حين تتربّع المرأة على عرش السلطة
اِستخفّت الثقافة الأوروبية، منذ وقت طويل، بالتجارب الكثيرة لحكم الملكات والحاكمات بالوصاية، بل وعدّتها هامشية. لكن مع تسعينيات القرن العشرين، سَلّطت أبحاث تاريخية جديدة الضوء على الموضوع. وهو ما أدّى إلى إعادة التفكير في انتقال السلالة الملكية في السلطة إلى النساء، وزرع الشك في أن المبدأ الذي كان يُشرّع ذلك الاستبعاد هو مبدأ مبني على أسباب مرتبطة بالجنس بسبب تقسيم "طبيعي" للأدوار بصورة عامة . إلا أن فكرة السلطة النسائية المنتشرة منذ فترة طويلة بين المؤرخين المتخصصين، التي لم يتم استبعادها تمامًا حتى يومنا هذا، تؤيد أن حكومات النساء كانت سيئة الحظ أو موفّقة في حالات عابرة .
في إطار متابعة مدى نجاح النساء أو إخفاقهن في السلطة أصدر "مشروع كلمة" التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة ترجمة لمؤلف تاريخي من اللغة الإيطالية بعنوان: "ملكات بمحض الصدفة" لأستاذة التاريخ بجامعة بولونيا، شيزارنيا كازانوفا، بترجمة المصرية أماني فوزي حبشي ومراجعة التونسي عزالدين عناية . يتناول الكتاب إعادة تقييم الحكم النسائي على مدار التاريخ، وخاصة في الثقافة الأوروبية التي ظلت -لفترة طويلة- تُهمش العديد من تجارب الحكم النسائي للملكات أو للحاكمات بالوصاية . حيث تناول الكتاب تلك التجارب من زوايا متعددة، مع إعادةٍ تشخيص طرق تناولها .
فلقد انتشرت عبر التاريخ ثقافة تناول حياة الملكات والحاكمات، في روايات اعتمدت إلى حدّ كبير على الإشاعات والأقاويل المسيئة للسمعة . والتي كان يطلقها خصوم النساء الحاكمات، أو كارهو النساء عموما في تلك الفترات . وفي الروايات الحديثة أصبح التركيز على التحليل الذاتي لأبطالها دون الالتفات إلى الأعمال والإنجازات السياسية والاجتماعية لهن. تحاول المؤلفة إذن من خلال بحثها هذا، أن تعيد تناول حكم عددٍ من الملكات والحاكمات في أوروبا وروسيا، وكذلك المشكلات التي تعرّضن لها، والحروب التي نشبت في محاولة للحيلولة دون تولّي المرأة السلطة، مثل حرب المائة عام، وحروب إيطاليا، وحرب القرن الثامن عشر، التي نشبت رفضًا لتولي ماريا تيريزا النمساوية للحكم .
من جهة أخرى استطاعت الكاتبة أن تلقي الضوء على التباين في تقبُّل الحكم النسائي في إنجلترا وفي روسيا، وكيف أتاح وجود النساء الحاكمات للبرلمان الإنجليزي الحصول على قدر أكبر من الصلاحيات، مما أدى تاريخيًا إلى الواقع السياسي الحالي . وعلى الجانب الآخر كيف كان جلوس النساء على كرسي الحكم في روسيا، غير مسبب لردود الأفعال نفسها التي كانت تشهدها أوروبا من رفض واستياء، حيث تولت ثلاث نساء الحكم في روسيا في أعقاب وفاة القيصر بطرس الأول، ولم يتعرضن لما تعرضت له كثير من الملكات في أوروبا من عمليات تشويه للسمعة .
تناول الكتاب أيضًا بالعرض بعض الشخصيات النسائية ودورهن السياسي في الوساطة، بل وألقى الضوء على حساسية دورهن . حيث غالباً ما كنّ يتولّين الحكم في ظل ظروف سياسية دقيقة، وأوضاع تتميز بالفوضى في أعقاب وفاة الملك . وكيف نجحت تلك الشخصيات، على الرغم من تناول حياتهن بشكل هامشي، في استعادة الاستقرار، أو في الوصول إلى نوع من الوساطة السلمية، وخاصة في حالة الحروب البروتستانتية الكاثوليكية . تناول الكتاب أيضًا دور تلك الشخصيات في رعاية الفنون، ولم ينكر الدور السلبي لبعض تلك الشخصيات وتأثيرهن السيء على الملوك، حيث اعتمدت الكاتبة بشكل كبير على العديد من الأبحاث، وتناولت تلك الشخصيات من وجهات نظر متنوعة وزوايا مختلفة .
الكتاب هو من تأليف الأستاذة شيزارينا كازانوفا، وهي جامعية تدرّس التاريخ الحديث في جامعة بولونيا الإيطالية، وتهتم بالدراسات المجتمعية وتاريخ العائلات والنساء والأجناس وتاريخ العدالة. وللمؤلفة أعمال أخرى، منها: "العائلة والقرابة في العصر الحديث"، "إيطاليا الحديثة: موضوعات واتجاهات تاريخية" وغيرها .
المترجمة أماني فوزي حبشي، حاصلة على الدكتوراة في الأدب الإيطالي، والجائزة الوطنية للترجمة عام 2005. مصرية مقيمة في المملكة المتحدة، سبق أن ترجمت عدة أعمال منها: "بندول فوكو" لأمبرتو إيكو، "الفسكونت المشطور" لإيتالو كالفينو، "شجاعة طائر الحناء" لماوريتزيو ماجاني وغيرها.
المراجع عزالدين عناية، أكاديمي تونسي يدرِّس في جامعة روما، ترجم وراجع ما يربو عن خمسين عملا من الإيطالية إلى العربية.
ملكات بمحض الصدفة (مؤلف تاريخي)
المؤلفة: شيزارنيا كازانوفا
المترجمة: أماني فوزي حبشي
المراجع: عزالدين عناية
"مشروع كلمة"، أبوظبي 2016.