عن
مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة؛ صدر للروائي الفلسطيني المقيم في كندا "م. عبد الكريم الحسني" روايته "من حمامة .. إلى مونتريال".
تقع الرواية في 574 صفحة من القطع الكبير، ويحوي تسعة عشر فصلاً.
الكتاب يُميط اللثام عن مشاهد هامة من حياة مواطن فلسطيني من بلدة (حمامة) في مراحل العمر المختلفة في بيئات مختلفة، هو رحلة عمر شاقة من (فلسطين) إلى التيه، فهو ليس مدونة تاريخية أو مذكرات تحكي سيرة ذاتية كما قد يبدو من الوهلة الأولى بقدر ما هو وصف للمشاهد التي عاشها عشرات الألوف من الفلسطينيين، وهو ليس حديث سياسي أو تحليل أو نقد أو وصف لمعارك أو سلوكيات بقدر ما هو شهقة حزن لأناسٍ ينتمون إلى وطن اُنتزع منهم قسرًا؛ وما زال يعيش فيهم.
الكتاب رسالة لكل الأجيال العربية القادمة التي لم تحضر الحدث لكي تعرف ما حل بأطفال (فلسطين) وأبنائها من عذابات. إنه ومضة معرفة، ووثيقة للباحث، ومصدر إطلاع للقارئ والدارس، ومشهد ثمين لحياة تركت أثرها منذ أن دخل الجنرال البريطاني (اللنبي) مدينة القدس بعد دحر جيوش الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الأولى حين قال قولته الشهيرة: "الآن استطيع أن أقول بأن الحروب الصليبية قد انتهت".
في مقدمة كتابه يقول م. عبد الكريم الحسني:
" لقد أودعتُ في هذا الكتاب حبي الكبير لـ(فلسطين) وطني السليب، وجعلته يحتضن حنيني لبلدة (حمامة) مسقط رأسي، وكيف لا و(حمامة) هي ابنة آلهة الإغريق القديمة، وأهاليها هم من جعلوها وادي حمى لجيوش صلاح الدين حينما كان يهاجم آخر معاقل الصليبيين في عسقلان الخالدة، كما واستظل فيها أيضًا الفلسطينيون الأوائل أصحاب الممالك الخمس الذين أتوا بالحضارة من خلف البحر، فكانوا أول من أدخل الحديد إلى (فلسطين)، وأصبحوا عنصر القوة لأهلها من أحفاد اليبوسيين والعموريين والكنعانيين أهل تلك الأرض الحقيقيون.
في كتابي هذا أودعتُ عتابًا على أمتنا العربية التي صارت عن جهل تعتنق عقيدة الإقليمية، وتجعلها دينًا وحياة حتى أضحت كلمة عربي لا تعني شيئًا. لقد حاولت من خلال هذه السيرة المتواضعة لإنسان عادي أن أُري القارئ كيف يُحاكي الإنسان الفلسطيني الواقع الذي فرض عليه منذ عام 1948م."
أهدى المؤلف كتابه إلى :
" إلى كل أرواح الشهداء الذين سقطوا من أجل (فلسطين)
إلى كل المناضلين والصامدين والمعذبين في (فلسطين)
إلى كل من يؤمن بالوحدة العربية من أجل (فلسطين)
إلى كل الذين يرفضون نسيان ما حدث في (فلسطين)
إلى أهالي (حمامة) الذين يفخرون بالانتماء لـ (فلسطين)
إلى الأبناء والأحفاد من الأجيال الفلسطينية القادمة
أهدي هذا الكتاب "
• • • • •
م. عبد الكريم الحسني
www.hamama.ca
• كاتب وروائي فلسطيني، ولد في الحرب العالمية الثانية في بلدة حمامة الساحلية بفلسطين سنة 1943م
• هاجر قسراً ولجأ مع أسرته إلى قطاع غزة في عام 1948م وعاش حياة اللاجئين.
• اهتم بالعمل الوطني إبان سطوع نجم الناصرية، وأنخرط بالأنشطة الطلابية كإتحاد طلبة فلسطين في مصر.
• عمل بعد التخرج من الجامعة في دولة الإمارات ( 1968-1986م ).
• هاجر مع أسرته إلى كندا سنة1986م.
