"الطاغية الوحيد الذي أتقبله في هذا العالم, هو ذلك الصوت الهامس الذي يتردد بين جوانحي".
لم يكن جنرالا أو حاكما عسكريا أو ملكا أو فاتحا ..بل كان رجلا عرشه علي القلوب.. هكذا وصفه مشيعوه ..
إنه المهاتما غاندي الزعيم الروحي للهند، وزعيم الثورة السلمية التي أدت إلى استقلال الهند عن بريطانيا، استقلال حاز عليه بالحب مرددا " يمكننا الانتصار علي خصمنا فقط بالحب وليس بالكراهية، فالكراهية شكل مهذب للعنف وهي تجرح الحاقد ولا تمس المحقود عليه أبدا".
ولد "موهندس كرمشاند غاندي" الملقب بـ "المهاتما" ( 2أكتوبر 1869 - 30 يناير 1948) في عائلة محافظة لها باع طويل في العمل السياسي .و عاش طفولة عادية ثم تزوج حسب التقاليد السائدة وله من زواجه هذا أربعة أولاد. سافر غاندي إلى بريطانيا لدراسة القانون وحصل على شهادة جامعية تمكنه من ممارسة مهنة المحاماة. وبعد ذلك عاد إلى الهند ولما لم يجد فرصة عمل في الهند ذهب إلى جنوب افريقيا عام 1893 بعد أن تلقى عرض للعمل هناك حيث كانت جنوب افريقيا يومها مستعمرة بريطانيا حيث عاش فيها 22 عاما وتعتبر تلك الفترة التي قضاها بجنوب أفريقيا من أهم مراحل تطوره الفكري والسياسي.
تعلّم غاندي روح التضحية الذاتية من والدته بوتليبا التي وصفها بأنها "قديسة ذات تديّن عميق", وكانت
أمه نباتية، وغالباً ما تلتزم بالصوم، تلك الممارسة الروحية التي استخدمها ابنها فيما بعد كأداة سياسية.
لقد انطلق غاندي من مبدأ البحث عن الحقيقة ليصل إلى أننا في هذا الكون نعيش لهدف وغاية، وأننا حتى نصل إلى الحقيقة لابد لنا من أن نعرف طريقنا في هذه الحياة والغاية من وجودنا، وقد عرف غاندي أن الإنسان وُجد لكي يكون مفيداً لغيره، وليقدم ما يستطيع من أجل خير الجميع، جميع الكائنات في هذه الأرض.
يقول حفيده راجموهان غاندي في حديثه عنه : " نعم، عندما ولد، "يقصد غاندي"، كانت عائلته تحتل مكانة مرموقة فى "بورباندار" وهو ميناء صغير شمال بومباي. وكان والده "كارا مشاند" وزيرا أول لدى الأمير الذى كان يحكم المدينة.
بالاضافة إلى هذا، كانت عشيرة غاندى تنتمى إلى طبقة "سامية" هى طبقة التجار المسمين بـ"البانيا".
ويقول راجموهان أن غاندى الذى كان يسمى موهانداس / أي القديس تزوج وهو فى الثانية عشر من عمره من فتاة جميلة جدا لكنها كانت أمية. وقد ظلت هذه الفتاة زوجته حتى النهاية.
حادثة ونضال حياة
وفى لندن حيث درس القانون، أصبح غاندى نباتيا. كما أنه اكتشف المسيحية، وقرأ الانجيل بتمعن شديد مستلهما منه دروسا ومواعظ كثيرة فى الأخلاق وفى السياسة. وعن الفترة التى أمضاها غاندى فى جنوب افريقيا، يقول حفيده راجموهان :عاش جدى فى افريقيا الجنوبية عشرين عاما ومنذ وصوله إلى هناك، وجد نفسه مجبرا على مواجهة العنصرية، وثمة حادث لا يزال ماثلا فى ذاكرة الهنود.
حدث ذلك فى القطار يوم 21 مايو 1893 وكان غاندى فى الرابعة والعشرين من عمره آنذاك. وكان من ركاب الدرجة الأولى، غير عارف بأن القوانين العنصرية تحرّم عليه ذلك وقد قام أحد الركاب البيض بالتبليغ عنه. وبالرغم من أن غاندى كان قد دفع ثمن تذكرته، وكان يرتدى بدلة ثمينة، فإنه طرد بالقوة من عربة الدرجة الأولى. والشعور بالاذلال والمهانة الذى انجرّ عن ذلك هو الذى دفعه إلى النضال من أجل حقوق الهنود الذين كانوا كثيرين فى جنوب افريقيا فى ذلك الوقت.
ولكن كيف يتخلص من الاحتلال؟ البعض نصحوه بضرورة اللجوء إلى الكفاح المسلح. غير أنه رفض ذلك رفضا قاطعا. ولعل قراءته لأعمال الروائى الروسى العظيم تولستوى هى التى "أنقذته من داء العنف" كما سيذكر ذلك فيما بعد. لذا دعا إلى النضال بالطرق السلمية، وأسس حزبا، وأصدر جريدة حملت اسم"رأي الهند" وشيئا فشيئا أصبح مناضلا سياسيا معروفا، ومحاميا ناجحا!".
ولكن لماذا اختار غاندى النضال السلمي؟
عن هذا السؤال يجيب راجموهان غاندى قائلا: "لقد تأثر جدى كثيرا بأفكار الكاتب الأمريكى دافيد تورو، صاحب فكرة "العصيان المدني". ومثله، كان يعتقد أن المواطنين لهم الحق والواجب فى عصيان القوانين اللاأخلاقية.وفى النهاية كان غاندى يرى أن النضال السلمى هو التكتيك النضالى الوحيد المحتمل ضد الامبراطورية. فقد كان يعلم أن كل حركة مسلحة فى مواجهة القوة العسكرية البريطانية مآلها الفشل.
بداية المقاومة
"لكي يرى المرء روح الحقيقة في كل شيء، وجهاً لوجه، يتعين عليه أن يحب أحقر الكائنات حبه لنفسه، والرجل الذي يطمح إلى ذلك لا يستطيع أن يعتزل أي حقل من حقول الحياة، وهذا هو السبب الذي من أجله قادني تعبدي للحقيقة إلى حقل السياسة".
كانت الهند في بدايات القرن العشرين، كما وصفها "جواهر لال نهرو"، مجتمعاً بالغ اليأس والإحباط، وشعباً لا يملك قوت يومه، وبلداً يتحكم الأجنبي في مفاصله. واستمر هذا الوضع طويلاً إلى أن جاء غاندي إلى وطنه الهند عائدا من جنوب أفريقيا .
عاد غاندي إلي الهند عام 1914 بعد نضاله ضد المستعمر بجنوب افريقيا ليواجه عدوا أكثر شراسة وهو الاستعمار الانجليزي الذي يعبث في أرض الهند فسادا، ويحتكر ثرواته، ليعيش الانسان الهندي تحت خط الفقر.
وبدأ غاندي ينشر مبادئه في العمل علي مقاومة الاستعمار بالاستغناء عن السلع الانجليزية، والاكتفاء بما هو ضروري للحياة، وتحسين وضع طبقة المنبوذين .
الملح سلاح
تمثلت أولى خطوات تطبيق هذه الإستراتيجية في قصة "مسيرة الملح".. فحينما حرّمت بريطانيا على الهند استخراج الملح، قام غاندي باستخراجه بنفسه من مياه البحر، وحرض شعب الهند على ذلك؛ لكي يضرب لهم ولجميع المتضررين من الاستعمار في العالم المثل على كيفية إيجاد بدائل للسلع التي تتم مقاطعتها.
وتعود قصة مسيرة الملح إلى أوائل عام 1930 حينما أعلن غاندي أنه سيقود مسيرة تمثل أول حركة عصيان مدني باصطحاب جماعة من مؤيديه للعمل على إلغاء قانون الملح الذي رفع ضريبة إنتاجه لصالح التجار الإنجليز. وطالب غاندي الحاكم برفع هذه المظالم، وإلا خرج في مسيرة يمكن أن تعرض أمن الدولة للخطر.
ولما أهملت الحكومة إنذار غاندي قام غاندي يوم 12 مارس 1930 ومعه 79 فردا بمسيرة قطعوا فيها مسافة قدرها 300كم استمرت لبضعة أسابيع متواصلة لم يستريحوا فيها إلا يوم الإثنين من كل أسبوع؛ وذلك من أجل هدف محدد، وهو إعدام الملح المستورد!
وسرعان ما انتشر خبر هذه المسيرة في كل أرجاء الهند؛ حيث صمم الهنود على استخراج الملح من البحر، ومقاطعة الملح الإنجليزي؛ تطبيقاً لنصيحة غاندي صاحب وأول منفذ لتلك الفكرة الذي سجن بسببها لمدة عام كامل!
قوة الحب
كثيرا ما ردد غاندي موضحا بعض مبادئ عقيدته " المجاهد في معركة عدم العنف يجب أن يكون أقرب ما يكون من الإنسان الكامل. وكلما طهرنا أنفسنا من العنف، كلما زدنا فضلا وعندها لن يتردد أحد في الإيمان بقوة الحب. وإذا عمت الدنيا هذه القوة لأحدثت ثورة في مثلنا العليا ولمحت الاستبداد ولقضت علي الروح المربية النامية أبدا والتي تئن تحت نيرها الأمم الغربية إلي حد الموت".
وقد أوضح غاندي أن اللاعنف لا يعتبر عجزاً أو ضعفاً، ذلك لأن "الامتناع عن المعاقبة لا يعتبر غفراناً إلا عندما تكون القدرة على المعاقبة قائمة فعليا"، وهي لا تعني كذلك عدم اللجوء إلى العنف مطلقاً قائلا : "إنني قد ألجأ إلى العنف ألف مرة إذا كان البديل إخصاء عرق بشري بأكمله".
وتتخذ سياسة اللاعنف عدة أساليب لتحقيق أغراضها منها الصيام, والمقاطعة, والاعتصام, والعصيان المدني, والقبول بالسجن, ويشترط غاندي لنجاح هذه السياسة تمتع الخصم ببقية من ضمير وحرية تمكنه في النهاية من فتح حوار موضوعي مع الطرف الآخر.
وكانت فكرة المقاطعة عند غاندي بسيطة واضحة؛ فقد رأى أن سلطة البريطانيين في الهند قائمة على تعاون جميع الهنود معهم.. فإذا أمكن سحب هذا التعاون فلن تستطيع قوات الاحتلال والحكومة الهندية الموالية لها البقاء.
كان على غاندي أن يحرر مواطنيه من الخوف أولا، سواء الخوف من أجهزة المستعمر القمعية، أو الخوف على النفس ولقمة العيش والمصالح الذاتية. وقد نجح في ذلك عبر إشعار مواطنيه بأن كرامتهم مُهانة وحقوقهم مستباحة مكرراً على مسامعهم "إن الإنجليز موجودون هنا ليس بسبب قوتهم، وإنما بسبب ضعفنا وخوفنا وتشتتنا".
وما أن تحقق له ذلك حتى طالب شعبه بالانتقال إلى المرحلة التالية التي لم تكن سوى مقاطعة مؤسسات المحتل وتنظيماته ومعاهده وبضائعه، والاعتماد بدلاً من ذلك على الذات في كل شيء.
حيث قاد غاندي حملة مقاطعة الملابس الأجنبية من أجل تحرير الاقتصاد الوطني. وخصص أربع ساعات يومياً لينسج بنفسه قماشا على مغزل يدوي حتى يصير مرة أخرى قدوة للناس، فيستخدموا هذا القماش البسيط المغزول داخل البلاد وبأيدي أبنائها بدلا من شرائهم المغازل البريطانية التي أودت بحياة صناعة النسيج في الهند.
وبالفعل جاء الهنود والأغنياء والتجار بما كان لديهم من المنسوجات الواردة من الخارج فألقوا بها في النار، وفي مدينة "بومباي" وحدها أكلت ألسنة اللهب مائة وخمسين ألف ثوب من القماش المستورد.
وامتدت هذه الروح الوطنية إلى لجوء الهنود في مقاطعتهم السلمية للمستعمر إلى أساليب كثيرة، منها الانقطاع عن العمل في مؤسسات المستعمر، والامتناع عن استخدام أوعيته الاقتصادية من بنوك وشركات ومقاطعة مناسباته واحتفالاته، ورد ما حصلوا عليه منه من أوسمة وشهادات ومكافآت، وهجر مدارسه ومعاهده ومراكزه، بالإضافة إلى تنظيم المسيرات الصامتة، ورفع الأعلام السوداء على المباني، وتشكيل لجان جمع التبرعات لدعم المحتاجين والمتضررين من الانقطاع عن العمل في دوائر المستعمر، واتباع متطلبات اقتصاد الحرب من تقشف ونبذ للبذخ. كما أعلن المهاتما غاندي رفضه أن يحلق ذقنه بشفرات الحلاقة البريطانية، فترك ذقنه حتى حلقها بشفرات مصنوعة ببلاده! مرددا: "كلوا ما تنتجون، والبسوا ما تصنعون، وقاطعوا بضائع العدو؟".
وقد سجن غاندي لآخر مرة في عام 1942. وبلغ مجموع المدد التي قضاها في السجن لأسباب سياسية سبع سنوات. حتى توجت الحركة الغاندية بالانتصار في أغسطس عام 1947, حينما وافق الإنجليز مضطرين على الخروج من الهند. وانتهت السيادة البريطانية حينما أسقط ملك بريطانيا عن نفسه لقب "إمبراطورية الهند". وظفرت الهند باستقلالها بعد أن فصلت عنها الولايات ذات الأغلبية الإسلامية وكونت منها دولة باكستان.
وكان غاندي يقول أنه "إذا كان المستعمر متوحشاً، فلا يجب أن ننافسه في توحشه، ولنثبت للعالم أننا أصحاب حضارة وسلوكيات أرقى".
غاندي واليهود
كان المهاتما غاندي برفضه للاستعمار والعنف هو العامل الأساسي المؤثر في تشكيل وجهة النظر الهندية نحو القضية الفلسطينية. ففي إحدى افتتاحيات صحيفة الهاريجان في عام 1938، عبَّر غاندي عن تعاطفه مع يهود أوربا المضطهدين، ولكن هذا لم يمنعه من أن يرى الفلسطينيين على أنهم بشر وليسوا مجرد وحدات إحصائية. ومن هذا المنظور أدان غاندي الصهيونية واتجاهاتها العدوانية وكتب يقول: "إن الدعوة لإنشاء وطن لليهود لا تعني الكثير بالنسبة لي، ففلسطين تنتمي للعرب تماماً كما تنتمي إنجلترا للإنجليز أو فرنسا للفرنسيين، ومن الخطأ فرض اليهود على العرب، وما يجري الآن في فلسطين لا علاقة له بأية منظومة أخلاقية".
وفي المقال نفسه حذر غاندي يهود فلسطين من الصهيونية والعدوانية العرقية، وتساءل: "لماذا لا يقوم اليهود
الصهاينة، شأنهم شأن كل شعوب الأرض، بأن يجعلوا وطنهم البلد الذي وُلدوا فيه ويكسبون رزقهم على أرضه"، ثم أضاف: "إذا لم يكن لليهود أي وطن غير فلسطين كما يدعون، فهل يمكنهم أن يتقبلوا فكرة طردهم من بقية أرجاء العالم".
وقد حاول الفيلسوف الصهيوني مارتن بوبر إقناع غاندي بوجهة النظر الصهيونية فكتب له قائلا: "إن المستوطنين الصهاينة لم يأتوا إلى فلسطين بوصفهم مستعمرين، ولم يأتوا من الغرب ليقوم السكان الأصليين بالعمل نيابة عنهم، أنهم يعملون بأيديهم ويحملون المحراث على أكتافهم". ثم أضاف بوبر في لغة صوفية، "هذه الأرض تعرفنا لأننا نعرفها". ولم يكلف غاندي خاطره بالرد على خطاب بوبر .
غاندي فيلسوفا
قال عنه انيشتاين "أن الأجيال القادمة سوف تصدق بالكاد إن بشرا مثله مشى على أديم هذه الأرض".
في كتابه "قصة تجاربي مع الحقيقة، سيرة المهاتما غاندي بقلمه" الذي أصدرته دار العلم للملايين في بيروت بترجمة منير البعلبكي، يسرد غاندي تجارب كثيرة وحوادث كثيرة يصف فيها طريقته في تطهير ذاته، والتحكم بشهواته، وضبط نفسه، فقد كان يعتبر الغذاء هو أساس الصحة "كان غاندي نباتياً، وقد امتنع عن أكل اللحم، والذي يعني عنده كل ما تنتجه الحيوانات كالحليب والبيض أيضاً، وكان امتناعه هذا لسبب ديني فأكل اللحم حرام في شريعته الهندوسية، وكان كلما أخطأ سارع فصام لتكفير خطاياه ، وانتهى سعيه للتطهير الذاتي الخاص به لاعتزال زوجته مبرراً أنه إذا وصل لطهارة الفكر لن تخطر على البال الشهوة أصلا !!
مرضت زوجته مرضا خطيرا ذات مرة ، وكان يعالجها بطرقه الخاصة بالاعتماد على الماء والتراب ، وتوسل لها أن تجتنب الحبوب والملح ، ولكنها رفضت ، وليساعدها فقد قاطع الحبوب والملح عاما كاملاً ، مما جعلها تلتزم بنصيحته .
وخاطب شاعر الهند الأكبر طاغور غاندي قائلاً: "إن كلامك بسيط يا سيدي، وليس بسيطاً كلام أولئك الذين يتحدثون عنك".
مواقف تظهر الإنسان
يقول بأن إمرأة جاءت لغاندي من مسيرة يومين وكانت قد جلبت معها طفلها وقالت لغاندي أنني أحضرت طفلي الذي يحبك كي تنصحه بأن لا يأكل السكر فإن الأطباء حذروه من أكل السكر ولكنه لا يقتنع بكلامهم ولا كلامي.
فقال غاندي : إذهبي وتعالي بعد إسبوعين .
قالت المرأة وهي غاضبه: أنا أتيتك مسافره يومين بالقطار والان تعيدني بقولك المقابله إنتهت تعالي بعد أسبوعين وأجلبي ولدك معك.
فقال :نعم
فذهبت وعادت بالوقت المحدد وقالت له أنا التي أتيتك منذ أسبوعين
فقال : أتيتيني بشأن ولدك والسكر
فقالت نعم وهي مستغربه كيف إستطاع أن يتذكرها مع أنه لم يرها سوى ثوان ولم يعرها أي إنتباه
فقال للولد يا ولد أتحبني فقال الولد نعم قال أنا لا أأكل السكر فإن كنت تحبني فلا تأكله.
فقالت الأم ولماذا أرجعتني بالمرة الماضيه ؟
قال حكيم الهند : في المره الماضيه كنت آكل السكر ولحبي لولدك منعت نفسي من أكل السكر حتى أستطيع أن أنصحه بما لا يعيبني.
ويحكى أيضا أن غاندي كان يجري للحاق بقطار وقد بدأ القطار بالسير وعند صعوده
القطار سقطت إحدى فردتي حذائه .. فما كان منه إلا أن أسرع بخلع الفردة الثانية ورماها بجوار الفردة الأولى على سكة القطار !
فتعجب أصدقاؤه وسألوه : " لماذا رميت فردة الحذاء الأخرى؟ "
فقال غاندي بكل حكمة : " أحببت للذي يجد الحذاء أن يجد فردتين فيستطيع الانتفاع بهما، فلو وجد فردة واحدة فلن تفيده".
المشهد الأخير
تألم غاندي من سفك الدماء الذي أعقب تقسيم الهند وإقامة دولة باكستان في عام 1947، وواجهته هزيمته وإخفاقه في تحقيق دولة علمانية يعيش فيها الهندوس والمسلمون بانسجام، وحزنه على وفاة زوجته المخلصة كاستوربا, التي توفيت في عام 1944, هذا الشخص كانت سنوات حياته الأخيرة متسمة بالاكتئاب وعدم الثقة بالنفس.
لم ترق دعوات غاندي للأغلبية الهندوسية باحترام حقوق الأقلية المسلمة، واعتبرتها بعض الفئات الهندوسية المتعصبة خيانة عظمى فقررت التخلص منه، وبالفعل في 30 يناير 1948 أطلق أحد الهندوس المتعصبين ثلاث رصاصات قاتلة سقط على أثرها المهاتما غاندي صريعا عن عمر يناهر 79 عاما.
يلاحظ أن غاندي قد تعرض في حياته لستة محولات لإغتياله، و قد لقي مصرعه في المحاولة السادسة.
ويقول السياسي فتحي رضوان عن هذه النهاية:
في الساعة الرابعة والنصف من مساء ذات ليلة أو بعد ذلك بدقائق قليلة، كان غاندي في قصر (بيرلا) يتحدث مع السردار باتل نائب رئيس وزراء الهند، ولكن قطع حديثه ونظر الي ساعته وقال لمحدثه: دعني أذهب.. ثم أردف: إنها ساعة الصلاة.
ثم قام ونهض معتمدا علي كتفي حفيدتي أخته، الآنستين آفا ومانو، وسار الي المنصة التي اختارها ليشرف منها علي جموع المصلين الذي ألفوا أن يشاركوه الصلاة ثم صعد في بطيء الدرجات الثلاثة المؤدية الي المنصة، فتقدم اليه شاب قصير ممتليء ثم ركع عند قدمي غاندي، ووجه إليه الخطاب قائلا:
لقد تأخرت اليوم عن موعد الصلاة
فأجاب المهاتما:
نعم قد تأخرت.
ولم يكن هذا الشاب سوي ناثورام فنياك جودس محرر جريدة (هندور اشترا) المتطرفة، التي لم تكف عن اتهام غاندي بخيانة قضية الهندوكيين بتسامحه مع المسلمين، ولم يكد يتم المهاتما هذه الجملة القصيرة حتي انطلقت ثلاث رصاصات، من مسدس برتا صغيرة، أصابت اثنتان منهما بطنه، والثلاثة صدره، وهتف غاندي:"أي رام.. أي رام "ثم سكت ولم يتكلم ولم يكن رام هذا سوي بطل من أبطال القصص الدينية تقص سيرته كنموذج رفيع للتضحية وبذل النفس. ولفظ غاندي بكلماته الأخيرة قائلا لقاتله: "انه خطئي أنا لأنني لم أعلمك الحب".
أضيئت الي جانب رأسه، خمس شمعات تمثل العناصر الخمس: الهواء، والضوء، والماء، والأرض، والنار.
وفي لحظات انطلق النبأ الي الهند بأسرها، وعم البلاد الشعور بالحزن ومن ضمن القصص التي رويت أن عروسين كانا قد تهيئا للزفاف، فلم يكد يصدمهما النبأ الفاجع حتي وقفا مراسيم الزواج وذهب كل منهما الي بيته ليشارك الأمة في حزنها القومي وليشارك الانسانية في حدادها الانساني.
ويضيف رضوان: كانت وفاة غاندي وفاة رمزية حقا، ويزيد في دلالة رمزها أن غاندي كان في الليلة السابقة يرتل نشيدا ذائعا في بلده بورباندر التي ولد فيها قائلا: "هذه دنيا غريبة.. فإلي متي سألعب فيها لعبة الحياة".
قال عنه آينشتاين: "إنه يقترب من الاستحالة أن يمتلئ قلب بالحب والرحمة لإنسان من دم ولحم كما كان ذلك عند غاندي".