مـــن نُـصــوصِ بــرلــيــن

2010-11-07

 منتقىً من كتابٍ يصدر قريباً عن ( دار التكوين ) بدمشق تحت عنوان : أنا برلينيّ ؟ بانوراما "


السّــاعــة


حمامتانِ حـطّـتــا ، في صيفِ برلين

على مبنىً بلا نوافذَ.

الحمامتانِ َ

كانتا بين الهوائيّاتِ والأطباقِ والسطحِ الـمُـصَـفّى

تبحثانِ

عن بذورٍ

عن بقايا خُبزةٍ

عن قطرةٍ ...

أسمعُ ، في الهدأةِ ، منقارَينِ :

تِك ْ

تِكْ

أهِـــيَ الساعـةُ ؟

هل دقّتْ على المبنى الذي بلا نوافذَ ، الســاعةْ ؟


برلين 15.06.2010















اللوبار القديمAlt - Lubars

"ضاحيةٌ في شــمالَي برلين "


الخيولُ التي لا نراها

الخيولُ التي قد نراهنُ يوماً عليها

الخيولُ التي تسكنُ المنزلَ الضخمَ ، لكنْ بلا عرباتٍ ولا عربنجيّـةٍ

كلُّ تلك الخيولِ المطهّمةِ

ارتضت اليومَ ألاّ ترانا

ارتضتْ ، منذ أن وُلِدَ الرســمُ ألاّ نراها ...

هكذا

نحن في ملعبِ الخيلِ ، لكنْ بلا أيّ خيلٍ !

.....................

.....................

.....................

إذاً

هل نكون ُ: أنا. أنتَ . أنتِ

الجميعُ

كما كانت الخيلُ ؟

أعني : أنحنُ ، هنا ، نحنُ

أمْ أننا رَسْــمُ نحنُ ؟


برلين 15.06.2010






متاعب


مُـتَـعـتَـعةً بالسُّكْــرِ كانت ْ

جَهِدْتُ في إعادتِها للبيتِ ...

كانت تقولُ لي:

لنذْهبْ إلى ملهىً ، أريدُ أن أراقصَكَ !

الملهى قريبٌ ...

........................

........................

........................

أقولُ : يا هُـنَـيْـدةُ

لن يرضَوا بأن تدخلي ...

أرجوكِ !

عرَّيتُها

ثمّ اتّرَكْتُ حديثَها يُـبَـقْـبِعُ تحتَ الماءِ

...............

...............

...............

نشَّفْتُ جسمَها اللذيذَ

وقلتُ : استمتعي ، بنعومةِ الحريرِ !

لقد أغمضتِ عينيكِ فاذهَبي إلى الـحُلْـمِ

إني رهْنُ حُلْمِكِ ...

إنْ أردتِ حُـبّـاً نكُنْ جسماً مع الدفءِ واحداً

وإنْ لم تريدي الآنَ

نرقدْ إلى الغدِ !



















البِســـْـتْرو!


كان هذا البِسترو غيرَ بعيدٍ . أقلّ من ربعِ ساعةٍ نقطعها مشياً من المنزل.

قلتُ لابنتي : نحن نمرّ يوميّاً من هنا . لندخلْ مرّةً !

كان البِسترو منخفضاً عن مستوى الرصيف . تهبطُ أربعَ درْجاتٍ ، لتكونَ في شبه حديقةٍ .

في شبه الحديقة ثلاثُ موائدَ ( فارغة في العادة ).

كان زبائنُ البِسترو النظاميّون يجلسون في الداخل ، يواجهون البارَ وسيّدتَه.

جلستُ مع ابنتي في الحديقة.

حيّتْنا امرأةٌ ، كانت تجلس ، مصادفة، في الحديقةِ .

قالت : المرأة ، سيدة البار ، تتحدّث بالإسبانية.

لا أدري لِمَ قالتْ ذلك .

ربما لأننا لا نبدو ألمانيّيَنِ .

جاءت السيدة . قالت بالإسبانية : إنها من فنزويلا .

قلتُ لها: أنا كنت في فنزويلا . كاراكاس . الأنديز . بداية الأمازون...

قالت : في لَرِيدا . البرد شديد ( كانت تتحدث عن الولاية التي تفخر بجبال الأنديز ).

قلت : الناس يحبّون شراب الروم مع الليمونادا !

Ron con limonada !

قالت :

( كوبا الـحُرّة )Cuba Libra

قلتُ : أريد الروم مع الليمونادا . عاشتْ فنزويلا !

تغيّرتْ ملامحُها فجأة: تسقط فنزويلا ! شافيز شــيوعيّ ...

قلتُ : عاشت فنزويلا!

*

لم أقُلْ لها إنني قابلتُ شافيز مرّتين ، إحداهما كانت في القصر الجمهوريّ .

*

دخلتُ المكان ثانيةً .

السيدة الفنزويلية التي تكره شافيز لم تكن هناك.

طلبتُ شــراب الروم مع الليموناد !


القطار الألــمانيّ


أينَ تمضي برُكّــابِها كلُّ هذي القطاراتِ ؟

في الفجرِ تَهدرُ

في الليلِ تَهدُرُ

في الظُّهرِ تَهدرُ

حتى الـمـخدّةُ تهتزُّ من هولِ هذي القطاراتِ

صفصافةُ الـحيّ تهتزّ

والبابُ في مَشـربِ البيرةِ

المخزنُ الآسيويّ

وتمثالُ بوذا ،

الندى...

اين تمضي برُكّــابِها كلُّ هذي القطاراتِ ؟

أنّى ستُلـقي بهم؟

وإلى أين تتّـجـهُ؟

العالَمُ ارتَـدَّ ( نعرفُ ؟ )

................

................

................

تلك القطاراتُ تمضي إلى الإتّجاهِ الـمعاكِسِ

( نحوَ محطّـتِها قبلَ قرنَينِ )

تمضي بركّابِها ،

هي تمضي بركّــابِها الغافلــين ...


برلين 08.07.2010


القناةُ البرلينيّةُ ذاتُ الماءِ الأخضر


جوان ماكنلي ، تعرف ، بالضبط ، القناةَ التي ألقى الضبّاطُ البروسيّون ، فيها ،

جثّةَ روزا لكسمبورغ. وهي تعرف ، بالطــبعِ ، اســمَ الجســـرِ

القائمِ على هذه القناةِ حــتى الآن . كنّا نسيــرُ من ساحة اكسندر بلاسه

مارَّينِ بالكتــابةِ البرونزيّةِ الناتئةِ ، الكتابةِ التي أرادها الألمانُ الديموقراطيونَ

خالدةً . أقوالِ روزا لكسمبورغ. روزا الحمراء. قالتْ جوان : هنا! وأشارتْ

إلى إلى القناةِ ، حيثُ الماءُ يجري أخضرَ داكناً . منذ عشرين عاماً ظلّتْ صحافةُ

اليمين ( كما روى مؤيَّـد الراوي ) تذرفُ الدموعَ على الماءِ الأخضرِ الداكنِ.

قالوا : إن الشيوعيين لوَّثوا الماءَ . صبغوه أخضرَ . وقتلوا الأسماكَ .

الماءُ ( في القناةِ التي ألقى فيها الضبّاطُ البروسيّون جثّةَ روزا لكسمبورغ ) لا يزالُ

أخضرَ داكناً . لا أحدَ يذكرُ روزا الحمراءَ سوى كلماتِها هي ، كلماتِها

المقدودةِ برونزاً ، في أضلاعِ الشارعِ الألمانيّ القديم. لكنّ جوان ماكنلي تحفظُ ،

مثلَ تعويذةٍ ، اســمَ الجســر.


برلين 08.07.2010











خــيمـةُ الوبَـرِ


نحن لا نتذكّرُ ...

والأمرُ أعقدُ من أننا ، مثلَ ما يقعُ الآنَ في السوقِ ، لا نتذكّرُ.

نحن انتهينا من التمرةِ

السعفِ

والنخلةِ ...

اليومَ ، نحن مُـقِيْمونَ في حِصْنِ مَن لم يرَوا

نخلةً

حِصْنِ مَنْ لم يمُصّوا نواةً

ولم يَخْضِدوا سـعفةً .

حِصْنِ مَن لم يرَوا غيرَ ما يخزِنُ الحصنُ :

تلكَ الحبوبَ

وذاكَ الغروبَ ...

وما كتبوا في صحائفِ رِقٍّ مُذَهّبةٍ .

نحن لا نتذكّرُ ...

لكنْ هنالك مَن يذكرون...

هنالكَ مَن يعرفونَ عيونَ المياهِ العجيبةِ في التيهِ ،

مَن يعرفون تواريخَنا

واحداً

واحداً ...

مثلاً :

يعرفون بأنّ فلاناً قضى قبلَ أن يولَد !

الأمرُ ليس عجيباً ( كما تتصوّرُ )

الأمرُ أبسطُ من كل هذا :

إن اخترتَ خيمتَكَ الوبَرَ الـحُرَّ بيتاً

نجَوتَ !

صيف

ألمانيّاتٌ مكتنزاتٌ يتمدّدنَ طويلاً

تحت سماءٍ ساخنةٍ.

والساعةُ ثالثةٌ ب.ظ

الألمانياتُ طويلاتٌ ، مكتنزاتٌ

والشمسُ مواتيةٌ ...

والألمانيّاتُ يَسِــحْنَ ، تماماً كالزبدةِ

مشكلتي أني أقرفُ من مرأى الزبدةِ

أو من مأكلِها

...............

................

...............

الألمانيّاتُ المكتنزاتُ تمدّدْنَ طويلاً !










كيف انتهيتُ إلى تلك الشقّـةِ ...


كان الصيف البرلينيّ رائقاً. شمسٌ ناعمةٌ.شجرٌ مخضلٌّ بندى الليل.فتياتٌ أشباهُ عرايا. مقاهٍ مزدحمةٌ دوماً. وأكشاك مآكلَ ألمانيّةٍ تقليدية ، و "شاورمة" تركيّة.

كنت أعرف العنوان. الشقة قريبةٌ من ألكسندر بلاسّــه ، وليست بعيدةً عن " سوق آسيا "

المتخصص ببيع المواد الغذائية الصينية. أقرأُ الأسماءَ على لوحة أجراسِ الساكنين. اسمُها بين الأسماء.

أضغطُ على الجرس. تنفتح بوّابةُ المبنى. أدخلُ . أقطعُ مدخلاً غيرَ طويلٍ. أجدُني عند الباب الخلفيّ لمطعمٍ تايلانديّ. أحدُ العمّالِ كان يتناول وجبةَ الظهرِ هناك. الوجبة ( المجانية افتراضاً ) متواضعةٌ جداً. أنا الآنَ عند بوّابةٍ ثانيةٍ من الحديد الثقيل تنفتحُ على سلالم . شقّة ديزي في الطابق الأعلى.الصعودُ مرهِقٌ ، ربّما لأني ارتقَيتُ الدّرْجاتِ متلهِّفاً. كان بابُ الشقّةِ مفتوحاً

و ديزي واقفةٌ بالباب ، تبتسمُ ابتسامةً شبه ماكرةٍ:

استدللْتَ ، إذاً ؟

* لن يضيعَ مَن يقصدكِ !

- كانت الشقّة تطلّ على ساحة ألكسندر بلاسّـه ، لكنهم بنَوا هذا الفندقَ البشع فحجبَ الساحةَ.

الشقة بدتْ لي أصغرَ شقّةٍ رأيتُ في حياتي. غُرَيفةٌ واحدةٌ فيها زاويةٌ للطبخ ، وثلاجةٌ صغيرة. نافذةٌ واحدة. عند البابِ مرافقُ صحيّة ، ومَرَشّ استحمام.

لديّ عقدةُ الضيقِ بالمكان الضيِّق ( كلوستروفوبيا ).

قلتُ : لنخرجْ !

قالت: إلى أين؟

أجبتُ : إلى المدينةِ . إلى أي مكانٍ . دعينا نتناولُ الغداءَ معاً.

*

خرجنا من المبنى.

ورحنا نتجوّلُ ، بلا مقصدٍ .

أنا مع ديزي للمرة الأولى في برلين . كنتُ رأيتُها في لندن مرّتَين ، مصادفةً . لم تكن بيننا علاقةٌ.

على أي حالٍ . دخلنا مطعماً في حيّ شعبيّ ببرلين الشرقية التي أطمئِنُّ إليها . طلبنا "شْـنِتْسِـلْ" ، وشــربنا زجاجةً كاملة من نبيذٍ أحمرَ ثقيل.

عُدنا إلى الشقّةِ ، لنرقدَ متعانقَينِ حتى انتصفَ الليلُ !


مصطبة البحيرة


المرأةُ ذاتُ الأعوامِ الخمسةِ والتسعين تشاركني مصطبةً عند الشاطئ . كانت سفنُ النزهةِ تنتظرُ الركّابَ ، إلى لحظةِ إقلاعِ الـمَرْكبِ " موبي دِكْ" . والمرأةُ ذاتُ الأعوامِ الخمسةِ والتسعين

تُـتَـمْـتِمُ أغنيةً عن أُذُنٍ لا تسمعُ . عن أطرافٍ لا تنفعُ. عن أرصفةٍ تتذكّــرها الآنَ.

تقولُ المرأةُ : لم يكن المشهَدُ قبل سنينَ كما تشهدُه الآنَ .لقد قطعوا الأشجارَ ، وكانت

تحجِبُ مرأى الماءِِ.و ها أنت ترى أن الدنيا تتغيّرُ.

هل تعرفُ ماذا كانت هذي الضاحيةُ النهريّةُ من برلينَ الأصليّةِ ؟

لم تكُ شيئاً. وأقولُ لك : الآنَ ... الضاحيةُ النهريةُ لا تعني لي شيئاً

أعوامي الخمسةُ والتسعون تُـسَـمِّـرُني ، جنبَكَ ، عندَ المصطبةِ.اللعنةُ!

أطرافي لا تنفعُ .

أذني لا تسمعُ .هل تســمعُني ؟

......................

......................

كانت شمسُ أصيلٍ صيفيٍّ ، تلعبُ في وجه المرأةِ ذاتِ الأعوامِ الخمسةِ والتسعينَ .

وكنتُ

عميقاً أُنصِتٌ ...

كنتُ

بعيداً أســري في أعوامِ المرأةِ ذاتِ الأعوامِ الخمسةِ والتسعين.

أنظرُ في الوجهِ المتورِّدِ تحتَ الشمسِ الصيفيّةِ

أنظرُ في الشاطئ ...

......................

......................

......................

كان الـمَـرْكبُ " موبي دِكْ "

يُقْـلِعُ.

برلين 27.06.2010


الســاحةُ في الصــباح

Hanne Solbek Platz


يفتحُ هذا المقهى - المطعمُ ، في العاشرةِ ، البابَ

المقهى- المطعمُ ، صينيٌّ

( حيث جلستُ إلى طاولةٍ فارغةٍ )

والساحةُ

( حيثُ مَداخلُ أرصفةٍ لقطاراتِ المدنِ الألمانيّةِ )

ما زالت موحشةً

وتظلّ الساحةُ موحشةً

حتى العاشــرةِ ...

الفتياتُ سيأتينَ ، يسابِقْنَ حقائبَهُنَّ

إلى الأرصفةِ السودِ ؛

سيأتي الأتراكُ بما زرعوا

وسيأتي أكرادُ الأتراكِ بما صنَعَ الأتراكُ ،

وتأتي الدرّاجاتُ لِـتُربَطَ كالخيلِ

( عليّ الآنَ مغادرةُ الطاولةِ )

.................

.................

.................

الساحةُ

تستيقظُ

لكنْ ، متأخرةً ...

مثلَ امرأةٍ في الخمسينَ

مُدَوَّخةٍ من ليلةِ حُبّ !


برلين 30.06.2010


























الصّيفُ ناعمــاً


تدورُ طويلاً في المخازنِ

كلّما أتتْ مخزناً دارتْ قليلاً

وفكّرتْ قليلاً

ولم تلمُسْ

ولم تشترِ ...

.......................

.......................

.......................

الضحى ربيعٌ ، كأنّ الصيفَ راجَـعَ نفسَهُ

فهَبَّ خفيفاً.

ليتَها ، الصبحَ ، قد نضَتْ غلائلَها

واختارت البحرَ !

ليتَها !

ولكنَّ مَن تهوى بعيدٌ...

تـلَـبّــثَـتْ

ومدّتْ يداً :

أوّاه ، لو كان ههنا ، يداعبُني تحتَ القميصِ .

سأشتري القميصَ ...

وأرضى بالذي أتحسس !





يوميّات روما


" يوميّات روما " ، أو " قصائد إيروتيكيّـة " ، هي مجموعةٌ صغيرةٌ من قصائدَ كتبَها الشاعر الألمانيّ غوته ، عن رحلته الإيطاليّة.

القصائدُ نُشِرَتْ في حياته غير كاملة ، ولم تُنشَر كاملةً إلاّ بعد وفاتِه.

بل أن صديقه الشاعر شيللّر الذي كان يصدِر مجلةً أدبيةً في فايمار ،هي" دي هورن" مارَسَ نوعاً من الرقابة ، وطلبَ من غوته الامتناع عن نشرِ إحدى القصائد ، كما حذفَ من قصيدةٍ أخرى.

*

بإمكاننا الآن النظرُ إلى الأمر كله في ظروف القرنين الثامن عشر و التاسع عشـر بألمانيا ، معتبرين دورَ المنصبِ الرسميّ ، والوضعِ الاجتماعيّ ، لغوته ، آنذاك.

هذه القصائد الإيروتيكيّةُ ، متفاوتةٌ في صراحتِها.بعضُها يمكن إدراجُه في ما اصطُـلِـحَ عليه عندنا بـ " الأيريّات " ، مثل قصائده التي تمجِّـدُ بريابوس " المرادفَ اللاتينيّ للأيـــر .

بعضُها يمكن إدراجُه في الشعر الفاضح ، مثل تلك القصيدة التي كتبَها عن فينيسيا " البندقية " مقارِناً بينَ ضيقِ أحدِ أزقّتِها ، وضِيقِ فرْجِ عشيقتِه الإيطاليّة . كأنه يؤكدُ قولَ تلك الأعرابيّةِ:

يريدونه ضَـيِّـقاً ، ضَـيَّـقَ اللهُ عليهم !

بعضُها تُـمْكِنُ إحالـتُــه على السـرد ، مثل تلك القصيدة التي يروي فيها كيف تعطّلت

العربةُ التي كان يسافرُ بها ، فاضطرّ على المبيت في نُزْلٍ . وهناك أقامَ علاقةًً مع فتاة الـنُّـزْلِ التي تسلّلتْ إلى فراشِــه حين انتصفَ الليلُ ، ولم يستطعْ أن يمضي في عملية الحبّ معها بعد أن قالت له إنها عذراء...

وثمّتَ قصائدُ يتحدث فيها عن عشيقتِه الإيطالية التي كلّفتْـه عِشـرتُها ثروةً ، كما ذكرَ صديقٌ له ، وكيف أن تلك الشابّةَ كانت تختالُ وهي في العربة في طريقِها إلى الأوبرا ...

إنه سعيدٌ بأن يروي تفاصيلَ الفراشِ وما يجري فيه ، كأن في الإعادةِ إفادةً ، كما يقالُ.

وهناك كلامٌ عن ضعفٍ جنسيّ كان غوته يعاني منه ، ومن هنا جاءتْ رحلتُه الإيطالية باعتبارها نوعاً من علاجٍ يبدو أنه كان شافياً.

بعد عودة الشاعر من إيطاليا ، تزوّجَ فتاةً في الثامنة عشــرة !

" قصائد إيروتيكيّـة" تُعتبَر من نتاج غوته ذي القيمةِ الشِعرية العالية من ناحية الصنعة الشِعرية ، ويُنظَـر إليها أيضاً باعتبارِها جزءاً من المهمّة التي نهضَ غوته بها باعتباره " محرِّراً " ، وفاتحَ آفاقٍ

في الثقافة الألمانية ، والمجتمع الألمانيّ بعامّةٍ.

 


صَــيــفٌ بَـرلـيــنــيّ


قطاراتُ الظهيرةِ ...

كان شــيءٌ من الضَّوعِ اســتوائيٌّ

وكانت ســراويلُ النساءِ تكادُ تَخفى

من القِصَـرِ .

الرجالُ مُـدَوَّخونَ الظهيرةَ .

سوف تمتلئ المقاهي بهم.

حتى إذا ضاقتْ أقاموا موائدَهم على العشبِ.

انتظرْنا مجيءَ السبتِ

يوماً بعدَ يومٍ ،

وها نحن الأُلى يمشونَ دوماً رعاةً غافلينَ ...

ألم تجدْنا بأبوابِ المحطّاتِ ؟

النساءُ استرحنَ إلى براري الـعُـرْيِ

أسْــرِعْ

و لا تَـخَـفِ

......................

......................

......................

القطاراتُ استفاقتْ

سـتَصْــفِــرُ ، مرّةً أخرى ، قليلاً

لتحملَــنا

وترمـيـنـا ،

بعيداً ...

حيثُ لن يعوي قطــــارُ !


برلين 04.07.2010


اضطرابٌ جَــوِّيٌّ


تَـخــاطَـفَ البرقُ ليلاً

والبحيرةُ والأشــجارُ غابتْ.

ســماءٌ ليس يسـكـنُــها

ســوى تَـخاطُـفِ هذا البرقِ ...

.................

................

................

ثانيةً

ويقصِفُ الرّعــدُ .

يأتي وابِلٌ هَـطِــلٌ ؛

ويشــربُ النـبتُ أمواهاً مقدَّســةً

وتدخلُ الغرفــةَ

الأرواحُ والورَقُ

ويَخْطِفُ البرقُ ...

في الـمَـبنى الـمُـواجــهِ بانتْ شُــرفةٌ

وبأعراقِ الجِـيرانيــومِ كانَ الكونُ يأتلِـقُ !


برلين 05.07.2010


الـــنّــواقيــس

هنا ، في برلين ، لا تسمعُ النواقيسَ ، إلاّ نادراً ؛ أوّلاً لأنها خفيضةُ الرنين ، وثانياً لأن الكنائسَ والكاثدرائيّاتِ قليلةٌ نسبيّاً.

برلين ، على أيّ حالٍ ، ليستْ مدينةً كاثوليكيةً ، ولا تُـمْـكِـنُ مقارنتُها ، في هذه النقطةِ ، بباريس ، المدينةِ التي تظلّ تئِنّ تحت سطوة الكاثوليكيّة. فرنسا جمهوريةٌ علمانيّةٌ لشعبٍ من المؤمنين الكاثوليك !

يقول بدر شاكر السياب:

بُوَيب

بُوَيب

أجراسُ بُرجٍ ضاعَ في قرارةِ النهَرْ

الماءُ في الـجِـرارِ ، والغروبُ في الشّـجَـرْ

هنا يستعملُ بدرٌ كلمةَ " أجراس " ويعني بها النواقيس. البرجُ هو بُرجُ كنيسةٍ ما .

عندما نُقِلَت، إلى لغتنا العربيةِ ، رواية إرنَستْ همنغواي الشهيرة :

To whome the bells toll

كان عنوانها : لِـمَن تدقّ الأجراس ...

لكنّ " النواقيس " هي الأقربَ إلى روح الرواية .

وعلينا ملاحظة أن همنغواي استعمل الفعل

Toll

Ring وليس

الفعل الأول يعني رنيناً فيه حزنٌ ، أي أنه ليس قرْعاً أو دَقّـاً كما يعني الفعلُ الثاني.

أرى أن العنوان الأقرب إلى روح رواية همنغواي ( المرثيّـة ) هو :

لِـمَـن ترِنُّ النواقيس

أو : لِـمَـن تئِنُّ النواقيس

*

في هذه الضاحية البرلينية ، حيثُ أقيمُ ، ضيفاً شِبْـهَ ثقيلٍ على ابنتي شــيراز ، أدمنتُ الـمشيَ رياضةً ونزهةً ، وفي مساءٍ مبكِّرٍ ، قُبَيلَ السادسةِ ، سمعتُ رنينَ ناقوسٍ خفيضاً. قلتُ لشيراز : لنتبع

الصوتَ . أريد أن أرى الناقوس!

في أعلى مبنىً ، كنتُ أمُرُّ به فلا أحسبُه كنيسةً ، كان ناقوسٌ حقيقيٌّ صغيرُ ، ينوسُ جيئةً وذهاباً ،

ويتردّد صداه بالرغم من السيارات المسرعة عادةً. ظللنا ننصتُ إلى الرنين حتى الخفقة الأخيرة !

برلين 06.07.2010






























حــديقــةُ غِــيْـزونــد بْرونِنْ

Gesundbrunnen's Garden


07.07.2010


مَـصاطِـبُـها (حينَ تَفْرَغُ من نائمِيها )

لها كُلْـحَـةُ الوحلِ.

والنائمونَ الذين مضَوا نحوَ أوَّلِ دُكّانةٍ في الصباحِ

سيأتونَ بالـجُـعَــةِ ...

الصبحُ يفتحُ دفترَهُ في الحديقةِ

كي يكشفَ العشبُ تاريخَهُ

من هشيمِ زجاجٍ

ورائحةٍ لـخُـراءِ الكلابِ

وبَـولِ السّكارى.

كأنّ الحديقةَ مهجورةٌ منذُ أن خُـلِـقَتْ والغُراب ...

كأنّ الذين بنَوا فندقَ " الهوليداي إنّ " جاراً لها

أنكَروا أنّ هذي الحديقةَ تُـسْــمى الحديقةَ

( كانت لهم خِرْبةً أو خراباً )

وقد يُخطىء المرءُ

مِـثلي،

فيأتي ليختارَ زاويةً للتأمُّلِ ...

لكنهم يجمعون هشيمَ القناني ، كما يَقطفونَ الزهورَ

وأعقابَ كلِّ السجائرِ

والإبَرَ ،

العُـلَبَ الورقيّـةَ

والقيءَ ....

................

................

زاويةٌ للتأمُّلِ ؟


جَـــوّابٌ


هذا الصباحَ ، جلستُ تحتَ الخيمةِ الخضراءِ

تحتَ الدّوحـةِ ...

العرَباتُ مســرعـةٌ وعصفورٌ أتى هذي الدقيقةَ ،

كلبُ ســيِّــدةٍ

وسائحتانِ يابانيّتانِ ،

الشمسُ ناعمةٌ

ويَبْلغُني الهديرُ الـمـَعدِنيُّ :

قطارُ شَـحنٍ مَـرَّ تحتَ الجِســر ...

لا ماءٌ

ولا شجرٌ

قطاراتٌ تَـمُــرُّ ؛

الأرضُ حولي ، خَشْـنــةٌ ، بُـنِّـيَّــةٌ

لا عشبَ تحتَ الدوحــةِ

امرأتانِ يابانيّتانِ ...

أهيمُ ، منذُ الفجرِ ، في طُرُقاتِ برلينَ .

......................

......................

......................

القطارُ يظلُّ يحملُني ، كطَــيرِ الرُّخّ .


برلين 09.07.2010


الـنّســـر البْروسِــيّ


كم قِيلَ : نَـسـرُ بْروســيا قد طارَ !

.......................

.......................

.......................

منذُ نهاية الحربِ الأخيرةِ طارَ عن برلين .

لا ندري إلى أيّ الممالِكِ طارَ ، أسحمَ في المســاء .

وهل بنى بالصخرِ والفولاذِ والذّهبِ الـمُـخـبّـأِ وكرَهُ ؟

وبأيّ طيرٍ أو طرائدَ كان يقتاتُ ...

المدينةُ ( وهي برلينُ العجيبةُ ) أغلَقَتْ حتى السّــماءَ ،

وبابَ بوّاباتِها : بْـرانْـدِنْـبَرْغ ، والجســرَ القديمَ .

ولن يعودَ النّـســرُ

نسْـرُ بْروسِــيا ...

*

واليومَ ...

في الصيحاتِ

في الأبواقِ

في الراياتِ

في ما تنفثُ الكُرةُ البعيدةُ ، تلكَ ، من إفريقِـيا

أبصرْتُ ذاكَ النســرَ

أسحمَ

مرهَفَ الـمنقارِ

مبسوطَ الجناحِ إلى النهايةِ ،

كان نسْــرُ بْروسِــيا

يختالُ ، في المرسيدس السوداء ، كالجنرالِ

في برلين ...

برلين 10.07.2010


الــزاويةُُ البــريطــانـيّــةُ


إذاً ... اكتمَـلَ الأمرُ ،

وصارتْ لكَ في هذا الكوكبِ زاويةٌ.

حقّاً ، إنكَ لا تعرفُ أسماءَ الأشجارِ

و لا ما نطَقَ الطيرُ

وإنكَ لا تعرفُ فيها أحداً

( تلكَ رؤوسٌ من حَجَـرٍ ، ووجوهٌ من قارٍ ... )

ولسوفَ تُحشرِجُ إنْ قلتَ :

إلى أينَ تؤدِّي السككُ ؟

الأغربُ أنكَ لم تدخلْ بيتاً لسواكَ

فلا جارَ

ولا أخبار

و لا حتى كلماتُ " صباح الخير ... "

وإنْ كانت كاذبةً .

.................

.................

................

لكنك تأوي ، مثلَ سواكَ ، إلى زاويةٍ

وقد اكتملَ الأمرُ

وصارتْ لكَ في هذا الكوكبِ زاويةٌ ...

فلماذا تشكو؟

أ لأنّكَ ما صافحتَ ، هنا ، أحداً ؟

أ لأنكَ ما صافحتَ ، هنا ، حتى نفسَك ؟


برلين 13.07.2010


مـــع مؤيَّــد الراوي


كلّما حللتُ ببرلين زائراً ، التقيتُ مؤيّداً .

أنا حريصٌ على الأمر ، لأن في لقاء الرجل تجديدَ صداقةٍ ، واستمتاعاً بأحاديث ، ومقاربةَ دعابةٍ .

السبت الماضي أمضيتُ معه أربع ساعاتٍ .

التقَينا في منطقة ببرلين الشرقية ليست بعيدةً عن محطة مترو " وارشــو " ، منطقةٍ للمقاهي والمطاعم ، وأهلِ الفنّ .

كان الناس يتابعون كرة القدم .

أمّا نحن ، الأثنين ، فلم نكن مسَمَّرَينِ إلى شاشة التلفزيون العريضة جداً .

كان حديثنا مختلفاً.

مؤيد الراوي يتساءل عن " أيّوبيّات " بدر شاكر السياب .

أتحملُ معنىً دينيّاً ؟

هل المعنى الدينيّ في نصوص بدر الأخيرة مقصورٌ على فترة المرض ، أم أن له تاريخاً أسبقَ في نصوصه؟

يقارن مؤيد بين بدر وناظم حكمت ، وكيف أن ناظم حكمت ظلَّ قويّاً حتى النهاية ، بينما كانت الرياح ، حتى الخفيفة منها ، تتقاذفُ بدراً .

يبدو أن المسألة ذاتُ إلحاحٍ .

ما السبب؟

مؤيد الآن يعاني من وطأة السّكّريّ.

بدأ بصرُه يَكِلُّ . ومشيتُه تضعُفُ .

صارت الكتابةُ عسيرةً ، بل شبه مستحيلة .

اقترحتُ عليه أن يملي على فخرية البرزنجي ، رفيقةِ حياته . قال : لا أستطيع . يجب أن أكتب !

*

لمؤيد الراوي فضلُ وضعِ قصيدة النثر ، في وقتٍ مبكرٍ ، على المسارِ الجادّ ، مع ديوانه المرموق

" احتمالات الوضوح " الصادر في العام 1974 .

لا أحدَ يعود إلى هذه المعلومة.

" شعراء" المكتب الثاني للجيش ، حوّلوا الأمرَ ( أعني أمرَ قصيدة النثر ) إلى مهزلة عامّــة مُـعَـمّـمـةٍ .

برلين 13.07.2010


مَـنْـظرٌ صــباحيّ


كان عندَ البحيرةِ

مستسلماً لانعكاسِ الغصونِ على الماء.

أخضرُ ماءُ البحيرةِ

والطيرُ أخضرُ

حتى كراسـي السفينةِ في الـجُـرْفِ خضراءُ .

ناقوسُ تلك الكنيسـةِ ، يُعلِنُ، وقتاً طويلاً

مجـيءَ الصباحِ.

المطارُ القريبُ استعدَّ ليستقبلَ الطائراتِ المبكِّــرةَ.

الآنَ ، تلمُسُ صفصافةٌ بجدائلِها كَـتِـفَـيَّ ،

وأهجِسُ أنّ أناملَ تضْـفِــرُ

إكليلَ آسٍ

بأزهارِ دُفلــى.

.....................

.....................

.....................

البحيرةُ ليستْ بلادَ طيورٍ مهاجرةٍ .

بجعٌ أزرقٌ ظَلَّ منزلِقاً

في مياهٍ بلا موجةٍ

أو طحالبَ.

فاختةٌ تتهجّى اسمَها في مجاهلِ حُرْجٍ بعيد...

برلين 14.07.2010
































 

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved