منتهى الرقة

2009-08-18

من أنا .... ؟سألت نفسي هذا السؤال قبل أن أولد ولا زالت لا أعرف الجواب. ليتهم يقولون لي حقيقة الجواب، وكيف لهم ذلك وأنا لا أفهم نفسي ولا جوابا على سؤالي الوجودي هذا !!!. أعرف شيئا واحدا فقط هو أن متعتي الحقيقية في هذه الدنيا أن أحتفظ بكل أصدقائي. إلا أنني أصبحت متخصصة بامتياز في نثر سمي عليهم وأقتل صداقتهم لبعضهم. لا يرتاح لي بال حتى أطير محملة أجنحتي بالقيل والقال وأزركشه ببهتان ثم أضعه في دسم، وأسقيه لكل واحد منهم حتى ينفروا من بعض ، وهنا تتحقق قمة سعادتي ووجودي لأني متأكدة أنني شخص منتج ، حتى لو كان هذا الإنتاج هو الكراهية والتنفير والبعاد !!! أليس هذا أفضل من لا شيء ؟


كانت تق//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/4e58244e-4fca-42b0-a9d0-d6d7b2cfc8fe.jpeg هقه شقاء وهي تتساقط كما ورقة الخريف، جسد منهك يتعثر ظله المنكسر وتحترق ألوانه، عينان جائرتان من كثرة التحديق إلى جمال الروح المسلوب، تجاعيد التفت حول العنق في غياب عطار وعد وأخلف. روح أنهكتها الحروب وكثرة اللف اللاهث في الشوارع. أناقة تدثر عفونة في الروح الشبقة لشهوة مجنونة تستيقط لاهثة في منتصف الليل، قزم محشور بين العمالقة، ينقصه فقط بعض من اللغة لكي يصعد إلى الفضاء. تحاول أن تتمكسك بأطراف السماء القلقة، تتضاءل يئسا. ومازالت تخطو على رصيف الجنون والتدمير. قدميها تطاردان خطواتها، تفكّر فيما مضى، تهيم على أيامها سنين من منفى دثرت بعضها المنهوك.


الجميل أنني احتفظ بهم كلهم ... أعاملهم بكل مودة وكرم. أسقيهم الشاي وأطبخ لهم الطاجين،"أطيب مهاراتي وابداعي". أعشق أصدقائي وأقدس الحب. وهم صراحة كلهم طيبين معي كرماء صادقين بطبعهم وفي تعاملهم. هذا طيب لحد البله، والثاني طيب صارم في صدقه لي، والثالث خاتم سليمان في أصبعي، أما الرابع فلا أبتعد عنه ثانية، أكن له جنونا في محبتي، لا أفارقه لحظة من كثرة حبي له. إلا أنني بمجرد أن يختفي عن عيني ، أنزل بسمومي عليه طولا وعرضا ، بمناسبة وبدون مناسبة... لا أعرف لماذا أفعل ذلك؟ هو يعاملني بكل طيبة إلا أن لسانه جارح للغاية ، يوبخ تقاعسي في عملي، ويلومني لكثرة تجوالي في الشوارع عوضا عن الاجتهاد في عملي. ثم يمطرني بقوله الذي حفظته عن ظهر قلب " صديقك من صدقك ".


هذا يغضبني ويزيد من حقدي عليه. تمنيته لو أصبح سرابا هواء ترابا. والثاني يملأ فراغي، يعاملني بكل طيبة مجنونة، ويستمع لثرثرتي بكل تهذيب لا يقاطعني أبدا، أحيانا أحس عيناه تغمضان من كثرة إطنابي وتكراري لنفس الحديث رغم أنني أضيف عليه شيء من البهارات. حفظ كل ما عندي، أحسه لم يعد يستحسن كلامي. أصبح كلامي عنده مجرد اجترار في تكرار ينمّ عن فراغي وحبي للثرثرة فقط . هو أيضا صرت أكرهه ، لأنه يتهرب مني. أشغله بأعمالي كلما سنحت لي الفرصة. ولم لا؟ "صديقك من كتب لك". عجيب غريب أمره كيف يستطيع فعل أشياء وأشياء تراه طائرا هنا وهناك ، ينجز ما لم أنجزه في دهر، يا إلهي كيف يفعل ذلك؟ أصبحت لا أطيق إسمه الذي أسمعه أينما حللت ورحلت، في نومي ويقظتي ... بل وحتى في أحلامي أرى دما يسيل من ضلوعه ولم يمت اللعين بعد ... تمنيت له الموت لكنه ما زال حيا يرزق. أما الآخر فشعوري نحوه غريب عجيب. أحبه وأكرهه ثم أكرهه وأحبه بل مشكلتي لا أستطيع الاستغناء عنه. تربطني به أشياء وأشياء، إلا أنه يتبارى معي أنا ... ومن يكن حتى يفعل ذلك ؟ أنا صاحبة كل الرقي، وتكونت جنينا في رحم راقية، وخرجت للدنيا على سرير راق ودرست كل الرقي في مدرسة الراقيين. فصارت خطواتي وحركاتي ولباسي وكلماتي رقي في رقي. وصاحبي ينتزع مني ذلك لن أسمح له ... تشد على شفتيها حتى سالت منها قطرات من دم. هذا بالتحديد مشكلتي معه تختلف عن سابقه .


