مـحـمـد مـكـيـــــــة مائــــــة عـــــام مــن الـزُهـــــــد والإبــــداع

2015-08-25
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/d7ee1bde-80fe-4547-a123-e098d361ca44.jpeg
 في هذا العام بلغ شيخ المعماريين العراقيين محمد مكية عامه المائة، متعه الله بالصحة والعافية، وأعطاه طيلة العمر. وهو يعتبر رائد الحداثة في العراق وواحد من أبرز رواد الحداثة في مجال الهندسة المعمارية إن لم يكن من أبرزهم على الإطلاق.
وُلد الدكتور محمد صالح مكية في الرابع من نيسان سنة 1914م، في محلة صبابيغ الآل المجاورة لجامع الخلفاء ومنارته الشهيرة بمنارة سوق الغزل في بغداد. واصل دراسته الإبتدائية والمتوسطة والإعدادية فيها، وسافر سنة 1935م في بعثة لوزارة المعارف العراقية ( التربية حالياً ) إلى بريطانيا والتحق بجامعة ليفيربول، ودرس الهندسة المعمارية فيها وحصل على شهادة البكالوريوس سنة 1941م،  وحصل على الدبلوم في التصميم المعماري من الجامعة نفسها، أما الدكتوراه فقد حصل عليها عام 1946م من كلية (كينغز/جامعة كامبردج/بريطانيا)، وكان موضوع أطروحته (( تأثير المناخ في تطور العمارة في منطقة البحر المتوسط )). وعاد إلى بغداد في العام نفسه، وأنشأ ( شركاء مكية للاستشارات المعمارية والتخطيط ( وبعدها أُقيمت شركات مكية في كل من البحرين، وعُمان، ولندن، والكويت، والدوحة، وأبو ظبي ، ودبي، أنتُخِبَ عام 1952م خبيراً في الأمم المتحدة، وأنتُخِبَ رئيساً لجمعية التشكيليين العراقيين في بغداد عام 1955م، وأنتُخِبَ عام 1967م عضواً للمجلس الدولي للنُصب التذكارية في روما، وفي 2003م حصلَ على جائزة أفضل إنجاز مدى الحياة في مدينة دبي، وهو الذي أسس ديوان الكوفة في لندن عام 1987م، وشارك في فعاليات مؤتمر بغداد عاصمة الثقافة العربية عام 2013م برعاية جامعة بغداد والمعهد الفرنسي للشرق الأدنى ومكتب منظمة اليونسكو في العراق، ولايزال الدكتور مكية رغم بلوغه المائة عام متوقّد الذهن متابعاً جيداً للأحداث ولايزال يطمح للأستفادة من منجزاتهِ الإبداعيّة.
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/4341b949-8cff-4efb-97ab-8f7b0a4c7b38.jpeg
أسس الدكتور محمد مكية قسم الهندسة المعمارية في كلية الهندسة بجامعة بغداد عام 1959م، وكذلك صمم جامع الخلفاء عام 1960م ثم أضاف التوسع إليه عام 1980م وكان هذا التصميم المبتكر قد أحتوى على التراث الذي أضفى فيه الطابع الإقليمي على الشكل.
كَتَبَ عنه (محمد أركون) أستاذ تاريخ الفكر الإسلامي في جامعة السوربون: أن محمد مكية قد نفخ حياة جديدة في العمارة الإسلامية بدمج تراثها الفني بأفضل ما في الثقافة والتكنولوجيا الحديثة.
وقال المهندس (شارل كوريا) المخطط المعماري: أن محمد مكية مهندس معماري ذو أهمية عظيمة في العالم الإسلامي، وعملهُ يثير منافذ ذات اهتمام حيوي للمحترفين.
وقال السير (هيو كاسون) الرئيس السابق لأكاديمية الفنون الملكية في أنكلترا: أن أعمال محمد مكية تستحق أن تثير اهتماماً أوسع في العالم الإسلامي والعربي.
ومن المعروف عن هذا الرائد في العِمارة العراقية الحديثة بأنه لم يكتفِ بتتبع خُطى العِمارة القديمة أو مجرد محاكاتها بل حاول إحياءها وفقاً لموهبتهِ الشخصية، وتطعيمها بالأشكال الحديثة . وقد هُيئَ له تطوير أساليب العِمارة التقليدية وتحويلها إلى أسلوب يلاءم هذا العصر. ولمكية مشاركة في تأليف كتاب (بغداد) الذي نشرته نقابة المهندسين العراقيين ثم ظهرت له عن دار الساقي في لندن طبعة جديدة.
