محاصرة الإعلام يفضح زيف الديمقراطية في العراق

2020-05-11

لم يكن غريباً، او بشيئ غير متوقع، ان يتذيل العراق قائمة الدول المعادية للحريات الصحفية، ليجد نفسه محشوراً مع دول فاشلة او دول غاية في الدكتاتورية، فقد احتل العراق رقم 162 من بين مجموع 180 دولة، حسب التقرير السنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود .

وقد جاء هذا التصنيف بعد ان شهد العراق مجزرة بحق الاعلام، وبالذات منذ انطلاق المظاهرات التي عمت العراق ومناطق الوسط والجنوب، فقد اعتبر شهر اكتوبر، من أسوء الشهور على حرية الصحافة، إذ شهد اغتيال العشرات من الصحفيين والناشطين المدنيين، سواء على يد القوات الأمنية او الجماعات المسلحة .

وقد تعرضت 17 وسيلة إعلامية وقنوات فضائية، إلى الإغلاق او هجمات مسلحة، كما طالت الإعتداءات والتهديدات أكثر من 89 صحفياً، إضافة إلى اعتقال 8  صحفيين بدون أمر قضائي واختطاف العشرات منهم، ومازال مصير بعضهم مجهولاً لحد كتابة هذه السطور، وأضافت السلطات لطخة أُخرى لسجلها الأسود في انتهاك حرية الرأي والتعبير وخرق فاضح لحقوق الإنسان، عندما قطعت خدمة الأنترنيت بشكل جزئي أحياناً وقطع كلي في أحيان أُخرى، ولولا الضغط الشعبي والدولي لاستمر ذلك القطع لفترة طويلة .

ولم يسبق لأي حكومة تشكلت بعد سقوط النظام السابق، منذ عم 2003، ان قامت بحملة منسقة، ضد وسائل الإعلام بهذا الشكل الممنهج، كما فعلت حكومة عادل عبد المهدي، فمع بدأ الدعوة للمظاهرات، أصدرت الحكومة أمراً بمنع وسائل الإعلام من تغطية تلك المظاهرات بذرائع وحجج غير مقنعة، أما وسائل الإعلام التي أصرت على تغطية المظاهرات ونقل الحقيقة الى الرأي العام، بأعتبار ذلك حق ضمنه الدستور، فقد تعرضت للحرق او الإغلاق أو إلى هجمات مسلحة والإعتداء بالضرب والإهانة على العاملين فيها .

وقبل ذلك كانت الحكومة قد دعت بشكل رسمي هيئة الإعلام والإتصالات العراقية، بأتخاذ إجراءآت صارمة وحازمة ضد وسائل الإعلام سواء المحلية منها أو الأجنبية، التي تنقل اخبار التظاهرات التي شهدتها بغداد والمحافظات الجنوبية .

وتلقى 33 صحفياً تهديدات بالتصفية الجسدية مع عوائلهم، والأوقح من ذلك ان هذه التهديدات، لم تأتِ من أشخاص مجهولي الهوية، أو أرقام تلفونات غير معروفة، بل من زعماء جماعات مسلحة، لاتخشى بل إنها تتبجح بأن تعلن عن مسوؤليتها عن هذه التهديدات وخطف بعض الصحفيين، من على شاشات الفضائيات، دون حساب او عقاب، بل أن حكومة عبد المهدي تواطئت مع هذه المجموعات المسلحة وغطت على أفعالها .

وكان عبد المهدي قد أصدر تعليمات وتوجيهات لوزارة الصحة، بالإمتناع عن التعامل مع وسائل الإعلام، وعدم تزويدها بالمعلومات الخاصة بعدد القتلى والجرحى من المتظاهرين، بعد أن كانت الوزارة تزود وسائل الإعلام بذلك، وفي نفس الوقت صدرت تعليمات للأجهزة الأمنية بأخفاء الحقائق التي تخص عدد شهداء التظاهرات والجرحى والتستر على عمليات الخطف والقتل التي طالت الصحفيين والناشطين المدنيين .

وبعد ان عجزت كل تلك الأساليب القمعية عن خنق إرادة الأحرار، وذلك بفعل شجاعة بعض الصحفيين والمدونين وتحديهم لأوامر السلطات ووقوفهم ضد إرهاب وتهديدات المجموعات المسلحة، لم تجد السلطات بداً من محاولة مواجهة الإعلام الحر، وذلك بتعيين ناطق إعلامي بأسم الحكومة، ولم يجد ذلك الناطق أمامه سوى تقديم التبريرات للإجراءات القمعية، عبر أكاذيب مفضوحة، تفوق فيها على الصحاف وزير إعلام النظام السابق، فأصبح إضحكومة تندر بها المدونون على مواقع التواصل الإجتماعي .

وليس غريباً ان يصل حال العراق إلى هذه الدرجة المزرية، لأن القائمين على الحكم فيه لازلوا بعقولهم الفارغة والمتحجرة، يضنون أن السلطة والقوة والمال قادرة على قتل الكلمة الحرة، والأغرب من ذلك أن معظمهم عاشوا في بلدان انطلقت منها الثورة العلمية والتكنلوجية الحديثة، والتي بفضلها أصبح من المستحيل خنق الكلمة الحرة ومنع وصولها إلى الرأي العام المحلي والدولي .

اسعد علي

رئيس لجنة العلاقات في مركز ميترو

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved