هذه الحرارة !
نصّ : دون ديليلّو ( من روايته " الصخبُ الأبيضُ " White Noise)
لا . لستُ أشكو . أُحبُّ العيشَ هنا . أنا شَغوفٌ بهذا المكان . مَرْبَعُ بلدةٍ صغيرةٍ. أريدُ أن أنعتقَ من المُدُنِ والورطاتِ الجنسيّة .
الحرارة .
هذا ما تعنيه المدنُ عندي . أنت تهبطُ من القطارِ ، وتمشي خارج المحطّةِ ، فتتلقّى الضربةَ بكل قوّتِها .
حرارة الهواءِ ، والسيّارات ، والناس .
حرارة الطعام والجنسِ .
حرارة العمائرِ العالية .
الحرارة التي تطفو من القطاراتِ تحتِ الأرضيّةِ ، والأنفاق.
دائماً ، الحرارةُ أعلى خمس عشرة درجةً ، في المدن .
الحرارةُ تَصّاعَدُ من المماشي ، وتَسّاقَطُ من السماءِ المسمومةِ .
الحافلاتُ تتنفّسُ حرارةً .
الحرارةُ تنبعثُ من حشودِ المتسوِّقين ومستخدَمي المكاتبِ .
البِنْيةُ التحتيّةُ ، بأجمعِها ، مبنيّةٌ على الحرارة ، تستعملُ الحرارةَ بنهَمٍ ، وتُوَلِّدُ من الحرارةِ ، المزيدَ .
والموتُ الآتي للكونِ ، بسبب الحرارةِ ، ذاك الذي يتحدّثُ عنه العلماءُ ، هذا الموتُ يَحْدُثُ فِعلاً ، وأنت تحِسُّ به يَحْدثُ حولكَ ، في أي مدينةٍ كبيرةٍ أو متوسطةٍ .
الحرارةُ والرطوبةُ .
أين تسكنُ يا مورَّيْ ؟
في منزلٍ ذي غرُفاتٍ للتأجير . لقد وقعتُ في الفخّ ، وخُدِعْتُ .
إنه منزلٌ قديمٌ ، هائلٌ ، متَداعٍ .
قرب مستشفى المجانين .
فيه سبعةُ مستأجِرين أو ثمانية ، يقيْمون إقامةً دائمةً ، بهذا الشكل أو ذاك ، ما عداي.
امرأةٌ منطويةٌ على سِرٍّ رهيبٍ .
رجلٌ ذو نظرةٍ مسكونةٍ .
رجلٌ لا يخرجُ ، البتّةَ ، من غرفتِه .
امرأةٌ تقف عند صندوقِ البريدِ ، ساعاتٍ ، تنتظرُ شيئاً ، يبدو أنه لن يأتي .
رجلٌ بلا ماضٍ .
امرأةٌ ذاتُ ماضٍ .
إن في المكانِ رائحةَ الحيَواتِ الشقيّةِ في أفلامِ السينما التي أستجيبُ لها حقّاً .
ترجمة : سعدي يوسف
11.05.2015
تورنتو ( كنَدا )