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/406d99c8-bac2-4b3f-a321-a3b42c177df9.jpeg
صمم بنايات كثيرة على مستوى العالم، ففي العراق، فضلاً عن جامع الخلفاء، صمم بناية جامعة الكوفة (1969 ولم يُنفذ)، وفي البحرين صمم بوابة مدينة عيسى وفي الكويت صمم المسجد الكبير، وفي إسلام آباد في الباكستان صمم جامع إسلام آباد، وفي مسقط بعُمان صمم جامع السلطان قابوس الكبير، وفي تكساس بالولايات المتحدة صمم جامع تكساس، وفي روما صمم جامع روما، هذا فضلاً عن عشرات البنايات التي صممها منذ الستينات وحتى التسعينات من القرن الماضي في بغداد والبصرة وكربلاء وغيرها ومنها بنايات لمصرف الرافدين ولجوامع ولدواوين حكومية ولمكتبات ولبيوت وشخصيات منها بيت الدكتور فاضل الجمالي (رئيس الوزراء العراقي الأسبق) في الأعظمية ببغداد ودار الأميرات في المنصور، ومبنى المستوصف العام على ساحة السباع 1949م، ومبنى بلدية الحلة 1951م، وفندق ريجنت بالاس بشارع الرشيد 1954م. وكانت تصاميمه تحظى –باستمرار- بالتقدير والتكريم، وتفوز عن طريق لجان التحكيم.
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/4288fee5-2f6b-4387-b5b5-f9921ad8d24d.jpeg
صدرت عن دار الساقي في لندن مذكراته وبعنوان (خواطر السنين). كما أن تصاميمه تنتشر على طول العالم وعرضه .. من بغداد فالبحرين فالكويت فالرياض بالسعودية، فإسلام آباد بالباكستان فروما في إيطاليا فتكساس في الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد طرز تصاميمه بالريازة العباسية، واستخدم الخط العربي، واستفاد من التقنيات الحديثة.. ويقف جامع الخلفاء ببغداد 1961م، والذي يُعد آية في الفن المعمالري الإسلامي، وبناية مصرف الرافدين في شارع البنوك ببغداد مثالاً بارزاً لمنجزات محمد مكية المعمارية.
وفي مقالةٍ له عن ( تطور فن العِمارة في بغداد ) نُشرت في عام 1968م، قَدم لنا فيها مكية عرضاً تاريخياً شاملاً لتطور فن العِمارة في بغداد، مستخلصاً أبرز الخصائص المعمارية التي تميزت بها عمائر هذه المدينة، بالاعتماد على ما سجله المؤرخون البلدانيون حول معالمها العِمرانية من معلومات، وما ورد في كتب الأدب والرحلات من نصوص وتحريات بلغات عدة. وحسب هذا المعماري الرائد لم يكن هناك فن للعِمارة الإسلامية، تتجسد فيه كل الخصائص الجديدة، "قد ظهر للوجود، قبل أن تتولى بغداد تكوينه وإبداعه". فالتمدن الإسلامي في هذه البقعة من العالم القديم، أوجد حاضرة تولت مسؤولية تمدن سريع نَجَمَ عنه نشاط حضاري في كافة الميادين، مما جعل منها حاضرة العالم الإسلامي ودار الخلافة العباسية ومركزاً تجارياً هاماً جمع إليه الناس من كل الأقطار والأمصار، حتى أصبحت كما قيل "الدنيا بادية وبغداد حاضرتها". إذ أنه يعتبر أن فن العِمارة قبل قيام بغداد، "لم تتوفر له الفرص والإمكانات ليهيمن على تكوين منشآتها الجديدة أكثر من أن يحاول تحقيق مسقفات واسعة كانت تجمع بين عناصر الفن الأغريقي والروماني والهلنستي، تلك التي ظهرت معالمها واضحة في الإنجازات المعمارية التي تحققت في بلاد الشام إبان الحكم الأموي. فقبة الصخرة والجامع الأموي بعد تجريدهما من زخارف التكسية السطحية هما معالم تاريخية أكثر من كونهما معالم لمنجزات في فن العِمارة الإسلامية الخالصة".
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/5e3d5d09-13db-45e5-a041-da6e455117c4.jpeg
وأسوء ما تعرض له محمد مكية من حزن، هو عندما أعد تصميماً لجامعة الكوفة في العامين 1967-1968م وحصلت الموافقة من رئيس الوزراء في حينه ( طاهر يحيى ) ( توفي 1986 )، وكان معه أكاديميون وعلماء كلٌّ في اختصاصه، وبينهم العلامة ( علي الوردي ) ( توفي 1995 )، على أن تكون شبيهة بالجامعات الدُّولية الكبرى، فالكوفة دار حضارة قديمة، وتقع على الفرات أو ملتقى الطرق، حسب تعبير مكية نفسه، لكن إنقلاب 17 تموز 1968م قضى على مشروع الجامعة الأهلية الأولى من طرازها، من حيث الإتساع في المهام، وما أقيم بهذا الاسم، فيما بعد، ليس له صلة لا من بعيد ولا من قريب بذلك المشروع. ولأن الفكرة ضلت تراود مكية، استقر بلندن وأنشأ ما سماه بديوان الكوفة (1986-2006م)، كان ملتقىً للثقافات والمثقفين. عشرون عاماً كم استضافت صالته من ندوات ومحاضرات ومعارض تشكيلية، والبداية كانت كمكتب هندسي .
آخر الجوائز (1994م) التي فازت بها تصاميم محمد مكية تصميم بيت العدل بالرِّياض، أو مجمع المحاكم، بعد منافسة مع مكاتب دولية، وهو مازال يسأل هل السُّوق الشَّعبي ظل يجاور البناء؟ وكان له قصد فيه، وهي فكرة عميقة الدلالة، فالعدل يهم الناس فيكون البناء نابعاً بينهم متواضعاً لهم. وظَل تصميمه الأشهر ببغداد فهو جامع الخلفاء (افتتح 1963م)، الذي شُيِّد على بناء الجامع العباسي القديم.
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/8cf04550-f13c-45df-a2fd-fc6daa7e4101.jpeg
واخيراً أود أن أدون وصيته إلى العراقيين: (( أيها الأعزاء والأحباء في بغداد الروح والوجدان والمعاني الكبيرة – بغداد أيها الأحباء جوهرة من جواهر العصر، ربما تمرض، وربما تتعب وتئن – لكنها لا تشيخ فزمن المدن العظيمة مغاير لتفسيرنا للزمن. بغداد عزيزة وغالية عندنا غادرناها مضطرين، عرفنا أن شيئاً من تراثنا علق هناك على ضفاف دجلة – في الأزقة – في المقاهي – والشناشيل – والساحات، من المؤسف أن بغداد تتعرض إلى تشويه لذاتها وصفاتها منذ عقود – من المؤسف أن العمايرة لم تكن تفشي تلك العلاقة الأصيلة مع النهر والضفة والروح الساكنة بينها – أوصيكم ببغداد – استمعوا إليها – أصغوا إلى صوتها كثيراً ستكتشفون في حركة الشجر والنخيل – وفي دفق ماء النهر – في الضحكات الصافية – تأملوا لونها تجدونهُ في الطابوق في الخشب – في زرقة الماء – في سمرة الأهل، ديوان الكوفة ينتمي إلى بغداد بكلِ إرثهِ وتراثهِ التاريخي لذلك أطالب إلى إعادته إلى مكانه الطبيعي في بغداد، أيها الأصدقاء والأبناء والأحفاد لكم مني كل المحبة والعرفان – اعتنوا ببغداد لتعتني بكم، اعتنوا بالعراق الذي منحنا الكثير رغم الأوجاع )).
وفي زمن الخذلان حيث شاءت الأقدار أن يعيش أكثر الباحثين عن التنوير في العراق بأن يعيشوا خارج وطنهم، لازال هذا الرجل وفي هذا العمر بعد أن أتعبته السنون بإعادة إعمار بغداد التي دمرها الإحتلال وهو يتحدث عن شارع المتنبي والحيدرخانه والباب الشرقي وشارع الرشيد وأبو نؤاس . وهو يعيش بأحلام نابضة بالآمال، متوقد المشاعر، وبنشاط ذهني متميز يدعو إلى حماية البيئة من خطر التلوث الذي أصبح يُطبِق على كافة مُدننا العراقية.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved