مغربياتٌ سبعٌ

2008-12-05

1


المدبغة


سلَّمٌ ضيقٌ، وحديدٌ، سيأخذُكَ ...

السلَّمُ الضيّق، الحَلزونُ، سيبدأ من آخر المخزن.

السترةُ الجلْدُ، ثمَّتَ، والشايُ أخضَر،

تلك الحقائبُ مفتوحةٌ، كفِخاخٍ، ستسقط فيها عجائزُ برلين ...

والشمس غائبةٌ أبداً

( ربما تحرقُ الجلْدَ )

يأخذكَ السُلَمُ الضَيقُ، الحلزون الى السطح :

من ههنا تبصر المدبغة:

شمسُ أفريقيا تتمَهلُ، حتى تغور عميقاً بتلك القدورِ المدوَّرةِ .

الماءُ يفقدُ ما هو للماء .

للماءِ رائحةٌ كالمجاري التي في الحميم

وللماءِ لونٌٌ،

وللماءِ طَعمُ الرصاص .

الرجالُ يدورون بين القدورِ، عُراةً الى النصف .

كانت جُلودُ جملٍ على السطح تَنشدُ

كان قطيعٌ من الماعز الغِرِّ ينزَع أثوابَه قربَ ثورٍ بلا جثة ٍ

أتُرى دخلت في القدورِ خيولٌ من الأطلسي ؟

الشمس باردةٌ

شمسُ أفريقيا تتمَهَلُ كي تُنضجَ الجِلْدَ

كي تتفادى سكاكينَها بالغياب ...


لندن 30.03.2009

 

2

نُزْلُ ترانس أتلانتيك ( مِكْناس )
Transatlantique-Meknes Hotel

 

عُمْرُ هذا النُزْلِ عُمري :

عُمْرُهُ خمسٌ وسبعون، وبضعٌٌ من حروبٍ .

ينهضُ النُزْلُ على مشرفةٍ تصلُحُ أن تنصِبَ فيها مدفعاً

يمكنُ أن يقصفَ حي العربِ، الأسواقَ والتاريخَ والزُّليجَ ...

كانت هيأةُ الضبّاطِ في الجيش الفرنسي ترى في النُزْلِ بيتاً أو مقراً،

من هنا يمكن للخيالةِ السيرُ الى " وجدةَ " ليلاً،

ثم يأوونَ الى بردِ تِلمسانَ صباح الغدِ ...

كان العالمُ المعروفُ في منبسط الكفِّ !

........................
........................
.......................

 

ولكني هنا

في البارِ ...

أبدو ضائعاً

مستنفَذاً في ولهي

اذ أسمعُ " الَعَرْبيِّ " يتلو أزرق الجازِ

وإذْ ألمحُهُ يغمِزُ لي في آخر الاغنيةِ ...

النُزْلُ الذي اعرفهُ لم يعد النُزْلُ الذي اعرفهُ

..........................
...........................
.........................

اللحظَةُ كالقظةِ :

اني أسمعُ، البغتةَ، خَطوي، عبْرَ ممشى العشبِ

أسمعُ الأوراقَ تتساقط في الليلِ

حفيفَ الطير إذ يأوى الى عُشٍّ بليفِ النخلِ

من صومعةٍ في البلدةِ انثالَ الأذانُ ...

العالمُ استكملَ معناهُ .

وهذا النُزْلُ أيضاً


لندن 02.04.2009

 


3

 

ساحةُ الهَديم ( مكناس )

مولاي، اسماعيلُ،

قِف، نرجوكَ ... هذا حدُّكَ !

ابتدأتْ منازِلُنا الفقيرةُ

وانتهى غالي قصورِِكَ !

ليس بَعدَ الساحةِ القوراءِ من هَدْم ...

أتعرف اننا نخشى الدخولَ الى حدائقِكَ ؟

الصهاريجُ ارتوتْ منها خيوُلكَ

غير ان غِياضَنا، الزيتونَ والليمونَ والنعناعَ، جفت ...

نحن، يامولاي اسماعيل، شعبُكَ

نحن لسنا في بلاد السَّيبةِ ...

الراياتُ رايتُكَ تدعولكَ،

المنابرُ كلُها

الغاباتُ مزرعةٌ لكَ

الشطآنُ والوديانُ، والنُّعمى، وثلج الأطلسِ البحريّ .

يا مولاي اسماعيلُ

قف !

نرجوكَ ...

هذا حَدُّكَ !

لندن 07.04.2009


4

سَيدي اللقلق

ملأَ الرومانُ هذا السهلَ بالأعنابِ والأعمدةِ .

الأرزُ الذي يكمُنُ في الأطلسِِ يُمسي سفناً

او عرش جنديٌَ،

وقد يصبحُ كأساً لنبيذ السهلِ

باباً

أو سريراً ...

نحن جَوّابونَ،

لم نبنِ بيتاً

دارةً، أو قلعةً ...

نحن بنينا مُدناً في صحن حلوى

وانتظرنا لحظة الافطارِ، آن التَمْرةُ الجنةُ .

ما أشبهنا بالنحلِ والنخلِ !

ما أشبهنا باللقلقِ !

السهلُ فسيحٌ ...

هل سيبني سيّدي اللقلقُ عشاً

بين مكناسٍ وفاس ؟

لندن 01.04.2009

 

5

 

خزانةُ جامع القرويّين


كرسيُّ محمدٍ الخامسِ كان بسيطاً

خشباً

لم تجرحْه يدٌ لتزخرفَه

أو لتلوّنَهُ .

كرسيُّ محمدٍ الخامس كان على باب المخطوطات السعدية،

يحرسُها .

لو كانت تلك القُبة مُذهبةٌ من تبْرِ السعديين !

لكن القبّةَ عاريةٌ

الا من مخطوطاتِ النحوِ

وكرسيّ محمدٍ الخامس !


لندن 30.03.2009

 

 

 


6


جْوان في بار نُوفَلْتِي


ربما للمرة الأولى يرى الساقي، جَمالُ، امرأةً تجلسُ في كرسيّها العالي

بهذا البار،

كي تطلب منه كاسَ " ريكار " ...

لقد كان نهاراً رائقاً

والشمسُ في يوم الربيع الأولِ،

الناسُ الذين اقتَعدوا مقهى الرصيف استمتعوا بالقهوةِ

الآن تجئُ الخطوةُ الأخرى :

الى البار

...................
....................
......................

كأنَ جْوان لا تدري بما يَحُْدثُ في البارِ ...

لقد جاءَ الجميعُ ! اختفت الشمسُ

وما عادَ بهذا الصَّوْبِ من " مكناسَ " مقهى ...

وسماءٌ رطْبةٌ تُمطِرُ ريكاراً على رأسِ جوان،

البارُ أمسى مسرحاً ...

قالت جوان :

" الآنَ حان الوقت ان نمضي الى الفندقِ ... "


لندن 08.04.2009

 

7

الشاطئ البربريّ
Barbary coast


اقول صراحةً :

هذه البلادُ التي كِدتُ اعرفُها مَرةً

لن أتوقَ لاعرفها الآن ...

هذي البلادُ أخبّئُ أعشابَها وأزِقْتها في جيوبي الكثيرة

لن أسأل،

الوردُ والسِرُّ لا يُسألانِ

الحقيقةُ لا تُسالُ .

الحُبُ لا يُسألُ .

الدرب ما بينَ وجدةَ شَرقاً وسبتةَ،

دربي العتبقُ الذي وطَأتْهُ خطايَ الخفيفاتُ

أيّام كانت موائدُنا نزرةً

وبيارقُنا عاليات ...

لك الحمدُ، يا شاطئي البربريَّ

لك الحمدُ

يا من وهبَتَ الأصابعََ وقت النبات .

لندن 09.04.2009

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved