين، المرأة أما الرجل فهو مثل (السنيدة) في الأفلام المصرية الكلاسيكية، وهذا الأمر يحتاج مبحثا خاصا بمؤنث الرسالة، لكن المختلف الإتصالي بين المرأتين أن هيلين في (حمّام الذهب) ذات أبعاد مجتمعية مألوفة . أما شخصية عمرة، فلا تذكرني بغير مصطفى سعيد : (موسم الهجرة إلى الشمال/ الطيب صالح) الذي لم يضحك أو يبتسم يوماً .
وبشهادة خديجة زوجة سعيد القاسم (حدقت بي بعينيها الصامتتين ولم تبتسم، خيل لي إني أقف في مواجهة تمثال، تحركت شفتاها ونطقت بنبرة قائد معسكر تدريب /4)
أو كما يقول سعيد لنفسه عن عمرة (إنها معجونة من صخر لا تراب ! لاشيء يؤثر فيها/ 37).. وكما يخاطب زوجته عن عمرة (إنها تمثال، ملامحها لا توحي بشيء، إنها لا تصلح إلّا أن تكون عقيدا في الجيش!/38) .
(*)
وإذا كانت عمرة تنافس ساسون حسقيل* في التعامل المالي ، لكن خديجة تخبرنا : (كل شيء في هذه المرأة يدل على الرقي، وكل ما تقوم به يدل على تواضع عجيب ../9).. وعلى ما فيها من صفات سالبة، فأن سعيد يثمّن صفات المحمودة (كل شيء فيها مثالي شابة وجميلة نوعا ما، صادقة وصريحة، لاشيء فيها يدل على سوء، وإن كانت لا تبتسم فهذا لاينقص من كونها امرأة ../55) .
(*)
عمرة قدمت من لندن لتعيش في بيت العائلة، وهيلين في رواية حمّام الذهب، جاء من باريس من أجل القيام بحفريات بعمق أربعة أمتار، لتستعيد النسخ الأصلية من التوراة .
(*)
من منصة الفكر الروائي ينطلق سؤال قراءتي : مَن هي عمرة التي من أجل حفر (خربة الجن) تتزوج حسّان مالك هذه الخربة وتفاوض أهله الذين يمقتونها، وبعيداً عن التشدد الأصولي تتساءل قراءتي : لماذا أكتفت من الإسلام بالشهادتين وأعلنتها على مرأى أهل حسان كلهم، ولم تعرف عائلتها ديانتها !! ولم يكشف لنا لا السارد العليم ولا عمرة ولا أي شخصية عن ديانتها ؟
(*)
تلاحظ قراءتي هيمنة الفكر الحكائي على النص الروائي، وشاهد العدل في قولي : أن البعد الميتا واقعي تحتمله الحكايات.لكن هناك روايات عربية زاوجت بين اليومي والأسطوري : روايات نجيب محفوظ : أولاد حارتنا/ الطريق/ اللص والكلاب/ من ليالي ألف ليلة/ الحرافيش/ حكاية بلا بداية ولا نهاية / وكذلك بعض قصصه القصيرة، لكن نجيب محفوظ وازن بين البعدين : فيمكنك أن تكتفي بالقراءة النمطية وتحصل على متعة النص، في رواية (عمرة) تسيّد الرمزي على الواقعي، حافظت عمرة على سمات العسكري الصارم في تعاملها مع الآخرين، واسرف النص في رمزيته حين يكون المعين الوحيد في البناء هو الرجل الضرير!! وضمن الكمون النصي سنعرف الكثير عن الضرير في الصفحات الأخيرة من الرواية، وضمن الغرائبية : كيف تقرر امرأة قادمة من لندن، أن تتزوج شخصا لا تعرفه، لكنها تتزوجه لأنه هو يملك الأرض التي كانت قديما بيت عائلتها ؟ لكن ضمن منطق الحكائي كل شيء مقنع.ونلاحظ أن حسّان دوره أقل من الثانوي في الرواية .
وحين يشن شقيق حسّان بمعونة رجال من أقاربه هجوما على عمرة والضرير وهما يبنون البيت يسألها حسّان كيف استطاعت الإختفاء منهم، نلاحظ أن جوابها يحتوي على بعد ٍ تاريخي من العداء !! بين البيت وما تحيطه من بيوت !! هكذا جواب تتشظى منه تأويلات ٍ غزيرة، منها ذات مضامين سياسية !! : (هذا بيتي وأعرف كل الزوايا فيه، وقد اعتدنا على اعتداءآت الغرباء والإختباء منهم والخروج بعد رحيلهم../ 89) بعد هذا تقوده عمرة إلى سرديات المعمار الهندسي للبيت حيث الطوابق المخفية في باطن الأرض التي تفتح بمفاتيح حجرية .. وتتوقف قراءتنا حين تخبر زوجها حسّان على ضرورة أن يحفظ كيفيات النزول والطلوع من المخابىء (.. والخطر قد يفاجئنا على حين غرة/ 93) أي خطر تعني ؟ أهل حسّان؟ ولماذا تطلق على الآخرين، كلمة غرباء ؟
2-2
يستوقفني هذا التمازج السردي، حيث تبدأ الوحدة السردية بصوت السارد العليم :
(كان حسان في ذلك اليوم مشغول البال لأنه يشعر بخيانة مسؤول السفرة الذي استبدل البرنامج في اللحظة الأخير، وأقصاه عن خدمة الموائد السمان، هذا مصطلح متداول بين الندل حول الزبائن الذين يدفعون إكراميات سخية../42). وبلا فاصلة بل ضمن نضيدة الصفحة ذاتها، يختفي السارد العليم، ويظهر السارد المشارك بصياغة الحدث الروائي وهاهو صوت حسّان يخبرنا (أشعر بغيظ شديد، وبين لحظة وأخرى أفكرّ في أن أتوجه إلى المدير وأصرخ في وجهه أمام الزبائن../43).. يواصل حسّان دوره كسارد، حتى منتصف الصفحة ومحاور مع عمرة، ثم يزور بيت سعيد ويتبادل الكلام معه ومع خديجة على أعتبارهما أهل عمرة، ويدور الكلام حول طلب عمرة للزواج منه من الأرض التي يطلقون عليها خربة الجن، هنا يتدخل سعيد ويلفق حوارا كاذبا / ص50
(*)
ضمن لعبة التعديد السردي السريع، تلتقط قراءتي العينة التالية، يسرد لنا حسّان زوج عمرة كيف صادف أخته أمل في السوق: (فهمست بأذني وحذرتني من أن شقيقي الأكبر ينوي إحضار جرافة وهدم البيت وإنه قد يقوم بذلك في أي وقت، فأخفيت الأمر عن عمرة حتى لا أتسبب لها بذعر وهي في غنىّ عنه/ 104) في التالي لذلك، ولا مسافة من بياض الورقة أو بداية فصل جديد، بل ضمن نضيدة كلمات سطر نفسه في ص104 يخبرنا السارد العليم عن اليوم التالي وكيف قصدت عمرة بيت أهل لتتفاوض معهم على اتفاقية سلام بينهما، ما جرى بين عمرة وأهل حسان، كان ضمن الكمون النصي ويتكشف له في اليوم الذي يليه، من خلال أخته أمل، بشهادة حسّان (لم أعلم بزيارة عمرة، وسرني الإنقلاب الكبير الذي خلفته الزيارة في نفوس الكثيرين ../112)
(*)
في ص128 كريمة إبنة حسّان وعمرة تجاوزت العاشرة . في ص129 ينقطع البث الذي أنطلق من الصفحة الأولى، وتصطدم قراءتنا مع السطر الأول (في أحد شوارع لندن الراقية..) تحديد المكان يجعلنا نتذكر ان الرواية لم تؤطر فضائها بزمان ومكان معينين . سنكون مع الدكتورة أليزابيث إمرأة في أوائل الثلاثين .. وهذا يعني مرور أكثر من عشرين عاما على كريمة، ولا مسافة في النضيد الطباعي سوى أن تقلب صفحة، هذا القطع السردي لا نعرفه إلاّ في قراءتنا الثانية، لأن هذا القطع نتلمسه مشوشا على الإيقاع الروائي في قراءتنا الأُولى. وستتكشف لنا أبعاد التشويش السردي في / ص143 حين نعود للتلميذة كريمة وقد ودعت عمتها أمل وتوجهت للبيت . ومن خلال الإستدراج السردي : ما لم نفهمه في ص20 سنفهمه في ص159، في ص20 لأول مرة تقابل عمرة سعيداً في بيته، يسألها سعيد من تكون وماذا تريد فترد بنبرة تستفز الحجر:
(- جئت أستوفي الدين منك حسب الإتفاق
- عن أي دين تتحدثين ياسيدتي ؟
- دينك لجدي ياسعيد
- ومن يكون جدك يا سيدتي ؟
- أنت تعرف من يكون .
- أعذريني، فأنا فعلا لا أعرف من يكون
- جدي الذي أقرضك المال لتشتري هذا البيت وتؤوي أسرتك يا سعيد الثعلب /20)
في حوار عمرة مع سعيد: الكلمة الأخيرة، شغلت جرسا في دماغ سعيد فتدفق منولوغ على لسان الثعلب (لقب ثعلب عاد بي عشر سنوات إلى الوراء، أطلقه عليّ العجوز قبل أن يسرق ثروتي ويجعلني معدما لا أملك شيئا، لم يعرف أحد بالقصة حتى خديجة التي نزعتها من القصور لتسكن هذا البيت المتواضع) هنا لابد من تثمين دور مؤلف الرواية فوزي عبدة، فقد أحسن تصنيع التقنية التي تتسترعلى ماضي الثعلبان سعيد القاسم، أعني أن سعيدا لم يعترف أمام خديجة سابقا ولا أمام عمرة الآن.. ثم ينتقل السرد من حوار الذات إلى حوار الآخر .
(لقد مر الكثير من السنوات ولم يأت من يطالبني بالدين / 21)
وهنا تفرض عمرة عليه شروط التفاوض معها فيخنع لها .. في تحاورهما وتحاور سعيد مع نفسه، تتلمس قراءتي كمونا نصيا، سيتكشف لها في ص164 من خلال تحاور عمرة مع ابنتها كريمة وليغفر لي القارىء هذا المقبوس المطوّل (والد سعيد كا ن أحد أصدقاء جدي منذ زمن بعيد، وفي إحدى الأيام وجد تحفة من الذهب على شكل أفعى،فطلب جدي أن يعيدها إلى مكانها، وكان سيفعل، ولكن سعيدا كان شاباً سيئا في حينه، فسرق الأفعى وكل ما يملكه والده من نقود وهرب بعيداً، باع الأفعى لتاجر واستثمر النقود وجنى ثروة كبيرة، وعلى أثر ما فعله باع والده البيت وانتقل إلى مدينة أُخرى... جدي لأسباب لا أعرفها أخذ ثروة سعيد وجعله مفلساً، وأقرضه المال ليشتري منزل والده الصغير، ويعيش فيه مقابل أن يكون مدينا له بخدمة، ربما كان هدف جدي أن يعاقبه، وربما له أهداف أخرى../164) .
(*)
الشخص المتنفذ في مسارات السرد وتصنيع مواقف الشخوص هو شبح الجد :
الأمر يبدأ بكمون نصي من خلال مجيء عمرة إلى بيت سعيد القاسم في ص 2 ثم يتخلص النص من كمونه في ص20
(*)
المتحكم بالكمونات النصية هي عمرة
(*)
ترى قراءتي الثانية أن الرواية اكتملت في ص164، ويمكن قفز ما بعد هذه الصفحة وضم فصل (الأعمى والجمل) فهو يحتوي تفكيكا أوسع لكمون نصي يدور حول الأعمى وتفاوضاته مع شبح الجد .
*فوزي عبده / عمرة / داربيلومانيا / ط1/ 2019 .. لايوجد إسم الدولة
*حول رواية الكمون النصي في رواية (الشاهد والزنجي) للروائي مهدي عيسى الصقر، ممكن الإطلاع على مقالتنا في مواقع : الحوار المتمدن/ الناقد العراقي/ موقع الحزب الشيوعي العراقي/ مركز النور/ كتابات / بصرياث
*حول رواية (حمّام الذهب) للروائي محمد عيسى المؤدب، ممكن الأطلاع على مقالتنا في المواقع نفسها
*ساسون حسقيل : شخصية يهودية عراقية نزيهة : أول وزير للمالية في العراق .