• صدر له :
- من حمامة إلى مونتريال : رواية . شمس للنشر والإعلام، القاهرة 2009م
- البريد الإلكتروني: hampal48@yahoo.ca
- الموقع الإلكتروني: www.hamama.ca
• • • • •
مقاطع من رواية:
من حمامة .. إلى مونتريال
... خرجنا من بلدتنا ولم يحل الظلام الكامل إلا بعد أن توارت عنا بيوتها؛ التي لم أرها منذ ذلك الحين؛ قال والدي إننا سنبتعد في سيرنا عن الطريق العام المؤدي جنوبًا إلى مدينة (المجدل)، وسننحرف عنه في الاتجاه الجنوبي الغربي نحو الساحل، لأجل أن نتخطى مدينة (المجدل) من جهة الغرب، ونسير على الطرق الرملية التي تعترضها كثبان الرمال التي تطل هنا وهناك على شاطئ البحر، ذلك لأجل ألا يُعيقنا الجيش المصري الذي بدأ انسحابه قبلنا من مدينة (المجدل) التي كانت معقله الرئيسي ومقر قيادته، وربما كان انسحاب الجيش المصري، هو ضمن قرار الهدنة بين العرب واليهود عام 1948م، الذي فلإرض على العرب بصفة عامة، ليضحى الأمر في (فلسطين) على شاكلة جديدة.
كنتُ في تلك الأيام أعرف شيئًا واحدًا هو الخوف، وكنت أرى الذعر على وجوه الجميع واقعًا يعيشه كل من رأيت من أهل بلدتنا في الطرق التي كانت تضربها أقدامنا في ذلك المساء.
كان والدي قد التقط خبرًا من الهائمين على وجوههم من أمثالنا الذاهبين إلى الشتات، كان الخبر يقول: إن الجيش المصري ينهر الناس في أماكن تحركاته، خصوصًا على الطرق التي تصلح لسير الآليات، وذلك لأجل تفادي أمر اكتشافه من قبل المستعمرات اليهودية، التي كانت كثيرًا ما تُهاجم القطاعات العسكرية المصرية ومراكز التقاء الطرق، أو تنصب فيها الكمائن العسكرية.
وفعلاً ما كدنا نبدأ خط سيرنا المعدّل، حتى وجدنا أعدادًا هائلة من الناس، كانت تتحاشر في الطريق الرملي المتعرج الذي راحت تعبده الأقدام من كثرتها، ومن شدة عنف حركتها، كان الظلام يخيم رويدًا رويدًا، وشمسنا أفلت في الغرب على ميمنتنا، ولم تترك إلا شفقًا أحمرًا باهتًا، وظلامًا سرمديًا يسدل خيوطه خلفنا، ومع كتل أخرى من الظلام الحالك تترامى أمامنا، وستارة هشة من رقعة سماء ملبدة بالغيوم فوقنا، وكان الظلام دامسًا، كانت تسوقنا الأهوال مطرودين من أرضنا التي امتزج ترابها بذرات أجساد الأجداد، وربما كانتْ أرواحهم في ذلك المساء المشئوم تناجي التاريخ شفقةً علينا، وتلعن البشرية التي لم ترحم جحافلنا المذعورة.
كنا نسير جماعات وقطعانًا من مختلف القرى والبلاد الواقعة جنوب مدينة (يافا)، على شكل أكوام من البشر، يُغطينا الظلام الذي لم يفارقنا منذ ذلك الحين... رأيتُ الناس يحملون أمتعةً متنوعة ومختلفة، ولكنها ليست كثيرة، وبعضهم يحمل أمتعة على ظهور الدواب، ولكن ما لفتَ نظري هو عدم سماعي لصياح الأطفال على غير العادة حينما تكون الجموع غفيرة، ويبدو أن الأطفال جميعًا في ذلك المسير قد أصابهم أيضًا الخوف والذهول، ويبدو أنهم كبروا بلا طفولة في تلك الظروف.
لقد كان شيئًا عاديًا أن لا تستطيع الأم التقاط ولدها من الشارع إذا اقتحمت العصابات اليهودية المسلحة البلدة، وكان يتخلى الوالدان المقهوران عن أطفالهما، لأجل أن يتمكنا من الهرب، وليبتعدا بسرعة عن اليهود الذين كانوا يطلقون النار تقتيلاً وإرهابًا، كانوا يقتلون عشوائيًا عددًا من الناس لأجل أن يخاف أهالي البلدة الآخرون ويتركون ديارهم فارين من الموت. كنا نحن الأطفال نسمع عن هذه الأخبار المرعبة، ولهذا كنا نلتزم بأوامر الوالدين أكثر مما كان يطلبه الأهل منا. وهكذا بدأت النكبة منذ أيامها الأولى ترضع الأجيال الجديدة، فصول العذاب والشقاء التي ستتحدث عنها الأيام...
• • • • •