مرة كنت في بيته و كان يائسا من حال الدنيا، أثقله تعب الغربة ومشاكلها فسلمني أمانة له على ألا أريها لأحد. أخذت منه الأمانة وابتسامتي ربتت على كتفه ثم انسحبت مهرولة من بيته أمشي بسرعة البرق لأصل بيتي وأكشف عن الامانة، فيا للهول ما رأيت. لم اصدق نفسي. ذهبت إلى صديقي الأول والثاني والثالث فأطلعتهم عن الامانة. كنت أرى في عين أحدهم الاستياء والغضب لتصرفي. جحظت عيناه. لم يصدق جحود شذوذي. ثار عليّ بقسوته الصحراوية البدائية ... ثورة عارمة تشبه سيول البراكين التي تهدم السدود والجبال وتغرق المدن وقراها بالحمم ... لم يعير لي اي اعتبار، أنا الكريمة، الرقيقة، الأريحية الروح لم يعجبه هول ما رأى. ومن لباقته المفتعلة، تمالك نفسه واستمع لتفاهة قولي، ورغم حرصه على ألا يجرح شعوري إلا أنني كنت أرى شرارة الغضب الظالم في عينيه. انهال عليّ بشلال نزق من كلمات أبكى سكوني الموجع، وأيقظ ألمي الذي كان مستلقيا على سريري الأبدي. كلماته تدوي كالرّعد، تومض كالبرق

كيف سوت لك نفسك أن تفعل ما فعلت؟

لا ... مممم ... ولكن .... بس أنا ... أعني ... أنت لم تعرف كيف كان يعاملني؟

ما دخل معاملته لك بفتح أمانته؟ ألا تعرفين أنه من صفات المؤمن حفظ الأمانة والصدق؟ حرق قلبي ؟ هل قلبك لا يعرف أنّ صديقك هذا الذي فتحت أمانته لا يقول عنك إلا خيرا .

أنت لا تعرفه جيدا ولا تعرف أنفته الخاوية، دائما ينافسني وكأنه غريمي.

_ ما فعلته لا يمكن تصديقه ويستدعي الحذر منك ، فمن يفتح أمانة صديق لا يمكن الوثوق به مع أصدقاء آخرين !!

_ لكن أنت لست بغريب ان أطلعتك عن الأمانة.

_ هو أيضا ليس بغريب عنك وتقضي معه معظم الأوقات أكثر مما تقضيها معي.

كانت تتلعثم وتتمتم وفجأة انطلق لسانها ، واسترسل كالرشاش مبررة فعلتها بأمور أكثر تفاهة من الفعل نفسه. وأنا واقف من دهشتي وفمي مفتوح كسمكة في الماء مصدوم لما أسمع . أحسست أنني أختنق بربطة عنقي، أحاول فكها . عرق ينزل على جبيني ومن داخلي. أصابني غضب كل العالم وعيناي ستنزلقان من محجريها من شدة صدمة ما أرى وما أسمع ... وما زالت تعوي ككلب لم يذق طعم الأكل منذ زمن طويل. جوع في نفسه جعله وحشا ضاريا، يجرح بمخالب لا ترحم. ألوم نفسي وأنا مازلت واقفا كالأصم وهي ما زالت مسترسلة في ثرثرتها الفارغة التي تنثر حقدا لا يستطيعه طابور من الشياطين .

كيف استطعت تحمل هذه اللعنة كل هذه السنين؟ وأنا أعرف أنها هي التي قطعت علاقتي بعمر وقطعت علاقة عمر بزيد واحتفظت بنا نحن الثلاثة الأغبياء، لأننا لم نواجهها كي تفتح عقلها على أفعال الشر التي تقوم بها!! حملت نفسي على عجل عند أصدقائي الثلاثة متدمرة وقبل أن أفتح فمي لهم وجدت سوأتي عارية عندهم.


Zakia Khairhoum

www.zakianna.se

ghaliawin@yahoo.com

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved