محمد علي الخفاجي شاعر انساني ومبدع عظيم، عربي الإنتماء، وعراقي الوجع والهم . غنى على قيثارة الشعر أعذب الألحان والأنغام الإنسانية المعبرة عن خلجات النفس ونبض الوجدان . قالت عنه الدكتورة سعاد البرزي من جامعة دمشق إنه :" شاعر يعرف كيف يجرح كبرياء الحرف وعنفوان الكلمة ويسلب تقوى التعبير وروعته" . رحل عن الدنيا العام 2012، تاركاً وراءه سيرة أدبية مشرقة، وإرثًا شعريًا خالدًا، وكنوزًا أدبية ومسرحية ثمينة .
ولد الخفاجي في كربلاء عام 1942 إبان الإحتلال الانكليزي للعراق، وأنهى دراسته الأكاديمية في كلية الآداب بجامعة بغداد، ثم عمل مدرسًا للغة العربية في مدارس العراق . ارتبط ارتباطًا جدليًا وثيقًا بهموم وقضايا شعبه العراقي، وكرس كل طاقاته وجهوده ومواهبه للأدب الجاد والشعر الإنساني والوطني والرومانسي الهادف. شهدت ايام شبابه المبكر الإبداعات الشعرية والنشاطات الثقافية والمطارحات الشعرية، وساهم مع نفر من المثقفين والمبدعين العراقيين في إصدار أول مجلة محلية متخصصة في شؤون الادب والفكر والمسرح .
اختار محمد علي الخفاجي الشعر كوسيلة لتجسيد الوجع العراقي والهم الإنساني الدفين في أعماقه، وكوسيلة للتعبير عن سمو الروح واشراق النفس والذات، واتسمت شاعريته بصدق التعبير وقوة البيان وجزالة اللفظ وحرارة العاطفة . وقد صدر له أول ديوان شعر سنة 1964 وهو على مقاعد الدراسة واختار له عنوان "شباب وسراب"، ثم صدر ديوانه الثاني "مهر لعينيها"، تلاهما ديوانه الثالث "لو ينطق النابالم " في العام 1967، فالديوان الرابع "أنا وهواك خلف الباب" عام 1970، فالخامس "لم يأت امس سأقابله الليلة"، فالسادس "يحدث بالقرب منا "، واخيرًا ديوانه السابع "الهامش يتقدم" .
كان محمد علي الخفاجي صاحب شاعرية متمكنة نابضة بالوجدان والحس الإنساني والإبتكار التصويري التجديدي، وذو طاقة أدبية ولغوية فياضة بالمشاعر الجياشة والعواطف الملتهبة تجاه بلده الحبيب ووطنه العراق، وطن دجلة والفرات والنخيل، ومملوءً بشغف الجمال والوطن والحب والإنسان البسيط المهمش الباحث عن السعادة والفرح.
والقارئ لنصوص الراحل محمد علي الخفاجي الشعرية يجد أنها نصوص متأججة في زخمها العاطفي والوجداني والإنساني والصفاء الرومانسي والإشراق الفني، وأشعار تتصف بسلاسة الألفاظ وعذوبتها ورقتها ومتانة النسج، وتنتمي للسهل الممتنع، السلس، العذب، والسهل الواضح، المتدفق كجريان الماء في الجداول، والمتتبع للأحداث من غير انقطاع .
محمد علي الخفاجي صوت عراقي دافئ وحنون، وقامة شعرية باسقة، حلقت في دنيا الإبداع الشعري العراقي والعربي والإنساني العالمي، وسطعت في مجال الشعر المسرحي، الذي احتل ريادته . أعطى الكثير للوطن والشعر والثقافة والأدب في العراق، وكان يحلم بالحرية والديمقراطية والمستقبل المشرق والغد الباسم، ومات بسبب الإهمال من قبل المؤسسة الثقافية والنظام الحاكم في العراق، الذي لا يقدر مبدعيه ومثقفيه ومفكريه، فلم يسعفه ولم يسرع في علاجه من مرض الكلى، الذي عانى منه طويلاً .
سلام عليك يا محمد علي الخفاجي في ضريحك ومرقدك الأبدي، أيَها الشاعر العراقي الانساني المعطاء، صاحب الكلمة الشفافة، والروح المتوهجة . وكم كان شاعرنا الفلسطيني الكبير سعود الاسدي صادقاً حين قال في رثائك :
مبدع انت منذ ان كنت طفلاً
وبكحل الإبداع كنت اكتحلت
مثقل بالفخار منذ صرت كهلاً
وبما يرتضي الوقار اكتهلت .