بدأ فكر النهضة القومية والثقافية العربية بالتبلور في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الفائت، حاملاً في ثناياه مهمّة أساسية وواضحة هي، التجديد الشامل في الواقع العربي وإحداث الإصلاح والتغيير الديمقراطي والتطور العصري في جميع نواحي الحياة .
احتل موضوع الحرية السياسية والفكرية مساحة كبيرة وحيزاً واسعاً في أدبيات النهضة العربية، حيث دعا أقطاب الفكر النهضوي إلى التحرر من أغلال العبودية الإجتماعية والتبعية للإستعمار الأجنبي ومحاربة القيم الرجعية والتحجر الفكري والتعصب الديني، وإنجاز العدالة الإجتماعية، وتحقيق المساواة للمرأة، وتجاوز الإنتماءات الطائفية والعشائرية، وذلك انطلاقًا من رؤيتهم أنّ "الدين للـه والوطن للجميع". كما اهتموا بقضية الإنبعاث القومي والثقافي، وساهموا بصورة خلاّقة وفعّالة في صيانة التراث الأدبي العربي والحفاظ على اللغة العربية وتعميق المفاهيم الحضارية، واعتماد الطريقة الغربية في كتابة تاريخ الأدب العربي والتمدن الإسلامي .
وفي المجال السياسي الثوري حضّوا على الوحدة في مواجهة الإحتلال الأجنبي والكفاح ضدّ الظلم والقهر والإستبداد والإغتراب وسلب إنسانية الإنسان وسحق حرية الفرد، وركزوا على أهمية نشر قيم الثورة التجديدية والتنويرية الشاملة من أجل الديمقراطية وحرية الفكر والرأي والإبداع، والإهتمام بالعلم كحاجة ماسة للنهضة القومية، والإستفادة من إنجازات الثورة العلمية الأوروبية، والعمل على التثقيف والتنوير الفكري النقدي، وتقريب العلوم الإنسانية والفلسفية والمعارف العلمية إلى وجدان وعقل الإنسان العربي .
كذلك فقد دعوا إلى تعليم المرأة وضرورة إشراكها في بناء المجتمع ومؤسسات الدولة، ونادوا بتهذيب النفس العربية والإسلامية من الشوائب التي علقت بها كالسحر والخرافة والتزمت، وإشراك الجماهير العريضة في الحياة السياسية والإجتماعية، وطالبوا بفصل الدين عن الدولة لأن لكل منهما وظيفته .
في الإجمال، إنّ فكر النهضة قدّم إسهاماً كبيراً في شقّ الطريق لتطوير المجتمع العربي، الذي كان وما يزال يرزح تحت وطأة الظروف التي خلّفها الحكم العثماني، وساهم في تنشيط وتقوية الحركة الفكرية العربية، التي حملت مهمّة الخلاص من مجتمع الإضطهاد والفقر والظلم والتخلّف والإرتقاء بالإنسان نحو آفاق النهوض الإجتماعي والوعي السياسي والتطور الثقافي والإجتماعي والإقتصادي، وبناء المجتمع المدني العلماني الحضاري .