عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة؛ صدر كتاب "من سرق منا غزة؟" للكاتب والباحث الهولندي من أصل فلسطيني "أنس أبو سعده".
يقع الكتاب في 116 صفحة من القطع المتوسط. ويضم 28 مقالاً تتناول الشأن الفلسطيني والعربي، وهم الوطن وقضاياه المصيرية، كون غزة ليست همًا فلسطينيًا خاصًا، وإنما باتت معضلة عربية إسلامية مازال البحث جاريًا حول كيفية معالجتها.
يقول المؤلف في مقدمة كتابه:
(لا أعتبر كلماتي هذه غير الكلمات، ولا مقالاتي التي أنشرها بشكل دوري في بعض الصحف العربية - الإلكترونية منها أو العادية - ذات صفة خاصة، تُميزها عن غيرها من المقالات التي يكتبها الكثير من الكتاب العرب عامة، والفلسطينيين منهم خاصة.. بل أجد الكثير من مقالاتهم رسائل مهمة، وتجسيدًا واقعيًا للأمة العربية وحالها وقضاياها الكبيرة والمعقدة.. لكن اعتبر مقالاتي - وهذا ما ألمسه من خلال التعليقات والنقاش الذي اقرأ معظمه أو أسمعه من الأصدقاء والمعارف - هو ما تتطرقه هذه المقالات من قضايا أعتبرها ويعتبرها قرّائي قضايا مصيرية وحساسة في نفس الوقت..
طرقتُ أبوابًا كثيرة كانت دائمًا موصدة تحتاج لمن يحاول فتحها أو طرقها على الأقل، فتفتح فرصًا للنقاش والحوار لهذه القضايا والأمور التي تمس الإنسان البسيط قبل المهم، وتلامس أمورًا أو قضايا يواجهها الإنسان العربي والفلسطيني بشكل خاص..
كل هذه الأمور والقضايا كان لي على الأقل رأي، إن لم يكن اقتراح بشأنها؛ اقتراح لحل عقدها أو يفتح مجالاً للحوار وللبحث عن حلٍ لها، وهذا ما يكفيني ويسعدني أن أقدمه..
وها أنا أُقْدِمُ على نشر بعض هذه المقالات في كتاب بعنوان "من سرق منا غزة؟" ومن خلال الناشر "مؤسسة شمس للنشر والإعلام"، لعل الحوار يتسع والفائدة تعم وتشمل مواقع أكثر... ).
• • • • •
أنس أبو سعده
allpalest@hotmail.com
• كاتب وباحث ورجل أعمال هولندي من أصل فلسطيني
• نشرت مقالاته في الكثير من الصحف العربية والمواقع الإلكترونية.
• يستعد حاليًا لإنتاج أول فيلم روائي فلسطينيي بعنوان "نقطة تحول" قصة وسيناريو وحوار الروائي السينمائي الفلسطيني السيد سليم دبور وإخراج الفنان رفعت عادي.
• صدر له :
- من سرق منا غزة؟ : مقالات. شمس للنشر والإعلام، القاهرة 2009
- البريد الإلكتروني: allpalest@hotmail.com
• • • • •
أماكن منسية
من كتاب " من سرق منا غزة؟ "
صار الفلسطيني "لاجئًا" بعد أن كان سيد نفسه وأرضه..هذا باختصار هو النتاج الأقسى لنكبة الفلسطينين ونكساتهم.. فقدنا على إثرها السيادة على أرضنا التي ورثناها منذ آلاف السنين عن أجدادنا العرب الكنعانيين، فأضحى الإنسان الفلسطيني بلا ملجأ؛ فقد بيته الذي كان يأويه، ومُلكه الذي كان يحتمي به، كما فقد مصدر رزقه، وضمانة استقراره، وعنوان سيادته وهويته..
ورث هذا اللاجئ المكلوم عنوةً تركةً ثقيلة، أولها شخصية مميزة عنوانها البؤس والخوف من القادم! وشعارها خيمة بسيطة أو شبه بيت من "التنك"، وتنّقُل دائم بحثًا عن ملجأ! كما ورث حمل قضيته الوطنية والبحث عن حقه المسلوب..
سيقول الكثيرون: اللاجئون كثر ومن كل بقاع الأرض، واللجوء لا يختصر على الفلسطيني فحسب، أقول نعم هذا بالتأكيد، لكن اللاجئ غير الفلسطيني إن لجأ إلى بلد ما، فإنما يلجأ لظروف آنّية أو لوضع اقتصادي صعب أو لحرب عابرة أو مؤقتة، أما الفلسطيني فلجوؤه قاهر، بل هربًا من احتلال للأرض قبل الإنسان، وبعكس كل تجارب الاحتلال الأخرى.. فالاحتلال أو الاستعمار سواءً كان بريطانيًا أو فرنسيًا أو غيرهما كان هدفه الأول والأساسي ثروات البلد أكثر من حاجته للأرض التي يحتلها، أما في الحالة الفلسطينية فهو احتلال للأرض وما عليها.. يريدها خاوية إلا من ثرواتها، خالية من الإنسان الفلسطيني تمامًا.. وهذا هو الفرق.
كان الملجأ الوحيد والأهم لهذا الفلسطيني اللاجئ، مخيمات انتشرت في بقاع كثيرة، سواء في غَزة أو في الضفة الغربية، كما انتشرت أيضًا في الأردن ولبنان وسوريا. البقية المتبقية انتشرت في كل بقاع الأرض تقريبًا، وهو ما عُرف لاحقًا "بالشتات"، ولعل أكثريةً منه استقر به المقام في دولة الكويت الشقيقة، مع أن هذا المقام لم يدم طويلاً فكان عليه أن يبحث عن ملجأ آخر وكأن قدره أن يبقى مرتحلاً!!
تبقى "المخيمات الفلسطينية" من أهم المعالم التي تُحدد رحلة العذاب الفلسطينية وأزمة اللجوء التي لا تتوقف عند أرض..هذه المخيمات وأبناؤها، سواءً ما أنُشئ منها على الأرض الفلسطينية أو على الأرض العربية، ورغم حالة البؤس والفقر اللذان يميزها عن باقي القرى والمدن الأخرى، إلا أنها شكلت؛ ومنذ انطلاقة المقاومة والثورة الفلسطينية بؤرة هذه المقاومة ومنبع الرجال، وكانت دائمًا وحتى الآن وقودًا للثورة وجذوتها.. ومفتاح الصمود في صولاتها وجولاتها..
مع ذلك، فالمتابع والزائر لهذه المخيمات سواءً كانت على الأرض الفلسطينية أو العربية، وبالذات في قطاع غزة الأبية، يلاحظ وبدون أدنى شك كل علامات القهر والبؤس المادي.. ويكفيه أن يشاهد مستوى المباني وأشباه البيوت التي يسكنها أهلها بأدنى أسباب الراحة ووسائل الأمان، بلا بنىً تحتية ولا مرافق صحية ولو بأبسطها!! لا أمن اجتماعي ولا أمان.. لا استقرار ولا راحة بال.. لا عمل ولا وسائل مؤمّنة للكسب.. وجاء الحصار الجائر ليكمل المأساة تعقيدًا..
أما المخيمات على الأرض العربية، فحدث ولا حرج، ورغم أننا نُقدر استضافة هذه الدول لها ونشكرها عليها، فإن قلوبنا يعتصرها الألم والحزن لمستوى المعيشة الذي يثقل على العائلة الفلسطينية اللاجئة ويتعب كاهلها، فلم أسمع أو أرى عائلات ولا على أي بقعة من الأرض لا يزيد معدل دخلها الشهري عن السبعة دولارات إلا في هذه المخيمات!! ولا أعتقد أن هناك معاناة تصل إلى الحد الذي يعانيه أبناؤها.. فالدخل محدود، ومجال الرزق ضيق، بضيق مساحة هذه المخيمات.. زد على ذلك، مشاعر الظلم والقهر التي تلاحق هذا اللاجئ كلما تخيل أن غريبًا يتمتع برزقه، ويأكل ثمار أشجاره، ويستظل تحت سقف بيته، وهو يحاول بدون جدوى أن يحتمي تحت ألواح الصفيح! ومفتاح بيته القديم والعودة إلى دياره هي محور أحلامه وذكرياته التي لا تنسى ولا تنتهي. فهل سمعتم عن أحد ينسى يومًا أحد أبنائه؟ أو عن إنسان نسي حقه أو أرضه أو عرضه؟ فهل إذا توفرت لهذا الإنسان العيشة الكريمة، فقد حقه في العودة والتعويض اللذان كفلتهما كل الشرائع والقوانين السماوية والدولية؟
للمخيمات الفلسطينية الفضل الأكبر على فلسطين وقضيتها الوطنية، فأبناء المخيمات في الداخل والشتات يؤكدون دائمًا وفي كل المحافل وعلى كل الساحات أنهم قادرون على خلق الإنجازات من رحم معاناتهم، وهم القادرون دائمًا على المنافسة والإبداع مع أقرانهم من أبناء الشعب الفلسطيني المناضل، وهم أول المضّحين بالغالي والنفيس لأجل قرارنا المستقل. ولا يخلو أي بيت في أي مخيم فلسطيني من شهيد أو جريح أو أسير إن لم تكن كلها مجتمعة.. والأكثر من ذلك، سكان المخيمات في الداخل والخارج قد يشكلون الأكثرية من الشعب الفلسطيني، لكنهم مع ذلك، محرومون وفي معظم الأحوال من حقهم في التأثير السياسي بشكل فعال في رسم الخارطة السياسية وإدارة قضيتنا التي طالما كانوا وما زالوا وقودها وشعلتها التي لا تنطفئ، مهما قست الظروف وصعبت الحال.. كما أنهم؛ وأعتقد لظروفهم الصعبة والتي نتفهمها، مغيبون في فعل الحدث وعن الحسم في القضايا المصيرية كالانتخابات، وموضوع الانقسام الفلسطيني الذي طال، وغير ذلك من القضايا المهمة، ومع كل الأوضاع المأساوية التي يعيشها أهلنا في هذه المخيمات، إلا أنهم يبقون الثابتون في أماكنهم وعلى منابرهم وفي حصونهم، وهم الذين يحتاجون إلى كل دعم وإلى هبة من الجميع.. بحاجة إلى إعطائهم الحق في قول كلمتهم، وأن يعودوا إلى دور الريادة الذي يستحقونه، فلا نتركهم هكذا ضحية، لكن هذه المرة للجوع والفقر والحاجة.. فعواقب ذلك تفكك أسري وأمراض اجتماعية لا تُحمد عُقباها.. ولعلي ومن خلال هذه الكلمات أُنبه نفسي وأنتم معي لإنقاذ مخيماتنا من العوز والبؤس، ولو ببعض الاهتمام والدعم المادي والمعنوي وألا نجعل أماكنهم أينما كانوا أماكن منسية..
• • • • •