محمد الماغوط رامبو العالم العربي / عالية كريم

2007-08-26

mohd_maood.jpgعندما قرأ الشاعر أدونيس على جمع الحاضرين - في اجتماع من اجتماعات مجلة شعر- اشعاراً لشاعر لم يعلن عن اسمه، قال بعضهم انها اشعارٌ لبودلير، ومنهم من قال انها لرامبو ..والحقيقة ان ما قرأه ادونيس لم يكن إلاّ لشاعر شاب مجهول، ادواته صدقه، وحلمه تغييرعالم اكتض بالمساوئ والأوهام، ولغته سيوف تدافع عن مبادئ ومثل اختصرت الزمن الذي عاشه وحولته إلى حلم وأماني ....

 أنه الشاعر والكاتب محمد الماغوط الذي عاش حياته ناسكاً يتوسل الحياة ان تزيل القتامة عنها وترسم الإبتسامات على وجوه البائسين المضطهدين، وكثائر جعل من الشعر والرواية والمسرحية سيوفاً يشهرها في وجه مغتصبي حق الإنسان العربي في العيش الكريم، وفي وجه المطبقين على انفاسه والمغتالين لأحلامه على أرصفة هذا الوطن ..

 كان الهاجس الأعمق للماغوط هو القضية الفلسطينية، وما حفلت به من تاريخ مأساوي خلال أكثر من نصف قرن . وكانت كتاباته تصرخ في وجه السلطات العربية الحاكمة، وكان يكرر بأعى صوته :

 جربوا الحرية يوماً واحداً لتروا كم هي شعوبكم كبيرة وكم هي إسرائيل صغيرة .. لقد كرّس الماغوط معظم كتاباته للمطالبة بالحرية والديمقراطية في الوطن العربي والتنديد بالسلوك المتبع في قمع الشعوب العربية، لقد كانت أعماله مرآة عكست أحلام وآمال البسطاء وما يعانون من قهر على امتداد أرض الوطن العربي ..

ان محمد الماغوط كاتب مبدع يعكس في أعماله شخصيته الحقيقية دون افتعال، دون رياء، دون مجاملة، دون خوف أو وجل، وكي يعبّر عن ضيقه وتبرمه من أساليب القمع وسلب الحريات فإنه يطلق آهة ويقول :

 آه يا وطن الأسلاك الشائكة والحدود المغلقة والشوارع المقفرة والستائر المسدلة والنوافذ المطفأة، أما من حلٍ وسط بين الكلمة والسيف سوى بلاطة القبر ؟

 لم يكن الماغوط ذا نزعة تشاؤمية، رغم أن أعماله تفيض حزناً وكآبة، لكن مادته كانت عالم مغلّف بالحزن والكآبة، لأنها من واقع ملئ بالقهر والحرمان ولأنه أينما حل تغزو عيناه مشاهد سحق المقهورين المحرومين وكان يترجم صوره بكلمات صادقة عارية عن البهرجة والتصنع، لقد كان يحلم بحياة اكثر أشراقاً ونبلاً، وأن مأساته هي انه يصر على تغيير الواقع وحيداً، سلاحه فقط الكلمة وصدق المشاعر.

مأساة الماغوط انه ولد في غرفة مسدلة الستائر اسمها الشرق الأوسط وإنه لم يستطع أن يقف متفرجاً على أوضاع ومشاكل مجتمعه، بل انه لم يعرف الحياد في أي موقف من المواقف وبذا يقول :

 "لا أستطيع أن أقف ثلاثين عاماً على عتبة الأحداث كالمتسول، أو أن أدور حولها متفرجاً على جدرانها وشرفاتها من الخارج كالحرامي أو مخّمن العقارات " .

 لقد أبدع الماغوط بالتعبير عن المؤلم والساخر، عن التشائم والتفائل، عن الفرح والحزن، عن الأحلام والآلام، فكان شعره مرآة ناصعة عكست واقعنا العربي دون رتوش او تزيين، وفي جميع كتاباته نستطيع أن نلمس الجانب الإنساني بقوة، ولابد من أن تكون تجربته الذاتية وما رافقها من حرمان وعوز، قد هيأت لإبداعاته الأدبية الإنسانية وكذلك نجده في أعماله المسرحية التي تميزت بكوميديا عالية يلامس الوقائع الجارحة ويخاطب أعماق المواطن ويضحكه على مصائبه دون تهريج ودون ادعاء، كان ككاتب يقود المتفرج بهدوء ويجعله يضع اصابعه على كل الجروح وهو يضحك بصوتٍِ عالٍ وفي داخله يتفجر حقده على مضطهديه. بلغة بسيطة مدهشة حلل الماغوط القضايا الكبرى، وبكلمات قليلة مختصرة وضع الحلول العظيمة .

- ولد الماغوط في عام 1934 في السلمية التابعة لمدينة حماه السورية، درس في كلية الزراعة لكنه تركها رغم تفوقه، مؤكداً " أن اختصاصه الحشرات البشرية وليس الحشرات الزراعية " انتقل ألى دمشق علم 1955، سجن في سجن المزة قرب دمشق لنشاطه السياسي وكتب مذكراته خلال سجنه على لفائف السجائرن وعند خروجه من السجن انتقل إلى بيروت ثم عاد ألى دمشق وكتب في المسرح والسينما، ويعتبر ألأب الأكبر لقصيدة النثر العربية وقد اهتم في تطويرها مع الشاعر أنسي الحاج، وتعتبر قصيدة " حزن في ضوء القمر " و " غرفة بملايين الجدران " فتحاً جديداً في الذائقة الشعرية .

 من أقواله :

 

  • " أيها المخبرون .و يا رجال الأنتروبول في كل مكان، عبثاً تبحثون عن الجريمة الكاملة، فما من جريمة كاملة في هذا العصر، إلاّ ان يولد الإنسان عربياً "
  • " أُفضلُ الشعر الردئ الصادق على الشعر المتقن المزيف "
  • " حتى الآن يفاجئني شعري الذي أكتبه، وكثيراً ما أسأل نفسي من أين يأتيني الشعر؟ "
  • "العرب لم يعرفوا طعم الحرية من دون ديمقراطية، وأسوأ ديمقراطية هي أفضل من أحسن" دكتاتورية "
  • "كل أوقاتي متداخلة، الحب والكراهية والوفاء والأكل والثراء والحقد والكآبة، كلها مختلطة بعضها ببعض، وأعيشها دفعة واحدة "
  • "أعطاني الله من الكرامة والشهرة أكثر مما أستحق، أنا سعيد من كثرة حب الناس لي "
  • "أيها الصحفي المبدع والحامل لواء الصدق والحقيقة إلى ما فوق رأسك، كالشعلة الأولمبية، لم تغطي ندوات لا تؤمن بجدواها، وتحلل توصيات لم تقرأها، وتعانق ضيفاً وتلثم خدوداً تتمنى عضها " .

قالوا فيه :

 تركنا محاضراتنا ودروسنا وكتبنا، وانغمرنا حتى الآذان بقصائد الشعر وكان الماغوط عملاقاً بيننا، شئ يشبه الأسطورةغامضاً وعنيفاً، يفتح نيرانه على الأرصفة والشوار ع والمدن والحكام والفسق والسأم اليومي الضارب الأطناب على المدن العربية، تبغ وأرصفة وخمرة وموت، يحول بروح متصوفة شيأً من هذا القبيل .. الماغوط هو المتمرد الأوحد، أنحني لك إجلالاً أيها الشاعر الذي أشعلت فينا جذوة التمرد منذ ربع قرن ..

                                                                      شاكر الأنباري-العراق 

 

- هنا نستطيع أن نكشف قوة الصدمة وعمق الدلالات الإبداعية التي احدثتها نصوص الماغوط في تلك اللحظة .. أضن أن خروجه عن التفعيلة لم يكن هو فقط ما يميز شعريته عن جيله ( قبله قليلاً وبعده قليلاً ) خصوصاً إذا لاحظنا ان ثمة تجارب رافقت السياب أو ربما سبقته قليلاً في كتابة القصيدة الحرة، لكن دون أن تخرج عن سكة التفاؤل التي تطلبها مشروع نهضة الحلم العربي في تلك اللحظة، غير أن حزن الماغوط لم يكن حزن الرومانسين المتثائبين على جسر التنهدات، لقد كان يضع أقدامه في الدم الفائر فيطفر حتى صدغيه، وهذا ما جعل كتابته تفتح أرضاً غير التي فتحتها مجلة الآداب أو التي ذهبت أليها مجلة شعر كان الماغوط كائناً وحشياً ( طافراً ) من غابة تغرس جذورها على أجساد أرواحنا، دون أن يعبأ أو يكترث بالكلام عن البدائل، أي انه لا يطرح خطابات أحلام كما يفعل شعر الآخرين 

                                                                     قاسم حداد - البحرين  

- السكين وليس القلم هو ما يكتب به الماغوط، أعماله سواء كانت تلك قصائده أو قصائد أو مقالات أومسرحيات، وهو يعمل القلم في ذلك الجزء الذي يبدو سليماً من الجسد وينكأ الجراح المنتشرة فيه حتى لاتكون هنالك راحة واسترخاء، او حتى لاتكون هنالك طمأنينة الى أن الجسد معافى، فالجسد ليس سليماً بل مريض مثخن بالجراح من الرأس حتى أخمص القدم، والتغافل عن هذه الحقيقة يعني مزيداً من الجراح ومزيداً من الخراب ، السكين التي يكتب بها الماغوط هي سكين السخرية الجارحة القاتمة، القاتلة المتقطعة الأوصال، وجسد المواطن العربي الذي أنهكته سياط الجلادين ..

                                                                      صلاح حزين - الأردن

 

- بأي لغة أحتفي بشاعر من طراز محمد الماغوط ؟ بشاعر كهذا الشاعر البدائي المكتمل اللغة منذ البداية، ذي الموهبة الرائية العارفة كعيني الصقر، الجارحة كطعم العسل المكثف، والحقيقية كصرخة اللحم الحي، والمغدقة دون حساب وقواعد، والمنبجسة انبجاساً، والنازفة كما الينبوع الذي ينادم لياليه، ضائقاً ذرعاً بكتماناته وبانتظارات الباطن، ألى أن يحل عليه فجر الخروج الى سيولة اللذة والشبق ! لا أدري بأي لعة أقترب من شاعر كهذا الشاعر البدوي المقامر الذي يبذل روحه برمتها على الطاولة، كثروة لا ضرورة لها، دمغة واحدة بلا تمهيد ومقدمات، مضافة ألى حياته التي يريقها أراقة من يتلذذ بمشاهدة أيامه مسفوحة بكامل همجيتها وحواسها ونزقها وهوسها وضحكتها الساخرة، ومرارتها السوداء !

                                                                       عقل العويط  -  لبنان

 

 

 -لم يكن الماغوط في انطلاقته الأولى ذات النزوع المغامر، تبين خيطاً من وضوح، لما ستؤول اليه تجربته الشعرية، وربما من هنا تاخذ صفة المغامرة جدارتها، في مناخ شعري يسود فيه ما هو مخالف لذلك الصوت الملتبس القادم من ضباب التخوم النثرية التي ستكون لها سطوتها وحضورها ..هذه النبرة المأساوية، هذه الصرحة الملطخة بدم الإستغاثة هي من السمات الأصيلة في شعر الماغوط ومسرحه وخواطره، لكن الزمن العربي خاصة والكوني، مضى ويمضي في قلب صيرورة احتشدت فيها كل عناصر التراجيديا ، بحيث ان أنبياء ( التشاؤم ) واستبطان وحشية الوجود والشر، ومن نعتوا بذلك، سيصيبهم الخرس أمام هذا المشهد المكتظ بأنقاضه وفنائه، والمكتظ بغياب القيم الروحية والمشاعر .. وسوء طوية الكائن البشري الحديث

                                                                       سيف الرحبي - عُمان

 

 

الماغوط في غيابه يبدو أكثر حضوراً

 توفي محمد الماغوط عن عمرٍ يناهز ال 72 عاماً وبوفاته فقدت الساحة الثقافية العربية الأب الأكبر لقصيدة النثر العربية، اذ يعد الماغوط من أبرز القامات الأدبية على الساحة العربية وأحد الكتاب الأوائل ممن مضوا بقصيدة النثر نحو فضاءآت جديدة، وصاحب قلم متميز بأفكار استثنائية في مقالاته الصحفية، كما أبدع في جميع كتاباته حيث ألف مسلسلات ومسرحيات وكتب في الرواية والشعر والمسرح ومقالات أدبية ، فبرحيل الشاعر المبدع محمد الماغوط نكون قد خسرنا كاتباً مبدعاً أعطى من روحه وأحاسيسه الصادقة تجربة شعرية خاصة ومدرسة في المسرح وفي كتابة المقالة، وبذا أضاف ألى ثقافتنا وأعلامنا العربي ثروة أبداعية، ولذا فسيكون الماغوط في غيابه أكثر حضوراً لما تركه من بصمات عميقة في الثقافة العربية ستبقى لأجيال قادمة ..

 اعماله

  • حزن في ضوء القمر شعر 
  • غرفة بملايين الجدران شعر  
  • العصفور الأحدب مسرحية 
  • المهرج مسرحية
  • لفرح ليس مهنتي شعر 
  • ضيعة تشرين مسرحية 
  • ألأرجوحة رواية 
  • غربة مسرحية
  • كاسك يا وطن مسرحية
  • خارج السرب مسرحية 
  • حكايا الليل مسلسل تلفزيوني
  • وين الغلط مسلسل تلفزيوني
  • - وادي المسك مسلسل تلفزيوني
  • - الحدود فلم سينمائي 
  • - التقرير فلم سينمائي 
  • سأخون وطني مجموعة مقالات
  • سياف الزهور نصوص شعرية 
  • شرق عدن غرب الله شعر 
  • البدوي الأحمر شعر 

  شئ من أعماله 

 - جربوا الحرية يوماً واحداً، أليس من العار بعد كل هذا التطور العلمي والحضاري الذي حققته البشرية وبعد مئات الجامعات وآلاف المدارس التربوية والفنية والأدبية والمسرحية والفندقية التي تغطي أرض الوطن العربي ان تظل لغة الحوار الوحيدة بين السلطة والمواطن هي الرفس واللبط وشد الشعر ؟ ترى لو ان إسرائيل منذ نشأتها، وزرعها في قلب الوطن العربي، بدأت بكم الأفواه وبناء السجون وتجويع العمال وسرقة الفلاحين، وكلما احتج طبيب اعتقلته، أو ارتفع صوت أخرسته، ثم انصرفت الى التهريب والإصطياف والإستجمام وتنقيط الراقصات في ربوع اوربا، هل كانت تحتل الضفة الغربية وسيناء والجولان، وتدمر المفاعل النووي العراقي وتعزل مصر وتجتاح لبنان وتتطلع الى الهند وباكستان ؟- من تنشق زهرة برية، أو طارد فراشة، أو سمع سعال عصفور عند الفجر منذ سنوات ؟ من تأمل القمر أو الغروب او شرب الماء براحتيه من ساقية منذ قرون ؟ من سمع ضحكة عربية من القلب منذ بدأ التاريخ ؟ لا شئ غير القتل والنهب وسفك الدماء . لاأحد يفكر ان هناك طفولة يجب أن تنمو . شفاهاً يجب أن تقبل . عيوناً يجب أن تتلاقى أصابع يجب أن تتشابك . خصوراً يجب أن تطوق، بغير القنابل . أيها العرب، استحلفكم بما تبقى في هذه الأمة من طفولة وحب وصداقة وأشجار وطيور وسحب وأنهار وفراشات . استحلفكم بتحية أعلامها عند الصباح وإطراقة جبينها عند المساء . لقد جربتم الإرهاب سنين وقرون طويلة وها انتم ترون الى أين اودى بشعوبكم . جربوا الحرية يوماً واحداً لتروا كم هي شعوبكم كبيرة وكم هي إسرائيل صغيرة

                                                                                      

عالية كريم

رئيسة تحرير "معكم"

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved